الأحد، 12 أكتوبر 2025

11:59 ص

من يمول من؟ رحلة داخل دوامة التمويل في عالم الذكاء الاصطناعي

الأحد، 12 أكتوبر 2025 09:15 ص

صناعة الذكاء الاصطناعي

صناعة الذكاء الاصطناعي

تشهد صناعة الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في بنيتها التمويلية والاستثمارية، مدفوعة بموجة هائلة من الشراكات والتحالفات بين شركات التقنية الكبرى من جهة، والشركات الناشئة المتخصصة في النماذج الذكية والحوسبة السحابية من جهة أخرى. 

الذكاء الاصطناعي

هذا النمو المتسارع الذي يبهر الأسواق العالمية، يثير في الوقت نفسه تساؤلات متزايدة بشأن أصله ومدى استدامته، خصوصًا في ظل بروز ظاهرة جديدة تعرف باسم "الصفقات الدائرية"، وهي ممارسات استثمارية معقدة تعيد تدوير رأس المال داخل نفس المنظومة بدلاً من خلق تدفقات نقدية جديدة من الخارج. 

في هذا السياق، يبدو أن الزخم الذي يعيشه القطاع، وإن كان يعكس ثورة تقنية حقيقية، قد يكون أيضًا انعكاسًا لمنظومة مغلقة من التمويل، يشتري فيها المستثمر من نفسه، ويبيع لنفسه، ويسجل ذلك كمكاسب مالية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام تحليل عميق لطبيعة هذه الصفقات، وخطرها المحتمل على توازن السوق وشفافيته.

اقرأ أيضًا:

عصر الروبوتات الشبيهة بالبشر بدأ، الاقتصاد العالمي على أعتاب ثورة صناعية جديدة

الصفقات الدائرية.. ما الذي يحدث حقًا؟

تقوم "الصفقات الدائرية" في جوهرها على نمط من التبادلات المالية الداخلية، حيث تستثمر شركة كبرى، مثل مايكروسوفت أو إنفيديا أو جوجل، في شركة ناشئة واعدة في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء عبر تمويل مباشر أو عبر دخول كشريك استراتيجي.

ثم تعود هذه الشركة الناشئة لتشتري منتجات أو خدمات من المستثمر نفسه، مثل الرقائق، أو البنية السحابية، أو خدمات التدريب الحاسوبي. 

هذه العلاقة تؤدي إلى تسجيل مبيعات جديدة في القوائم المالية للشركة الكبرى، وتضخيم تقييم الشركة الناشئة التي تستفيد من الدعم المالي والتكنولوجي في الوقت ذاته. 

المشكلة، كما يراها العديد من الاقتصاديين، ليست في مبدأ الشراكة ذاته، بل في أن هذه الصفقات غالبًا ما تسجل كمبيعات حقيقية ونمو عضوي، بينما هي في الواقع حلقات مغلقة من التبادل المالي، لا تعكس نشاطًا اقتصاديًا خارجيًا حقيقيًا. 

الأمر أشبه بشخص ينقل المال من جيبه الأيمن إلى الأيسر، ثم يعلن أنه أصبح أغنى، هذه الديناميكية بدأت تطغى على بنية تمويل الذكاء الاصطناعي، مما يدفع بعض المحللين إلى إطلاق تحذيرات من تضخم وهمي في الإيرادات، وخلق انطباع زائف بقوة الطلب على المنتجات التقنية.

OpenAI وNvidia 

من يمول من؟ ومتى يتحول النمو إلى تضخيم؟

عند النظر إلى الشراكات الأخيرة في وادي السيليكون، نرى مثالًا واضحًا على هذه الدائرة المغلقة، حيث أعلنت شركة OpenAI عن صفقة مع AMD للحصول على رقائق متقدمة، مقابل حصة تصل إلى 10٪ في الشركة المصنعة.

وقبلها بأسابيع، تعهدت Nvidia باستثمار ضخم قد يصل إلى 100 مليار دولار في OpenAI، ما رفع القيمة السوقية للشركة الناشئة إلى أكثر من 500 مليار دولار، لتصبح أكبر شركة خاصة في العالم. 

هذه الأرقام الضخمة تبدو جذابة للغاية على الورق، لكنها تطرح سؤالًا أكثر عمقًا: هل تمثل هذه الاستثمارات قيمة مضافة حقيقية؟ أم أنها مجرد تدوير لرأس المال بهدف تضخيم التقييمات؟. 

الإجابة ليست واضحة دائمًا، خصوصًا أن هذه الصفقات تمرر تحت غطاء النمو الاستراتيجي أو التحالفات المستقبلية، لكنها في واقع الأمر قد تعكس محاولة من الشركات الكبرى لضمان السيطرة على السوق من خلال تمويل من يشتري منها، وخلق طلب داخلي وهمي يرفع من تقييماتها في البورصة، ويغري المستثمرين بموجة صعود قد لا تكون مستدامة.

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي يشعل وول ستريت، وخبير: الخوف من الفقاعة

الفقاعة التي لا تريد السوق أن تعترف بها

إن ما يحدث حاليًا في قطاع الذكاء الاصطناعي يحمل ملامح تشبه إلى حد كبير فقاعة الدوت كوم التي انفجرت مطلع الألفية. 

فكما كانت شركات الإنترنت آنذاك تتبادل التمويلات والطلبات في ما بينها، وترفع من تقييم بعضها البعض في حلقات مغلقة، يجري اليوم مشهد مشابه في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تتورط الشركات الكبرى في "استثمارات دائرية" تضخم الإيرادات دون نمو عضوي حقيقي. 

وإذا ما ثبت لاحقًا أن العوائد الحقيقية لتقنيات الذكاء الاصطناعي سواء في تحسين الإنتاجية أو خفض التكاليف أقل من التوقعات، فإن السوق مهدد بتصحيح عنيف، قد يؤثر ليس فقط على شركات التكنولوجيا، بل على الاقتصاد الأمريكي ككل، خاصة في ظل ما تمثله هذه الشركات من وزن ثقيل في مؤشرات الأسهم والتمويل المؤسسي.

تقنيات الذكاء الاصطناعي

الابتكار.. ضحية رأس المال الدائري

بعيدًا عن المؤشرات المالية، هناك مخاوف أكبر تتعلق بطبيعة الابتكار نفسه، إذ يحذر خبراء من أن الصفقات الدائرية تعيد تشكيل بيئة العمل في الذكاء الاصطناعي بطريقة قد تقوض فرص الشركات الجديدة التي لا تمتلك علاقات داخل هذا النادي المغلق. 

فبدلاً من أن تقوم السوق على التنافس الحر والابتكار الحقيقي، قد تتحول إلى سلسلة مغلقة تتحكم فيها عدد محدود من الشركات التي تملك المال، والبيانات، والبنية التحتية، والنماذج. 

هذه الديناميكية تضعف الشفافية وتحد من فرص ظهور حلول مبتكرة من خارج المنظومة، كما تعزز النزعة الاحتكارية، وتقلل من قدرة الجهات التنظيمية على تقييم الوضع الحقيقي للسوق. 

ومن هنا، ينبع الخطر الأكبر، أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط لتغيير طريقة عمل الاقتصاد، بل أيضًا لإعادة تشكيل من يتحكم فيه، باستخدام أدوات التمويل المغلق بدلاً من التفوق التكنولوجي.

تقنيات الذكاء الاصطناعي

نهاية مفتوحة.. بين الحذر والفرص

في المحصلة، لا يمكن إنكار أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية لتغيير وجه الاقتصاد العالمي، وأن الطلب على قدراته في التصنيع، والتعليم، والرعاية الصحية، والبرمجة، مرشح للنمو في السنوات القادمة. 

لكن في المقابل، لا بد من الاعتراف بأن طريقة تمويل هذا النمو باتت تطرح إشكاليات لا يمكن تجاهلها. 

الصفقات الدائرية، رغم طابعها الاستراتيجي، تحمل في طياتها مخاطر تضليل المستثمرين، وتضخيم السوق، وتعزيز الاحتكار، وبينما يراقب المستثمرون بحذر هذه الديناميكيات، يبقى على الهيئات الرقابية، والمحللين الماليين، وصناع القرار، أن يعملوا على فك تشابك هذا النمو، والتمييز بين ما هو استثمار منتج، وما هو تضخيم محاسبي قد يتحول إلى فقاعة. 

فكما أن التكنولوجيا قادرة على بناء المستقبل، فإن التمويل الخاطئ قادر على إعادة إنتاج الماضي.. ولكن بحجم أكبر وسقوط أعنف.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search