الأحد، 12 أكتوبر 2025

04:47 ص

البيت الأبيض مستثمرًا، نموذج اقتصادي جديد يرسمه ترامب في الشركات الأمريكية

الأحد، 12 أكتوبر 2025 01:39 ص

اقتصاد الدولة بقبضة ترامب

اقتصاد الدولة بقبضة ترامب

منذ عودته إلى البيت الأبيض، أطلق الرئيس دونالد ترامب العنان لنموذج اقتصادي غير مسبوق في الولايات المتحدة، يقوم على ما يشبه رأسمالية الدولة عبر تدخلات مباشرة في الشركات الاستراتيجية، من خلال ما يعرف بـالأسهم الذهبية، حصص تمنح للحكومة دون مقابل مالي، لكنها تمنحها نفوذًا حاسمًا في توجيه قرارات تلك الشركات.

شركة Intel

دولة تشتري موقعها داخل الشركات الكبرى

شركة Intel، التي كانت تعاني صيف هذا العام من انخفاض في قيمتها السوقية وتراجع ثقة المستثمرين، أصبحت فجأة تحت أضواء السوق، بعد أن حصلت الحكومة الأمريكية على حصة تقارب 10% مقابل تحويل تمويل قانون CHIPS إلى مساهمة مباشرة. 

نتيجة لذلك، ارتفع سهم الشركة بنسبة 67%، فيما ضخ مستثمرون كبار مثل Nvidia وSoftBank مليارات الدولارات استجابة لهذه الخطوة.

وفي قطاع المعادن الاستراتيجية، قفز سهم MP Materials بأكثر من 140% بعد أن حصلت الحكومة على حصة 15% من الشركة، إلى جانب اتفاق طويل الأجل لشراء مركب NdPr الأساسي في تصنيع مغناطيسات دائمة تستخدم في الصناعات الدفاعية.

هذا النهج الحكومي الجديد لم يتوقف عند دعم الشركات من الخلف، بل أصبح تدخلًا مباشرًا في السوق يحدد من يربح ومن يخسر.

أرباح سريعة.. ولكن بأي ثمن؟

أثبتت التجربة حتى الآن أن من يسير في ركب ترامب يربح على الأقل في الأمد القصير، فقد تضاعفت أسهم شركات مثل Cleveland-Cliffs، Lithium Americas، وTrilogy Metals بعد حصولها على دعم حكومي مباشر أو شبه مباشر. لكن هذا النجاح لم يأتي دون مخاوف.

الانتقادات تتصاعد، ويرى خبراء اقتصاديون أن ما يجري يشكل انحرافًا خطيرًا عن الأسس الليبرالية للسوق الأمريكية.

حيث أصبح البيت الأبيض في عهد ترامب لا يكتفي بالتشريعات، بل يتحول إلى لاعب مباشر في السوق، يقرر من يتلقى الدعم ومن يستبعد، وسط شبه غياب للشفافية أو رقابة تشريعية حقيقية.

الأسهم الذهبية ليست مجرد أدوات نفوذ، بل قد تتحول إلى أدوات تضييق على المنافسة، وتهديد لمبدأ تكافؤ الفرص بين الشركات، خصوصًا أن الشركات "المحظوظة" تحظى بتمويل شبه مجاني، وصفقات تصدير، واتفاقيات شراء حكومية، في حين يترك الآخرون لمصيرهم في سوق حرة ظاهرًا ولكنها موجهة فعليًا.

Nvidia

Nvidia.. الرابح الأكبر أم ضحية قادمة؟

في قلب هذا المشهد تقف Nvidia، عملاق الرقائق الإلكترونية والذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من استثمارها في Intel وتعاونها في مشاريع مستقبلية، إلا أن الشركة باتت تواجه ضغوطاً متزايدة من الجانبين الأمريكي والصيني.

حظرت بكين مؤخرًا بعض مبيعات Nvidia، منها شريحة H20، ما دفع الشركة للبحث عن صيغ توافقية مع إدارة ترامب، التي بدورها فرضت رسومًا على صادرات Nvidia إلى الصين تصل إلى 15% من العائدات، فيما وصفه البعض بـ"ضريبة تصدير غير دستورية".

رئيس الشركة، جنسن هوانج، بدأ يظهر بمظهر اللاعب السياسي الحذر، محاولاً الحفاظ على علاقة جيدة مع البيت الأبيض، دون أن يفقد السوق الصينية الحيوية.

لكن التساؤل يطرح نفسه.. إلى متى تستطيع Nvidia الموازنة بين الضغطين؟ وهل يتحول دعم الحكومة اليوم إلى عبء بيروقراطي أو سياسي غدًا؟

اقرأ أيضًا:

لتأسيس مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي، شراكة بين "إنفيديا" و"OpenAI"

صندوق سيادي أمريكي؟ أم قرارات فردية؟

لا يخفي ترامب رغبته في تأسيس ما يشبه صندوقًا سياديًا أمريكيًا، يستخدم لتوجيه الاستثمارات الاستراتيجية داخل البلاد، كما تفعل دول مثل الصين أو النرويج. 

إلا أن غياب بنية تشريعية واضحة، واستعجال الإدارة في التحرك عبر قرارات تنفيذية دون العودة للكونجرس، يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا النموذج.

التمويل يأتي من مصادر غير تقليدية، ضغوط على اليابان وكوريا الجنوبية لتقديم تمويلات تصل إلى 900 مليار دولار تحت تهديد الرسوم الجمركية، والتفكير في تسييل احتياطات الذهب، وربما الاستفادة من عوائد الصفقات مع الشركات.

لكن خبراء مثل Veronique de Rugy يحذرون من تضارب مصالح غير مسبوق حين تتحول الحكومة إلى مستثمر ومنظم في آن واحد، معتبرين أن النموذج القائم حاليًا أقرب إلى "اقتصاد رجل واحد" منه إلى سياسة صناعية مدروسة.

الرأسمالية الأمريكية

هل نحن أمام مرحلة جديدة في الرأسمالية الأمريكية؟

ما يجري اليوم في ظل ترامب يرقى إلى إعادة تعريف شاملة للعلاقة بين الدولة والسوق في أمريكا:

  • شركات تفوز بالدعم والصفقات بموجب الولاء أو الأهمية الاستراتيجية.
  • سياسات تجارية تستخدم كورقة تفاوضية لدعم الاستثمارات الداخلية.
  • تدخلات حكومية تفرض إيقاعًا جديدًا على الأسواق، بعيدًا عن منطق العرض والطلب.

إنها مرحلة جديدة من رأسمالية الدولة على الطريقة الترامبية، لا تشبه النموذج الصيني من حيث المركزية، ولكنها تتقاطع معه في اعتماد الدولة كلاعب رئيسي في السوق، وليس مجرد منظم.

النتائج حتى الآن تصب في مصلحة المستثمرين، ولكن السؤال الكبير يبقى: من يدفع الثمن على المدى البعيد؟ وهل تظل السوق الأمريكية قادرة على الابتكار والتنافس بحرية إذا أصبحت قرارات الاستثمار خاضعة للتقلبات السياسية والشخصية؟

اقرأ أيضًا:

«إنفيديا» تستثمر 5 مليارات دولار في «إنتل» لدعم سباق الذكاء الاصطناعي

 

السوق تصفق لترامب.. ولكن بحذر

الأسواق قد تحتفي بالمكاسب السريعة، لكن الاقتصاد لا يبنى فقط على المؤشرات اللحظية، فالتحول الذي يقوده ترامب قد يحقق سيطرة استراتيجية، لكنه يحمل معه خطر تقويض التنافسية والاستقلالية المؤسسية، ويدخل البلاد في متاهة قرارات فردية لا يحكمها إطار قانوني واضح.

الاقتصاد الأمريكي، المعروف بقدرته على التكيف، يدخل مرحلة اختبار حقيقية، اختبار لرؤية دولة تسير بثبات نحو مزج الرأسمالية مع لمسة من التخطيط المركزي. 

والسؤال الأهم: هل يكون هذا المزج وصفة للتفوق، أم بذرة لانهيار لاحق؟ الأيام وحدها ستكشف.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search