الإثنين، 06 أكتوبر 2025

10:23 م

اقتصاد تحت الأرض وملاجئ يوم القيامة، حين يتحول الخوف إلى سوق استثماري

الإثنين، 06 أكتوبر 2025 05:42 م

ملاجئ يوم القيامة

ملاجئ يوم القيامة

في العقود الأخيرة، ومع تصاعد الأزمات العالمية مثل الجائحات، والتغيّر المناخي، والأزمات الجيوسياسية، وازدياد الحديث عن الذكاء الاصطناعي وانهيار الأنظمة، نشأت نزعة جديدة بين فاحشي الثراء، إلى بناء ملاجئ يوم القيامة. 

رغم أن هذه الظاهرة تبدو نفسية أو ثقافية في ظاهرها، إلا أن لها أبعادًا اقتصادية عميقة، ترتبط بقطاعات استثمارية متعددة، وتشير إلى تحولات في أنماط الاستهلاك، وتوزيع الثروة، وثقة النخب الاقتصادية بالمؤسسات العامة.

 

الطلب على الأمن الخاص.. سوق جديد في اقتصاد البقاء

أحد أبرز مظاهر اقتصاد ملاجئ يوم القيامة هو بروز سوق متخصصة في الأمن الشخصي، لا على مستوى الحماية اليومية، بل على مستوى الحماية من نهاية العالم. 

شركات مثل "أطلس سرفايفال شلترز" و"فورتيفايد إستيتس" تحقق أرباحًا طائلة من بناء ملاجئ مضادة للهجمات النووية، مزودة بأنظمة أوكسجين مستقلة، ومخازن غذاء، وحتى وسائل ترفيه.

هذه السوق تمثل شكلاً جديدًا من الاقتصاد الذي يمكن تسميته بـ"اقتصاد البقاء الفاخر" (Luxury Survival Economy)، حيث يقدر سعر الملاجئ بعشرات الملايين، مع تخصيص بنود في العقود للتجهيزات الشخصية كقاعات السينما أو غرف الذعر السرية. 

ومن منظور اقتصادي كلاسيكي، فإن هذا الطلب ينشئ سلسلة إنتاج طويلة تشمل، العقارات، وتكنولوجيا الحماية، والخدمات اللوجستية، والمقاولات العسكرية.

ملاجئ يوم القيامة

فجوة الثقة.. الاستثمار في البقاء بدلاً من المؤسسات

تحول الأثرياء نحو بناء الملاجئ الخاصة يشير ضمنيًا إلى انعدام الثقة في قدرة الحكومات أو المؤسسات العامة على حمايتهم في الأزمات. 

وهذا الاتجاه يعكس تحولاً اقتصاديًا جوهريًا، بدلاً من الاستثمار في أنظمة عامة للبنية التحتية أو التأمين الاجتماعي أو الصحة العامة، يتم توجيه رأس المال إلى حلول فردية ومعزولة.

هذا الانعزال يكرس نوعًا من الاقتصاد الموازي، حيث يتم خلق منظومات معيشية كاملة خارج نطاق الاقتصاد العام، وهو ما قد يؤدي على المدى البعيد إلى إضعاف شرعية الدولة كضامن اجتماعي. 

من وجهة نظر اقتصادية كلية، فإن هذا التحول يعزز التفاوت الطبقي، ويقلص من فاعلية السياسات التوزيعية.

اقرأ أيضًا:

من أفلام نهاية العالم إلى واقع أوروبا، ملاجئ تحت الأرض بمليارات الدولارات

صناعة الخوف.. كيف يستثمر القلق الجماعي؟

لا يمكن إغفال دور صناعة الإعلام الرقمي والمنصات التكنولوجية التي يملكها نفس هؤلاء الأثرياء في تضخيم مشاعر الخوف من المستقبل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يغذي هذا السوق هو شعور دائم بالتهديد، وهو شعور تحول إلى سلعة تباع وتشترى.

الرأسمالية الحديثة، بحسب العديد من المفكرين الاقتصاديين، باتت قادرة على تحويل كل شيء إلى سوق، بما في ذلك الخوف من الموت. 

ولعل ملاجئ نهاية العالم تمثل أوضح تجلي لهذه الآلية، فكما تم تحويل الصحة إلى سوق، تم الآن تحويل النجاة نفسها إلى خدمة فاخرة لا يستطيع الجميع تحمل تكلفتها.

ملاجئ يوم القيامة

آثار اقتصادية محتملة على المدى البعيد

الانتشار المتزايد لثقافة الملاجئ الخاصة ينطوي على عدة تداعيات اقتصادية محتملة:

1. إعادة توجيه الاستثمار: الأموال التي تنفق على هذه الملاجئ كان من الممكن أن توجه نحو البحث العلمي أو تطوير البنية التحتية أو دعم المجتمعات في مواجهة الكوارث البيئية.

2. تعميق التفاوت الطبقي: إذا أصبح للأثرياء الحق في النجاة من الكوارث عبر ملاذات خاصة، بينما تترك الطبقات المتوسطة والفقيرة لمصيرها، فإن ذلك سيعمق الانقسام الاقتصادي والاجتماعي داخل الدول وحتى على المستوى العالمي.

3. خلق فقاعات اقتصادية: تمامًا كما حدث مع العملات الرقمية، قد تؤدي فقاعة البقاء إلى اختلالات في السوق إذا استمر التضخيم الإعلامي لقيمة هذه الملاجئ دون طلب حقيقي مستدام.

4. تقويض دور الدولة: عبر بناء أنظمة معيشية مستقلة، فإن الأثرياء ينسحبون عمليًا من العقد الاجتماعي الذي يفترض مساهمتهم في بناء مجتمع آمن للجميع، لا فقط لمن يملك المال.

 

اقرأ أيضًا:

ملاجئ تحت الأرض، من فكرة دفاعية إلى استثمار يجتاح العالم

البديل الاقتصادي.. الاستثمار في النجاة الجماعية

في مقابل اقتصاد النجاة الفردي، يبرز نموذج بديل قائم على النجاة الجماعية، وهو يستدعي سياسات اقتصادية تعزز البنية التحتية، والبحث العلمي، وتطوير آليات استجابة للكوارث يمكن أن يستفيد منها الجميع.

يشمل هذا البديل الاستثمار في الطاقات المتجددة، والزراعة المستدامة، والاقتصاد التعاوني، وتوزيع أفضل للموارد، بما يجعل المجتمعات أكثر مرونة في مواجهة الأزمات. 

في هذا الإطار، لا يكون الهدف هو النجاة الفردية المعزولة، بل خلق اقتصاد مرن Resilient Economy قادر على استيعاب الصدمات ومساعدة الجميع على تجاوزها.

ملاجئ

النجاة ليست منتجًا خاصًا

ملاجئ يوم القيامة ليست مجرد ظاهرة، بل تكشف لنا كيف يمكن لرأس المال أن يحول حتى أكثر المشاعر إنسانية، كالخوف من الموت إلى سلعة، لكنها في ذات الوقت تفضح هشاشة المنظومة الاقتصادية الراهنة التي تسمح لفئة صغيرة بشراء الحماية، وترك البقية لمصيرهم.

النجاة، في نهاية المطاف، ليست منتجًا يمكن بيعه، بل هي نتاج أنظمة اجتماعية واقتصادية عادلة، ولذلك، فإن مستقبل الاقتصاد لا يجب أن يبنى تحت الأرض، بل على أساس من التضامن، والعدالة، والاستثمار في الجميع، لا في قلة محصنة بجدران فولاذية.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search