رادارات المراقبة العسكرية، العيون التي لا تنام في صراع التسلح
السبت، 03 مايو 2025 12:25 م

الرادارات العسكرية
تحليل/ كريم قنديل
في ظل تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية، وتحول طبيعة التهديدات العسكرية حول العالم، يشهد سوق الرادارات العسكرية نموًا ملحوظًا، مدفوعًا بالتحولات في ميدان المعركة، وتزايد الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة.
ووفقًا لتقديرات Mordor Intelligence السوقية، من المتوقع أن يرتفع حجم سوق الرادارات العسكرية، من 17.57 مليار دولار في عام 2025م، إلى 22.59 مليار دولار بحلول عام 2030م، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 5.15%.

تغير طبيعة التهديدات ودور التكنولوجيا
وقد باتت ساحات القتال الحديثة أكثر تعقيدًا، في ظل بروز تهديدات جديدة، تتمثل في الطائرات المسيّرة الصغيرة، وصواريخ فرط الصوتية، والأنظمة الذاتية غير المأهولة، ما يدفع الجيوش إلى تطوير خط الدفاع الأول وهي الرادات، والتي تشهد أنظمتها، تحولًا جذريًا مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، إلى مجال تحليل البيانات وتحديد الأهداف بدقة وسرعة غير مسبوقة.
فالرادارات الحديثة، لم تعد تكتفي برصد الأهداف الجوية التقليدية، بل تطورت لتواكب التهديدات المتعددة الاتجاهات، مثال على ذلك أنظمة AESA (المصفوفات النشطة الممسوحة إلكترونيًا)، والتي تقدم تغطية أوسع، وزمن استجابة أسرع، وقدرة أعلى على مقاومة التشويش، مقارنة بالرادارات الكلاسيكية ذات المسح الميكانيكي.
التركيز الجغرافي والتحالفات الصناعية
وتتجه أنظار كبار المصدرين العسكريين، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، إلى منطقة أسيا والمحيط الهادئ، باعتبارها سوقًا واعدًا للرادارات العسكرية، نتيجة النزاعات الإقليمية المتزايدة، وحاجة الدول هناك لتعزيز قدراتها الاستطلاعية.
وهذا التوجه، يترافق مع توجّهِِ عالمي نحو الشراكات الاستراتيجية والتكامل الصناعي، ففي يوليو 2023م أعلنت شركة Hensoldt الألمانية، تعاونها مع الصناعات الجوية الإسرائيلية، لتزويد الجيش الألماني برادارات متقدمة بقيمة تقدر بحوالي 200 مليون يورو، ما يعكس تصاعد التعاون العابر للحدود في تطوير أنظمة رادار متعددة المهام.

الاستثمار الحكومي يقود النمو
والاستثمار الحكومي، هو المحرك الأساسي لهذا النمو، ففي ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2024م، تم تخصيص أكثر من 147 مليون دولار لتطوير رادارات بحرية من نوع X-band، إلى جانب 133,5 مليون دولار، لتطوير صواريخ مضادة للرادار.
فيما شهد عام 2023م، خطوة نوعية من وكالة "DARPA"، والتي أعلنت عن مشروع "Blackjack"، الهادف إلى تطوير أقمار صناعية منخفضة التكلفة مزوّدة بأنظمة رادار متقدمة، لتسريع تكوين شبكات استشعار فضائية متعددة المهام.
الاتجاه العالمي وتسليح المستقبل
وفي ظل بلوغ الإنفاق العسكري العالمي مستوى غير مسبوق بلغ 2,44 تريليون دولار في عام 2023م، أي بزيادة قدرها 9% عن العام السابق، حيث أصبحت الرادارات الحديثة، جزءًا محوريًا من خطط التحديث العسكري، فعلى سبيل المثال، أعلنت القوات الجوية الأمريكية، عن مشروعٍ لبناء رادارات دفاعية لحماية الأراضي الأمريكية من صواريخ كروز الروسية الحديثة، ما يبيّن كيف تترجم الزيادة في الميزانيات الدفاعية، إلى مشاريع رادارية متقدمة.
كما أن برامج التعاون متعددة الجنسيات، مثل برنامج نظام القتال الجوي المستقبلي، والذي تشترك فيه فرنسا وألمانيا وإسبانيا بميزانية تتجاوز 103 مليارات دولار، أو مشروع المقاتلات الشبحية بين بريطانيا واليابان وإيطاليا، توضح أن الرادار بات حجر الزاوية في مفاهيم تسليح المستقبل.

سوق يزدهر على وقع سباق التسلح البحري والولايات المتحدة في الصدارة
وفي زمن تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية، وتتسارع وتيرة التحديث العسكري، لم تعد البحار مجرد ممرات للتجارة، بل تحولت إلى مسارح استراتيجية، تتطلب يقظة تكنولوجية من الطراز الأول، وفي قلب هذه الاستراتيجية، تقف رادارات المراقبة البحرية، التي باتت أشبه بالعيون الإلكترونية للسفن الحربية، حيث ترصد الخطر قبل أن يلوح في الأفق.
سلاح استباقي وأكثر من مجرد رادار
وتلعب رادارات المراقبة البحرية، دورًا حاسمًا في حماية القطع البحرية، خاصة ضد التهديدات الحديثة كالصواريخ المضادة للسفن، ولا يقتصر دورها على الكشف المبكر فحسب، بل تتكامل مع صواريخ أرض جو، لتوجيهها في الوقت الحقيقي نحو التهديدات المتحركة، ما يجعلها عنصرًا لا يمكن لأي مقاتلة سطحية الاستغناء عنه.
سوق عالمية تتوسع بثبات
ووفقًا لتحليلٍ حديثٍ، فإن سوق رادارات المراقبة البحرية في طريقه للنمو بوتيرة ثابتة على مدى الأعوام الخمسة عشرة المقبلة، إذ يُتوقع أن يتم تزويد 78 سفينة حربية جديدة بهذه الأنظمة، موزعة على عشرة دول حول العالم.
ويُقدر متوسط تكلفة الرادار الواحد، بحوالي 12.7 مليون دولار، وهو رقم استُخلص من تتبع الأسعار السوقية على مدار سنوات، مع الإقرار بأن الفروقات في التكنولوجيا والمواصفات، قد ترفع أو تخفض من هذا السعر.

أمريكا أولًا، ثم أوروبا وأسيا
وتشير بيانات Mordor Intelligence، إلى أن الولايات المتحدة ستتصدر هذا السوق، مع طلبات محتملة قد تبلغ 1.9 مليار دولار، مستفيدة من أسطولها البحري المتوسع، ومشروعاتها المستمرة لتحديث أنظمة الدفاع.
أما أوروبا، فستحتل المركز الثاني في هذا السباق، مع طلبات متوقعة تصل إلى 459 مليون دولار، مدفوعة بتحركات الدول الأعضاء في الناتو، لتعزيز قدراتها البحرية، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية المتنامية في البحر الأسود والمتوسط.
من جهتها، ستشكل منطقة أسيا والمحيط الهادئ، والتي تعد ثالث أكبر سوق بقيمة تبلغ 280,5 مليون دولار، مدفوعة بمخاوف متزايدة، في ظل التوسع الصيني في المحيطين الهندي والهادئ، وفي المقابل، ستحصل إفريقيا على الحصة الأصغر من السوق، بنحو 12,5 مليون دولار، ما يعكس الفجوة الواسعة في ميزانيات التسلح البحرية حول العالم.

أسواق مغلقة وأخرى ناشئة
ورغم هذا النشاط، استُبعدت بعض الدول من التقديرات وعلى رأسها الصين وروسيا، حيث تغلق هذه الدول أسواقها أمام الموردين الأجانب، حيث تلجأ لتصنيع أنظمتها محليًا، كما لم تشمل الأرقام البرامج، التي تم فيها بالفعل اختيار أنظمة الرادار، مثل بعض المبادرات في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، ما يعني أن السوق الفعلي قد يكون أوسع، مما تكشفه الأرقام الحالية.
ويشهد سوق الرادارات العسكرية، تحولًا بنيويًا مدفوعًا بمزيج من الابتكار التكنولوجي، وتزايد التهديدات المعقدة، وطفرة في الإنفاق الدفاعي، ومع دخول الذكاء الاصطناعي والمراقبة الفضائية ومفاهيم القتال الشبكي إلى قلب العمليات العسكرية، من المتوقع أن تستمر وتيرة النمو القوي لهذا السوق، وأن يتحوّل الرادار من مجرد جهاز رصدٍ إلى منصة استخباراتية متكاملة، تتصدر المشهد الدفاعي العالمي.
قراءة في الأفق
وفي عالم تسوده الشكوك وتتغير فيه موازين القوة البحرية بسرعة، تبدو هذه الرادارات أشبه بخط الدفاع الأول في المعركة الخفية بين البقاء والتفوق.
Short Url
من منصة افتراضية لـ صدمة نفسية، الوجه المظلم لتطبيقات الرفقة الذكية
03 مايو 2025 03:13 م
طفرة التجارة الإلكترونية في مصر، من سلة المشتريات إلى قاطرة التنمية الرقمية
03 مايو 2025 01:08 م
ترامب يصعد المواجهة، قرار بوقف التمويل الفيدرالي عن NPR وPBS
03 مايو 2025 11:14 ص


أكثر الكلمات انتشاراً