بإنفاق غير مسبوق، الولايات المتحدة تدخل عصر الاقتصاد المدفوع بالذكاء الاصطناعي
الخميس، 14 أغسطس 2025 12:32 ص

الذكاء الاصطناعي الأمريكي
في تحول تاريخي يشبه إلى حد بعيد الثورات الصناعية الكبرى، يشهد الاقتصاد الأمريكي هذه الأيام ما يمكن وصفه بالتحول البنيوي العميق نحو اقتصاد تقوده الخوارزميات والبيانات والذكاء الاصطناعي.
ومع إعلان كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية عن خطط إنفاق غير مسبوقة على مراكز البيانات، ورقائق الحوسبة، والبنية التحتية الرقمية، تتجه أنظار العالم إلى هذا التحرك الاقتصادي، في محاولة لفهم ما إذا كانت الولايات المتحدة تدخل فعلاً عصر الاقتصاد المدفوع بالذكاء الاصطناعي، أم أن كل ما نشهده لا يعدو كونه قفزة استثمارية قد تنتهي كما انتهت فقاعة الإنترنت في مطلع الألفية.
استثمارات خيالية تعيد رسم المشهد الاقتصادي
لا يمكن تجاهل الأرقام الفلكية التي تتدفق حاليًا في قطاع الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة، ففي عام 2025 وحده، تخطط شركات مثل مايكروسوفت، وأمازون، وجوجل وميتا لإنفاق ما يتجاوز 350 مليار دولار، وهو ما يتفوق على الإنفاق الأمريكي على برامج البنية التحتية التقليدية، بل ويتجاوز تكلفة برنامج أبولو الذي أوصل الإنسان إلى القمر.
هذا النوع من الإنفاق لم يعد مجرد تطوير لتقنية واعدة، بل تحول إلى ما يشبه مشروعًا وطنيًا غير معلن، تتشابك فيه المصالح الاقتصادية مع التوجهات الجيوسياسية، والرغبة الأمريكية في الحفاظ على ريادتها التكنولوجية في وجه صعود الصين وأوروبا في مجال الذكاء الاصطناعي.

النمو الاقتصادي الأمريكي.. الذكاء الاصطناعي في قلب المعادلة
إن مساهمة الذكاء الاصطناعي في نمو الاقتصاد الأمريكي قد تصل إلى 0.7% من الناتج المحلي في عام 2025، أي نصف إجمالي النمو المتوقع البالغ 1.4%، حسب بيانات الاحتياطي الفيدرالي، وهو رقم هائل بمقاييس اقتصادات متقدمة، إذ أن قطاعات كاملة مثل الصناعة أو الزراعة لا تساهم عادة بهذه النسبة خلال عام واحد، وهذا التأثير يتجلى في عدة مستويات:
- توسع الطلب على مراكز البيانات العملاقة.
- زيادة استهلاك الطاقة لأغراض الحوسبة المتقدمة.
- طفرة في سوق أشباه الموصلات بقيادة شركات مثل Nvidia.
- خلق وظائف جديدة في مجالات البرمجة، والبنية الرقمية، وأمن البيانات.
وفي المقابل، فإن الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يعوض إلى حد ما تباطؤ قطاعات تقليدية في السوق، أبرزها التوظيف، حيث أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية مؤخرًا تباطؤًا في معدلات التوظيف خلال مايو ويونيو، مما جعل من الذكاء الاصطناعي قارب النجاة المؤقت للاقتصاد.
اقرأ أيضًا:
"ترامب يفتح الباب مجددًا"، رقاقات أمريكية إلى الصين ولكن برسوم ومحدودية أداء
طفرة حقيقية أم فقاعة مضخمة؟
رغم كل الحماس، لا تعني زيادة الإنفاق الرأسمالي بالضرورة نموًا مستدامًا، إذا لم تقترن هذه الاستثمارات بعوائد تجارية ملموسة.
فهل ستتمكن الشركات من تحويل هذه الإنفاقات إلى أرباح؟ أم أن ما يحدث هو تكرار لنموذج "فقاعة الدوت كوم" في مطلع الألفية، حيث ضخ المستثمرون أموالاً طائلة في مشاريع لم تحقق عوائد؟
إن الذكاء الاصطناعي يمثل بالفعل تحولاً اقتصاديًا حقيقيًا، لكن التحدي الأكبر هو في القدرة على تحويل هذا الزخم إلى نماذج أعمال مستدامة.
فإن لم تتمكن الشركات من تحقيق عوائد قوية، فإن هذا قد يعيد رسم المشهد الاستثماري خلال عامين فقط، مع إعادة تقييم جدوى الإنفاق الضخم على هذه التقنية.
سوق العمل.. ما بين الفرص والمخاطر
من أبرز مظاهر التحول نحو اقتصاد الذكاء الاصطناعي، ما يطرأ على سوق العمل الأمريكي، فمن المتوقع خلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة في مجالات مثل:
- تطوير البرمجيات المتقدمة.
- إدارة وتشغيل مراكز البيانات.
- أمن المعلومات والتقنيات السحابية.
لكن في المقابل، فإن ما بين 10 و15% من الوظائف الروتينية معرضة للاختفاء أو لإعادة الهيكلة، ما يعني أن ملايين العمال قد يحتاجون إلى إعادة تأهيل وتدريب لمواكبة المتغيرات.
هذا التحول المزدوج يعيد طرح الأسئلة حول عدالة التحول الرقمي، ومدى قدرة المؤسسات الأمريكية على حماية الفئات الأكثر عرضة للتهميش الرقمي، مع الحاجة إلى سياسات حكومية واضحة في التدريب، التأهيل، ودعم الابتكار المحلي.
اقرأ أيضًا:
الرقاقة تحت المراقبة، صراع الذكاء الاصطناعي بين أمريكا والصين يتحول لمعركة استخباراتية
البعد الجيوسياسي.. التكنولوجيا كسلاح نفوذ عالمي
الذكاء الاصطناعي لم يعد قضية اقتصادية فحسب، بل تحول إلى أداة نفوذ في النظام العالمي الجديد. فبينما تواصل الصين ضخ المليارات في تطوير نماذجها اللغوية ومنظومتها الخاصة، تسعى الولايات المتحدة عبر هذا السباق المحموم إلى:
- تعزيز ريادتها العالمية.
- الحفاظ على تفوقها في مجال الشرائح الدقيقة.
- فرض معاييرها في تنظيم الذكاء الاصطناعي عالميًا.
إن مراكز البيانات التي تبنى حاليًا تمثل حصون اقتصادية، ومن يملك هذه البنية هو من سيتحكم بابتكارات العقد المقبل، ولهذا، فإن هذه الاستثمارات لا تقاس بعائدها الفوري فقط، بل أيضًا بقدرتها على تثبيت النفوذ التكنولوجي الأمريكي لعقود قادمة.

وول ستريت تصفق.. والأسهم تواصل التحليق
حتى الآن، فإن أسواق المال الأمريكية تكافئ الشركات التي تنفق على الذكاء الاصطناعي:
- سهم Microsoft ارتفع مع وصول قيمتها السوقية إلى 4 تريليونات دولار.
- Nvidia، رائدة رقائق الذكاء الاصطناعي، أصبحت أكبر الشركات من حيث القيمة السوقية.
- Meta قفز سهمها بـ11% بعد إعلان استثماراتها الجريئة.
هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات أسواق مالية، بل تعكس ثقة المستثمرين في المستقبل التكنولوجي، وتغذي دورة صعودية من التمويل، الابتكار، وزيادة الطلب على الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضًا:
إنفيديا و«AMD» يدفعون 15% من إيرادتهم لأمريكا مقابل تصدير الرقائق إلى الصين
التحول البنيوي من صناعة الحديد إلى صناعة الخوارزميات
اللافت في المشهد الأمريكي اليوم، هو أن الاقتصاد يتحول من الاعتماد على الصناعة والخدمات، إلى نموذج اقتصادي يقوم على البنية التحتية الرقمية، فنحن أمام قاطرات نمو جديدة: رقائق، مراكز بيانات، نماذج لغوية ضخمة، أدوات تحليل، أمان سيبراني، وغيرها.
إن كل دولار يستثمر في الذكاء الاصطناعي يحرك قطاعات بأكملها، من شركات الرقائق الإلكترونية إلى قطاع الإنشاءات والطاقة المتجددة، وصولاً إلى قطاع التعليم والتدريب المهني، إنه اقتصاد شبكي مترابط، يعيد تشكيل سلسلة القيمة من جذورها.

المستقبل بدأ بالفعل.. لكنه محفوف بالأسئلة
بين الطفرة والفقاعة، وبين الفرصة والمخاطرة، يقف الاقتصاد الأمريكي على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها الذكاء الاصطناعي.
ولكن، ما لم تترجم هذه الاستثمارات إلى منتجات ذات قيمة حقيقية، ووظائف عالية المهارة، وعوائد تجارية مستدامة، فقد تتحول الحماسة الراهنة إلى خيبة مستقبلية.
إنها لحظة تاريخية في مسيرة الاقتصاد الأمريكي، وقد تكون كما يصفها البعض، بداية الثورة الصناعية الرابعة، ولكن نجاح هذه الثورة لا يقاس فقط بحجم الإنفاق، بل أيضًا بالنتائج، والعدالة، والاستدامة.
السؤال الأكبر لا يكمن في، هل أصبح الذكاء الاصطناعي محرك الاقتصاد الأمريكي؟، بل هل تستطيع الولايات المتحدة بناء اقتصاد رقمي متوازن يلبي تطلعات السوق، ويصمد أمام تقلبات المستقبل؟.. العامان المقبلان سيحملان الإجابة.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
إطلاق العنان لإمكانات الذكاء الاصطناعي.. المكاتب الخلفية تقود النقل والخدمات اللوجستية
13 أغسطس 2025 08:16 م
الطباعة ثلاثية الأبعاد، ثورة صناعية تحول الأفكار إلى واقع ملموس
12 أغسطس 2025 05:34 م
أكثر الكلمات انتشاراً