الأحد، 28 ديسمبر 2025

04:14 م

بين ثقل التعليم وضغوط الاقتصاد، ماذا جرى في سوق الكتب بمصر؟

الأحد، 28 ديسمبر 2025 02:14 م

سوق خدمات الكتب في مصر

سوق خدمات الكتب في مصر

يعد سوق خدمات الكتب في مصر واحدًا من أكثر الأسواق الثقافية تعقيدًا وتشابكًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نظرًا لارتباطه الوثيق بقطاع التعليم، وتأثره المباشر بالمتغيرات الاقتصادية، فضلًا عن كونه مرآة للتحولات الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع المصري. 

ورغم التحديات المتراكمة التي يواجهها هذا السوق، لا سيما التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج والرقابة الصارمة وانتشار الكتب المقرصنة، فإنه لا يزال يحتفظ بزخم نمو مستقر، مدفوعًا بقاعدة طلابية ضخمة، واستثمارات حكومية مستمرة، وطلب متزايد على المحتوى المعرفي والأدبي.

حجم السوق ونموه.. أرقام تعكس الاستقرار لا الطفرة

بلغت قيمة سوق خدمات الكتب في مصر نحو 213.6 مليون دولار أمريكي خلال عام 2024، ومن المتوقع أن يسجل معدل نمو سنوي مركب يقدر بـ 2.6% خلال الفترة من 2025 إلى 2030، وعلى الرغم من أن هذا المعدل لا يصنف ضمن معدلات النمو المرتفعة، إلا أنه يعكس حالة من المرونة والاستقرار النسبي في سوق يتعرض لضغوط اقتصادية مستمرة.

ويرى محللون أن هذا النمو المتواضع يعكس طبيعة السوق المصرية، الذي يعتمد بشكل أساسي على الطلب التعليمي طويل الأجل، وليس على موجات استهلاكية سريعة، فالكتاب، بخلاف السلع الترفيهية، يظل سلعة أساسية مرتبطة بالتعليم والتكوين المعرفي، ما يمنحه قدرًا من الحماية أمام التقلبات الاقتصادية.

التعليم.. العمود الفقري لسوق الكتاب

تمثل المنظومة التعليمية المصرية المحرك الرئيسي لسوق خدمات الكتب، إذ تضم مصر أكثر من 25 مليون طالب في مختلف المراحل التعليمية، ما يجعلها صاحبة أكبر نظام تعليم ما قبل جامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 

وينص الدستور المصري على مجانية وإلزامية التعليم الأساسي، بينما تخصص الدولة أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي لقطاع التعليم، وهو ما ينعكس مباشرة على الطلب المستمر على الكتب الدراسية والأكاديمية.

هذا الحجم الضخم من الطلاب يخلق طلبًا سنويًا شبه مضمون على الكتب المدرسية، والمراجع التعليمية، والكتب المساندة، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة أو الدولية، كما أسهم التوسع في المدارس الخاصة والدولية، التي تعتمد مناهج أجنبية أو ثنائية اللغة، في زيادة الطلب على الكتب المستوردة أو الصادرة بلغات أجنبية، خاصة الإنجليزية.

المبادرات الحكومية ودورها في تحفيز الطلب

إلى جانب الإنفاق الحكومي المباشر على التعليم، أطلقت الدولة عددًا من المبادرات التعليمية والتنموية التي ساهمت في توسيع قاعدة الطلب على الكتب، ومن أبرز هذه المبادرات:

  • برنامج تعليم معلمي STEM، الذي يركز على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات
  • مبادرة القرية المتعلمة، التي تستهدف محو الأمية وتعزيز الثقافة في المناطق الريفية
  • Workforce Egypt، الهادفة إلى تطوير مهارات الشباب وربطهم بسوق العمل
  • مبادرة التميز للمعلمين، التي تركز على رفع كفاءة الكوادر التعليمية

وقد أدى ذلك إلى اتساع الطلب على الكتب التعليمية والمهنية وكتب تطوير الذات، ليس فقط بين الطلاب، بل أيضًا بين المعلمين والمهنيين الساعين إلى تحسين أوضاعهم الوظيفية.

التضخم.. التحدي الأكبر أمام الصناعة

رغم هذا الطلب القوي، يواجه سوق خدمات الكتب في مصر تحديًا رئيسيًا يتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، والذي انعكس بشكل مباشر على أسعار الكتب. 

ووفقًا لاتحاد الصناعات المصرية، ارتفعت أسعار الكتب التعليمية بنسبة تراوحت بين 35% و40% خلال عام 2023، مع تسجيل مواد مثل الرياضيات واللغة العربية أعلى الزيادات، وترجع هذه الزيادات إلى عدة عوامل، من بينها:

  • ارتفاع أسعار الورق والأحبار
  • زيادة تكاليف الطباعة والنقل
  • تقلبات سعر الصرف
  • الاعتماد الجزئي على المواد المستوردة

وقد أدى هذا الارتفاع إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر، خاصة في ظل الضغوط المعيشية العامة، ما دفع العديد من أولياء الأمور إلى البحث عن بدائل أقل تكلفة.

استجابات السوق.. حلول مبتكرة تحت الضغط

في مواجهة هذه التحديات، لجأت دور النشر ومقدمو خدمات الكتب إلى مجموعة من الاستراتيجيات التكيفية، ومن أبرزها تقليل عدد الصفحات والمحتوى في بعض الكتب، دون المساس بالمحتوى الأساسي، بهدف خفض تكاليف الإنتاج، كما شهد السوق توسعًا ملحوظًا في الاعتماد على:

  • الكتب المستعملة
  • بنوك الكتب المدرسية
  • المكتبات العامة والمجتمعية

إلى جانب ذلك، ظهرت حلول تمويلية مبتكرة لتسهيل شراء الكتب، مثل أنظمة التقسيط، وقد أطلق اتحاد الناشرين المصريين مبادرات تتيح شراء الكتب على تسعة أقساط شهرية بفائدة منخفضة تبلغ 1.5%، في محاولة للتخفيف من أثر ارتفاع الأسعار وجعل الكتاب أكثر إتاحة لشريحة أوسع من المجتمع.

معارض الكتب.. رافعة ثقافية واقتصادية

تلعب معارض الكتب دورًا محوريًا في دعم سوق خدمات الكتب في مصر، وعلى رأسها معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي يعد أحد أكبر معارض الكتب في المنطقة، فقد استقطبت دورته الـ54، التي أقيمت في يناير 2023، أكثر من مليوني زائر، بمشاركة ما يزيد على 1000 دار نشر من 53 دولة.

كما أعلنت وزارة وزارة الثقافة المصرية إن الدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب استقبلت عددًا قياسيا من الزائرين هو الأكبر منذ تأسيسه بلغ 4785539 زائرًا.

وشارك 1200 ناشر من 70 دولة في المعرض الذي أقيم في الفترة من 25 يناير إلى السادس من فبراير، تحت شعار (نصنع المعرفة.. نصون الكلمة) في مركز مصر الدولي للمعارض.

ويمثل المعرض منصة رئيسية للبيع المباشر، حيث تلجأ دور النشر إلى تقديم خصومات كبيرة للتغلب على تأثير ارتفاع الأسعار، كما يعد المعرض مؤشرًا واضحًا على استمرار شهية القارئ المصري للكتاب، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.

هيمنة الكتب الأكاديمية.. مع تباطؤ نسبي

من حيث التصنيف، استحوذ قطاع الكتب الأكاديمية على الحصة الأكبر من سوق خدمات الكتب في مصر، بنسبة بلغت 27.3% من إجمالي الإيرادات في عام 2024، ويعود ذلك إلى البنية التعليمية الواسعة، وكثرة أعداد الطلاب، واعتماد النظام التعليمي بشكل أساسي على الكتب المطبوعة.

إلا أن هذا القطاع يشهد تباطؤًا نسبيًا في النمو، نتيجة ارتفاع الأسعار واعتماد بعض الأسر على إعادة استخدام الكتب أو مشاركة النسخ بين الطلاب، ويتوقع خبراء أن يظل هذا القطاع مهيمنًا، لكنه لن يكون الأسرع نموًا خلال السنوات المقبلة.

صعود الأدب والرواية.. تحولات ذوقية واضحة

من المتوقع أن يكون قطاع الروايات والكتب الأدبية الأسرع نموًا خلال الفترة من 2025 إلى 2030، وتشير المؤشرات إلى تزايد اهتمام القراء، خاصة الشباب، بالأدب العربي المعاصر، إلى جانب الأعمال المترجمة.

كما شهدت الروايات المصورة والقصص المصورة (Comics) رواجًا ملحوظًا بين الفئات العمرية الأصغر، مدفوعة بتغير أنماط القراءة، والبحث عن محتوى بصري أكثر جذبًا.

ويبرز في هذا السياق ظهور جيل جديد من الروائيين المصريين والعرب، المستلهمين للإرث الأدبي لرموز مثل نجيب محفوظ وطه حسين وإحسان عبد القدوس وأهداف سويف، مع تقديم رؤى معاصرة تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية.

اللغة.. صراع الهيمنة والنمو

من حيث اللغة، تصدرت الكتب باللغة الإنجليزية سوق خدمات الكتب في مصر من حيث الإيرادات خلال عام 2024، ويعكس ذلك تنامي أهمية اللغة الإنجليزية في التعليم الجامعي، وسوق العمل، والهجرة، إلى جانب انتشار المدارس والجامعات التي تعتمد الإنجليزية كلغة أساسية للتدريس.

في المقابل، من المتوقع أن يشهد قطاع الكتب العربية أسرع معدل نمو خلال فترة التوقعات، ويشمل هذا القطاع الكتب المؤلفة باللغة العربية، إضافة إلى الأدب العالمي المترجم، ويعود هذا النمو إلى:

  • كون العربية اللغة الأم لأكثر من 106 ملايين مصري.
  • زيادة اهتمام الشباب بالأدب المترجم.
  • توسع دور النشر المحلية في تقديم ترجمات عالية الجودة.

مشهد تنافسي متنوع ومتعدد اللاعبين

يضم سوق خدمات الكتب في مصر عددًا كبيرًا من اللاعبين المحليين والدوليين، ومن بينهم: ديوان، مكتبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة (AUC Press)، الأنجلو إيجيبتشن، أبودي، آدم، جملون، نيل وفرات، International Language Bookshop، وغيرها.

وتتمتع دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة بمكانة خاصة، نظرًا لتاريخها الممتد منذ عام 1919، ودورها في نشر الفكر والثقافة العربية عالميًا، وقد عززت مكانتها مؤخرًا بفوز إحدى رواياتها بجائزة دولية في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2024.

سوق الكتب المستعملة

أعيد افتتاح سوق الكتب المستعملة في حي الأزبكية، أحد أبرز الأحياء الثقافية في القاهرة، بعد تجديده، وعلى الرغم من كونه من أقدم أسواق الكتب في المدينة، فقد شهد السوق تحولات وتغييرات عديدة خلال تاريخه الممتد لأكثر من مئة عام.

وقد انتقلت السوق الآن إلى موقع قريب من موقعه الأصلي، ويضم 133 متجرًا تصنف الكتب المعروضة للبيع بشكل أفضل حسب المؤلف والنوع الأدبي. 

كما ينقسم السوق المتشعب إلى أزقة تحمل أسماء أدباء مصريين مشهورين، من بينهم طه حسين، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، الذين اعتادوا التردد على السوق واستلهام أفكارهم منه.

وتتميز تشكيلة الكتب بتنوعها الكبير، حيث تضم مجلات وكتبًا باللغتين العربية والإنجليزية، ووفقًا لفيديو نشرته كايرو سين، تبدأ أسعار الكتب من أقل من خمسة جنيهات مصرية (0.10 دولار أمريكي).

نظرة مستقبلية.. نمو حذر في سوق صامد

في المحصلة، يقف سوق خدمات الكتب في مصر أمام مستقبل يتسم بالنمو الحذر، المدفوع بعوامل هيكلية قوية مثل التعليم والديموغرافيا، والمقيد بتحديات اقتصادية لا يمكن تجاهلها. 

وبينما قد لا يشهد السوق طفرات كبيرة على المدى القصير، فإن استمراريته واستقراره يجعلان منه أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الثقافي المصري.

ويبقى السؤال المطروح، هل تنجح الصناعة في تحقيق توازن بين إتاحة المعرفة وتحقيق الاستدامة الاقتصادية؟ الإجابة ستتحدد بمدى قدرة الفاعلين في السوق على الابتكار، والتكيف مع المتغيرات، والحفاظ على مكانة الكتاب كعنصر لا غنى عنه في المجتمع المصري.

اقرأ أيضًا:

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي كتابة رواية بروح نجيب محفوظ؟

كتّاب أمريكيون ينتصرون على "أنثروبيك"، صفقة بـ1.5 مليار دولار تهز عالم الذكاء الاصطناعي

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search