التكلفة الخفية للاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في أبحاث السوق
الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025 09:50 ص
الذكاء الاصطناعي وأبحاث السوق
في عصر تتسارع فيه وتيرة الأعمال، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة مفضلة لدى الشركات وصناع القرار لإجراء أبحاث السوق، تقارير يتم إنتاجها في دقائق، ورسوم بيانية جذابة، وتوقعات تبدو مدعومة بالأرقام والمراجع، هذا المشهد خلق انطباعًا واسع الانتشار بأن البحث السوقي أصبح محلولًا تقنيًا، ولا يحتاج سوى ضغطة زر، غير أن هذا الانطباع يخفي خلفه تكلفة خفية قد تكون باهظة، خاصة في القطاعات الاقتصادية المعقدة وعالية المخاطر.
المشكلة الجوهرية لا تكمن في ضعف قدرات الذكاء الاصطناعي، بل في الثقة المفرطة به، فالذكاء الاصطناعي بارع في توليد محتوى يبدو ذكيًا ومقنعًا، لكنه لا يمتلك فهمًا حقيقيًا للسياق التشغيلي أو التنظيمي الذي تتحرك فيه الأسواق.
وبعبارة أدق، هو يجيد محاكاة المعرفة أكثر مما يجيد إنتاجها، حيث يحتاج إلى مراجعة دقيقة في كافة المهام الذي يقوم بها، وذلك نظرًا للأخطاء التي تنتج عن عدم دقته، فما هو إلا آلة.
أخطاء صغيرة بتأثيرات اقتصادية كبيرة
تكشف التجارب العملية أن الاعتماد غير المدروس على أدوات الذكاء الاصطناعي في أبحاث السوق يؤدي إلى سلسلة من الأخطاء المتكررة، ومن بينها الخلط بين مواد صناعية متشابهة في الاسم لكنها مختلفة جذريًا في الاستخدام والتكلفة، أو إجراء تحويلات وحدات إنتاج دون مراعاة كثافة المادة أو طبيعتها الفيزيائية.
كما تظهر أخطاء أخرى أكثر خطورة، مثل توقع معدلات تشغيل مصانع أو مصافي دون احتساب فترات الصيانة المجدولة، أو بناء توصيات تسعير على بيانات غير موثقة أو افتراضية، في الصناعات كثيفة رأس المال، مثل الطاقة، الكيماويات، أو التعدين، لا تعد هذه الهفوات مجرد تفاصيل فنية، بل قد تؤدي إلى تقديرات استثمارية خاطئة، وسوء تخصيص للموارد، وقرارات استراتيجية قد تكلف الشركات ملايين الدولارات.

أمثلة واقعية تفضح الفجوة بين الذكاء والواقع
أحد الأمثلة البارزة يتعلق بتوقعات إنتاج الديزل المتجدد، واعتمد أحد المستثمرين على توقعات مولدة بالذكاء الاصطناعي أشارت إلى دخول طاقات إنتاجية ضخمة خلال فترة قصيرة.
هذه الأرقام بدت منطقية على الورق، لكنها تجاهلت عنصرًا حاسمًا، وتوفر الهيدروجين اللازم لعمليات المعالجة، وعند مراجعة هذه التوقعات تحليليًا، تبين أن الطاقة القابلة للتنفيذ فعليًا أقل بكثير، وأن عددًا من المشاريع يواجه مخاطر تأخير بسبب البنية التحتية وسلاسل الإمداد.
مثال آخر من قطاع الليثيوم في الولايات المتحدة، حيث رشحت أدوات تعتمد على بيانات عامة موقعًا استثماريًا واعدًا لمعالجة الليثيوم، غير أن بندًا تشريعيًا واحدًا في قانون محلي خاص بإدارة المياه كان كافيًا لإسقاط الجدوى الاقتصادية للموقع بالكامل، هذا التفصيل التنظيمي لم يظهر في الملخصات الآلية ولا في قواعد البيانات المفتوحة، لكنه كان حاسمًا في القرار الاستثماري.
لماذا يخطئ الذكاء الاصطناعي؟
اقتصاديًا، يعمل الذكاء الاصطناعي بمنطق الاحتمال وليس اليقين، فهو يتنبأ بما يبدو صحيحًا استنادًا إلى أنماط سابقة وبيانات متاحة، وليس بما هو صحيح أو قابل للتنفيذ بالضرورة، وفي أسواق الأعمال بين الشركات (B2B)، تتضاعف المشكلة لأن:
- الأسعار غالبًا غير معلنة أو تفاوضية.
- كثير من التقنيات غير موثق أو محمي.
- القيود التشغيلية والتنظيمية لا تظهر في البيانات المفتوحة.
وعندما يملأ الذكاء الاصطناعي هذه الفجوات، فإنه يعتمد على افتراضات قد تكون مضللة أو غير مكتملة.

الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا بديلًا عن الخبرة
الخلاصة الاقتصادية هنا واضحة، وهي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية لتسريع البحث، واكتشاف الأنماط، وتجميع المعلومات الأولية، لكنه لا يجب أن يكون الحكم النهائي في قرارات استثمارية أو استراتيجية عالية المخاطر.
القيمة الحقيقية تتحقق عندما يدمج الذكاء الاصطناعي مع خبرة بشرية قادرة على قراءة السياق، والتحقق من المصادر، وربط الأرقام بالواقع التشغيلي والتنظيمي، فبدون هذا التكامل، تتحول السرعة إلى مقامرة، والدقة الظاهرية إلى خطر مستتر، في عالم الأعمال اليوم، لم يعد السؤال: كم كان التقرير سريعًا؟ بل أصبح: هل كان صحيحًا، ومبنيًا على واقع يمكن الدفاع عنه اقتصاديًا؟
اقرأ أيضًا:
بين مكافحة الاكتئاب والتنبؤ المبكر بالعدوى، الذكاء الاصطناعي يُغيّر مفهوم الرعاية الصحية
تتجاوز 15 تريليون دولار، وكلاء الذكاء الاصطناعي يُديرون 90% من معاملات الشركات بحلول 2028
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
من السيادة إلى الاستثمار، اليخوت العملاقة تتحول لمنصات اقتصادية عابرة للقارات
30 ديسمبر 2025 12:00 م
بين ثقل التعليم وضغوط الاقتصاد، ماذا جرى في سوق الكتب بمصر؟
28 ديسمبر 2025 02:14 م
%32 في الشرق الأوسط يعتمدون على ChatGPT، كيف يحمي الذكاء الاصطناعي وظيفتك؟
20 ديسمبر 2025 02:26 م
أكثر الكلمات انتشاراً