الخميس، 18 ديسمبر 2025

02:22 ص

من نفايات نووية إلى وقود للذكاء الاصطناعي.. كيف تحول شركة أمريكية “القمامة المشعة” إلى كنز اقتصادي؟

الأربعاء، 17 ديسمبر 2025 11:21 م

نفايات نووية

نفايات نووية

في لحظة تاريخية تتقاطع فيها أزمتان عالميتان، الطلب المتسارع على الطاقة النظيفة، والانفجار غير المسبوق في استهلاك الكهرباء بسبب الذكاء الاصطناعي، تظهر فكرة كانت تعد حتى وقت قريب أقرب إلى الخيال العلمي وهي النفايات النووية التي ليست مشكلة أبدًا، بل فرصة اقتصادية ضخمة.

وتحاول شركة أمريكية ناشئة تدعى Curio قلب المفهوم السائد رأسًا على عقب، معتبرةً أن الوقود النووي المستهلك، يمثل كنزًا إستراتيجي يمكن أن يغير مستقبل الطاقة والصناعة في الولايات المتحدة وربما العالم.

 

إعادة تعريف النفايات.. من عبء طويل الأجل إلى أصل اقتصادي

ولطالما اعتبرت النفايات النووية، أحد أكبر العوائق أمام التوسع في الطاقة النووية، بسبب تكلفتها الباهظة وخطورتها الممتدة لعشرات الآلاف من السنين، لكن اقتصاديًا، يلفت نموذج Curio الانتباه إلى مفارقة مهمة، فالوقود النووي بعد استخدامه لا يفقد سوى نحو 4% فقط من قيمته الطاقية.

وبمعنى آخر، فالعالم الآن يتخلص من مادة ما زالت تحتفظ بغالبية قيمتها، فقط لأن التكنولوجيا السائدة تاريخيًا، لم تكن قادرة على استغلالها بكفاءة وأمان، ويشبه هذا التحول في النظرة من زاوية اقتصادية، ما حدث مع النفايات البلاستيكية أو ثاني أكسيد الكربون، حين بدأت بعض الشركات تتعامل معها كموادٍ خامٍ لصناعات جديدة، والفرق هنا أن الرهان أكبر، والمخاطر أعلى، وكذلك العوائد المحتملة.

 

الذكاء الاصطناعي يضغط على شبكات الكهرباء

الطفرة الحالية في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليست مجرد ثورة برمجية بل صدمة طاقية، ومراكز البيانات العملاقة التي تشغل هذه النماذج، تستهلك كميات هائلة من الكهرباء، وتحتاج إلى مصدر طاقة مستقر، غير متقطع، ومنخفض الانبعاثات، ولهذا السبب، عادت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Google وMicrosoft وAmazon، إلى طرق أبواب الطاقة النووية بعد سنوات من الابتعاد عنها.

وهنا تظهر المعضلة، فالولايات المتحدة تمتلك 94 مفاعلًا نوويًا، لكنها لا تمتلك سيطرة كاملة على سلسلة توريد الوقود النووي، وتعتمد جزئيًا على روسيا في التخصيب، ومن منظور الأمن القومي، فهذا الاعتماد يعد نقطة ضعف واضحة، خصوصًا في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية.

 

الوقود النووي المستهلك.. مخزون إستراتيجي غير مستغل

وتمتلك الولايات المتحدة اليوم، نحو 90 ألف طن متري من الوقود النووي المستهلك، مع إضافة نحو 2,000 طن سنويًا، وعالميًا يصل الرقم إلى حوالي 400 ألف طن، لم يعاد معالجة سوى ثلثها، وترى Curio في هذه الأرقام ما يشبه “احتياطيًا إستراتيجي نائمًا”، يمكن أن يتحول إلى مصدرٍ محلي للوقود النووي، يقلل الاعتماد الخارجي ويمنح واشنطن هامش مناورة أكبر في سياسات الطاقة.

وبحسب الشركة، يمكن لمنشأة واحدة فقط أن توفر ما يصل إلى ثلث احتياجات الولايات المتحدة السنوية من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات، ويعن هذا اقتصاديًا تقليص فاتورة الاستيراد، واستقرارًا أكبر في أسعار الوقود النووي، وهو عنصر حاسم عند التخطيط طويل الأجل للطاقة.

 

ما وراء الطاقة.. اقتصاد المعادن والنظائر المشعة

ولا تقتصر القيمة الاقتصادية على إعادة استخدام اليورانيوم أثناء عملية الانشطار النووي، حيث تتكون عناصر ومعادن نادرة ذات قيمة مرتفعة، مثل الروديوم والبلاديوم، اللذين يستخدمان في الصناعات الدقيقة والمحولات الحفازة، كما تشير Curio إلى أن معالجة النفايات النووية الأمريكية، قد تغطي نحو 10% من الطلب العالمي على الروديوم، وهو معدن شديد الندرة ومرتفع السعر، وغالبًا ما تتأثر أسعاره بالاضطرابات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج.

إلى جانب ذلك، هناك نظائر مثل الأمريسيوم-241 المستخدم في أجهزة إنذار الدخان، والكريبتون-85 المستخدم في بعض التطبيقات الإلكترونية والبحثية، وهذا يفتح الباب أمام تنويع مصادر الدخل، بدل الاعتماد فقط على بيع الكهرباء.

 

التكنولوجيا كعامل حاسم في خفض المخاطر

السبب الرئيسي لفشل محاولات، إعادة معالجة الوقود النووي سابقًا، حيث كان اعتمادها على عمليات كيميائية رطبة باستخدام أحماض خطرة، ما خلق تلوثًا إضافيًا ومخاوف بيئية جسيمة، وتقول Curio إن تقنيتها تعتمد على معالجة جافة كهروكيميائية وحرارية، تقلل النفايات الثانوية، وتفصل العناصر بناءً على خصائصها الفيزيائية والكهربائية، ومن الناحية الاقتصادية، يعني هذا خفض تكاليف المعالجة، وتقليل المخاطر التنظيمية، وتحسين فرص القبول السياسي.

 

تقليص عمر الخطر وتكلفة السياسة

واحدة من أكثر النقاط جذبًا لصناع القرار، هي تقليص عمر خطورة النفايات المتبقية من 10 آلاف سنة، إلى بضع مئات من السنين فقط، واقتصاديًا، هذا ليس تفصيلًا تقنيًا، بل عاملُ حاسم في حسابات التكلفة والعائد، فكلما قصر أفق الخطر، انخفضت تكاليف التخزين والتأمين والمواجهة السياسية مع المجتمعات المحلية، وهي عناصر كثيرًا ما تفشل مشاريع نووية قبل أن تبدأ.

 

بين الطموح والواقع التجاري

ورغم كل هذه الوعود لا يزال المشروع في مرحلة تجريبية بتمويلٍ أساسي من وزارة الطاقة الأمريكية، ومن المقرر انتهاء التجربة خلال العام المقبل، والانتقال إلى التشغيل التجاري خلال 3 إلى 5 سنوات، سيعتمد على عاملين رئيسيين، وهما الجدوى الاقتصادية الفعلية على نطاق واسع، وقدرة الشركة على اجتياز التعقيدات التنظيمية.

وإذا نجحت Curio، فإننا لا نكون أمام مجرد شركة ناشئة، بل أمام تحول هيكلي في طريقة تعامل الاقتصاد العالمي مع الطاقة النووية، كما أن النفايات قد تتحول من عبءٍ سياسيٍ وماليٍ إلى أصل إستراتيجي يدعم أمن الطاقة، ويغذي اقتصاد الذكاء الاصطناعي، ويخفف الضغط على أسواق المعادن النادرة، وفي عالم يبحث عن حلولٍ غير تقليدية لأزمات متشابكة، قد تكون الإجابة بكل مفارقة مدفونة منذ عقود في مستودعات النفايات النووية.

اقرأ أيضًا:-

لا يتم دفنها، من أين أتى مصطلح دفن النفايات النووية ؟

أمريكا تحول المخلفات المشعة إلى تريتيوم لدعم طاقة الاندماج

 

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search