الخميس، 13 نوفمبر 2025

08:28 م

بعد الرسوم الجمركية.. هل أصبح ابتكار سلاسل الإمداد ضرورة وجودية للاقتصادات والشركات؟

الخميس، 13 نوفمبر 2025 04:09 م

سلاسل الإمداد

سلاسل الإمداد

في عالم تتسارع فيه الأزمات التجارية والاقتصادية والجيوسياسية، لم تعد الرسوم الجمركية مجرد أداة حمائية في السياسات الاقتصادية، بل أصبحت عامل تسريع لإعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية. 

فبعد عقود من العولمة والانفتاح، يواجه النظام التجاري العالمي تحديات عميقة تفرض على الشركات الكبرى إعادة التفكير جذريًا في طريقة إنتاجها وتوزيعها وتشغيلها.

سلاسل الإمداد العالمية

هذا ما تؤكده دراسة أعدها شركاء من مؤسسة "باين آند كومباني" Bain & Company، أوضحت أن الرسوم الجديدة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة اضطرابات تضرب البنية التقليدية لسلاسل الإمداد، التي بُنيت لعالم لم يعد موجودًا اليوم.

انهيار نموذج في الوقت المناسب

لسنوات طويلة، تبنت الشركات نموذج "الإنتاج والتوزيع في الوقت المناسب" الذي ازدهر في عصر العولمة.

كان كل شيء محسوبًا بالدقيقة: إنتاج منخفض التكلفة في آسيا، ونقل سريع، وأسواق مفتوحة في كل الاتجاهات، لكن الأزمات المتتالية من جائحة كوفيد-19 إلى نقص أشباه الموصلات، وارتفاع التضخم، وتزايد الكوارث المناخية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية أطاحت بمرتكزات هذا النموذج.

اليوم، لم تعد كفاءة التكلفة وحدها معيار النجاح، بل أصبح المرونة، الاستدامة، والقدرة على التكيف السريع هي مفاتيح البقاء، ومع ذلك، فإن تحقيق كل هذه الأهداف في وقت واحد، مثل خفض التكاليف، وضمان المرونة، وتحقيق الاستدامة، والامتثال للتوجهات الوطنية الاقتصادية، وكل هذا يكاد يكون مستحيلاً من دون تنازلات استراتيجية صعبة.

سلاسل الإمداد

سباق الأولويات.. المديرون التنفيذيون في مأزق معقد

بحسب استطلاع أجرته "باين"، فإن نحو 75% من المديرين التنفيذيين اليوم يتعاملون مع ستة أو أكثر من الأولويات المتعارضة داخل سلاسل الإمداد. 

فبين ضغط الأسعار، وارتفاع تكاليف الطاقة، والحاجة إلى خفض الانبعاثات، تتزاحم الأهداف وتزداد القرارات تعقيدًا.

الأمر لم يعد مسألة هندسة تشغيلية، بل تحول إلى قضية استراتيجية تمس جوهر نموذج العمل ذاته، والشركات مطالبة الآن بأن تعيد تعريف ما يعنيه أن تكون فعالة، ليس فقط على مستوى الكلفة أو السرعة، بل من منظور القدرة على الصمود والتأقلم في عالم غير مستقر.

اقرأ أيضًا:

سلاسل الإمداد الأمريكية عند منعطف حاسم في الربع الرابع من 2025

الرسوم الجمركية كعامل تسريع للتحول

في مواجهة الموجة الجديدة من الرسوم الأمريكية التي فرضتها إدارة ترامب الثانية، بدأت الشركات بإعادة توجيه استثماراتها بعيدًا عن الأرباح السريعة وسداد الديون، نحو مشاريع التحول في سلاسل الإمداد والتقنيات الرقمية.

ما يقرب من 40% من التنفيذيين، يتوقعون زيادات من رقمين في تكاليف مدخلات الإنتاج، فيما 80% منهم يعدلون توقعاتهم المالية نتيجة لهذه التطورات، وردًا على ذلك، تتخذ الشركات خطوات ملموسة:

  • تنويع قاعدة الموردين وتقليل الاعتماد على دولة واحدة.
  • إعادة توطين التصنيع في مناطق أقرب إلى الأسواق الرئيسية.
  • رفع الأسعار لتخفيف أثر الرسوم.
  • توسيع الاستثمار في الأتمتة والتقنيات الذكية لخفض الكلفة على المدى الطويل.

لكن الشركات الرائدة كما تشير الدراسة، لا تتعامل مع هذه الإجراءات كحلول مؤقتة، بل تنظر إليها كبداية لعملية إعادة ابتكار شاملة لسلسلة الإمداد.

تكنولوجيا سلسلة الإمداد المستقبلية

ثلاث ركائز لقيادة التحول

التفكير من دون قيود: على القادة أن يبدأوا من الصورة المثالية لسلسلة الإمداد المستقبلية، ثم يعملوا بالعكس لبنائها، المثال الواضح كان لشركة تقنية أعادت تموضع مصانعها من شرق آسيا إلى مواقع قريبة من أسواقها الرئيسة. 

الخطوة كانت مكلفة ومغامرة، لكنها وفرت مرونة أعلى، وخفضت المخاطر الجيوسياسية، وحققت نموًا في الإيرادات بنسبة 2–3%.

إدارة سلسلة الإمداد كنظام متعدد المتغيرات: لم تعد المعادلة تقتصر على تحسين متغير واحد، إحدى شركات الكيماويات التي درستها "باين" تخلت عن العمل في صوامع تنظيمية (silos) لتبني نهجًا تكامليًا بين جميع أقسامها التشغيلية. 

النتيجة: خفض تكاليف النقل والتخزين بأكثر من 5%، وتحرير سيولة مالية عبر تقليص المخزون بنسبة 15%، وتحقيق نمو 15% في الإيرادات.

تطوير المهارات وتحديث الأدوات الرقمية: في عالم تتسارع فيه الابتكارات، لا يمكن لسلاسل الإمداد أن تزدهر من دون عقول بشرية مدربة وتقنيات رقمية متقدمة، فشركة سلع استهلاكية تبنت التوأم الرقمي Digital Twin لتحليل سيناريوهات مختلفة، ما ساعدها على زيادة مبيعاتها بنسبة 3% وخفض تكاليفها التشغيلية 2%. 

في المقابل، استخدمت شركة بناء السفن الأتمتة والتحليل الذكي للبيانات لتحسين الكفاءة والجودة في آن واحد.

 

اقرأ أيضًا:

الاقتصاد الأمريكي على مفترق طرق، تباطؤ في الواردات وتراجع بالشحن وسط تصاعد التعريفة الجمركية

من إدارة الأزمات إلى استغلال الفرص

الرسالة الجوهرية التي يوجهها التقرير بسيطة ولكنها عميقة.. زمن سلاسل الإمداد القديمة انتهى.

الشركات التي تكتفي برد الفعل على الأزمات ستظل عالقة في دوامة الاستجابة، بينما القادة الذين يتعاملون مع الاضطرابات كفرصة للتجديد سيقودون المشهد الاقتصادي في العقد المقبل.

إن التحول من سلاسل الإمداد الخطية إلى الشبكات الذكية المرنة لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية، فالمستقبل لن يكون للأرخص أو الأسرع، بل للأكثر قدرة على الصمود والتكيف في وجه عالم متغير لا يعترف بالثبات.

سلاسل الإمداد

إعادة توزيع كبرى للمصالح والقدرات

تظهر التطورات الأخيرة أن النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة إعادة توزيع كبرى للمصالح والقدرات، لم تعد سلاسل الإمداد مجرد خطوط إنتاج دولية، بل أصبحت أداة جيوسياسية واقتصادية تحدد من يملك النفوذ في الاقتصاد العالمي الجديد.

في هذا السياق، تشكل الرسوم الجمركية الحالية مجرد شرارة في عملية تحول أعمق، تحول نحو اقتصاد يعتمد على المرونة، والرقمنة، والاستدامة كأسس للنجاح، لا مجرد شعارات.

فالسؤال الذي يواجه كل شركة وكل اقتصاد اليوم لم يعد هل سنغير سلاسل الإمداد؟ بل هل نحن مستعدون لإعادة بنائها من الصفر؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search