نهب مقنن أم شراكة استراتيجية؟ ابتلاع الصين لموارد الساحل الأفريقي في مرمى الانتقادات
الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 10:16 م

صراع على المعادن النادرة
من أعماق مناجم الليثيوم جنوب مالي، إلى مساحات استخراج الكوبالت في الكونغو، مرورًا بخط أنابيب النفط في النيجر، ترتسم ملامح خارطة اقتصادية جديدة في إفريقيا، بطابع شرقي هذه المرة، تقوده الصين بقوة استثمارية لا تخلو من الجدل.

في وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تحولات سياسية عاصفة، وانقلابات عسكرية في دول الساحل تحديدًا، تمد بكين خيوطها بهدوء في عمق الأرض الإفريقية، ليس فقط عبر الاستثمارات، ولكن عبر ما يصفه بعض المحللين بـ"نهب مقنن" للموارد الاستراتيجية.
ساحات جديدة ووجوه مألوفة
الواقع الميداني في مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر يعكس تغييرً دراماتيكيًا في موازين القوى الاقتصادية، فبعد أفول النفوذ الفرنسي وانسحاب عمليات "برخان" و"تاكوبا"، أعادت الصين تموضعها بسرعة مذهلة في المنطقة، بتوقيع عقود حصرية لاستخراج الليثيوم، والذهب، واليورانيوم، غالبًا دون المرور بمساطر قانونية شفافة أو مناقصات تنافسية.
هنا، لا تطرح الأسئلة كثيرًا حول الشفافية، فالشركاء الجدد في بكين وروسيا يدخلون من بوابات الانقلابات العسكرية، ويخرجون بعقود تضمن السيطرة شبه المطلقة على أهم الموارد الاستراتيجية في المنطقة.
اقرأ أيضًا:
في قلب الصراع بين واشنطن وبكين، سباق التسلح يبدأ بمغناطيسات المعادن النادرة
الموارد تهاجر.. والأرباح كذلك
منجم بوغوني جنوب مالي يقدم مثالاً صارخًا لهذه المفارقة، اتفاق مدته أربع سنوات لتصدير الليثيوم حصريًا إلى الصين، حيث يعالج ويحول إلى ذهب تكنولوجي لصناعة السيارات الكهربائية.
ورغم أن المشروع يسوق له كفرصة اقتصادية وطنية، إلا أن الواقع يقول شيئًا آخر، فالعوائد تبقى متواضعة، والمعالجة تتم خارج البلاد، ما يعني أن "قيمة مضافة صفر" تذهب للمالية العامة، مقابل أرباح هائلة للشركات الصينية.
لا يختلف الوضع كثيرًا في زيمبابوي أو الكونغو الديمقراطية أو غينيا، حيث يتركز النموذج الصيني على مبدأ بسيط، استخراج المادة الخام بأقل تكلفة، وتصديرها إلى الصين، واحتكار الربح في مراحل التصنيع.

الصين والغرب.. وجهان لاستراتيجية واحدة
لا يوجد فرقًا جوهريًا بين النفوذ الصيني والهيمنة الغربية، بل يعتبر أن بكين اتبعت نفس المسار، ولكن بمصطلحات جديدة، “الغرب يبتز، والصين تستغل، أما الأفارقة فلا يستفيدون”.
حتى في حالات مقاومة محلية مثلما حدث في النيجر، حيث أُغلقت منشأتان صينيتان بسبب تجاوزات، يبقى النفوذ الصيني متجذرًا، مدعومًا بسخاء في التسليح والدعم العسكري للأنظمة الانتقالية.
شركاء أم ورثة الاستعمار؟
في قلب هذا النقاش، يظهر النموذج الصيني كامتداد للنموذج الاستعماري السابق، حسب ما يؤكده ناشطو المجتمع المدني في مالي، لا نقل للتكنولوجيا، لا معالجة محلية، ولا تدريب أو تشغيل واسع للعمالة المحلية.
كل ما يجري هو تصدير مواد خام، وترك الدول تعاني من الفقر والبطالة والاضطرابات السياسية، وكما يقول أحد الاقتصاديين الماليين: "ما يحدث هو إعادة إنتاج للاستعمار، ولكن بعلم وطني فوق المشروع".

موسكو تدخل على الخط
ولأن الفراغ لا يدوم، فإن روسيا بدورها تجد في الساحل ساحة لتوسيع نفوذها الاقتصادي عبر بوابة الذهب واليورانيوم والمنجنيز، مع مؤشرات لتصاعد التنافس مع الصين على الموارد، رغم التحالف السياسي الظاهر بين الطرفين.
تشير التقارير الواردة من بوركينا فاسو إلى محاولة روسية للسيطرة على مواقع غنية باليورانيوم والمنجنيز، كانت سابقًا في قبضة الشركات الصينية.
مبادرات إفريقية ولكن
أمام هذا الواقع، يحاول الاتحاد الإفريقي إطلاق مبادرة لتشكيل تحالف للدول المنتجة للمعادن الأساسية، بهدف توحيد المواقف وتحديد الأسعار وشروط التصدير.
لكن هذه المبادرة، رغم وجاهتها النظرية، تصطدم بواقع سياسي وأمني هش، فدول الساحل تعاني من أزمات متتالية، من الإرهاب إلى الفقر إلى الانقلابات، ما يجعل قدرتها على التفاوض الجماعي شبه معدومة.
في المحصلة
السؤال الجوهري يبقى مطروحًا: هل الصين شريك تنموي، أم وريث استعماري جديد؟
الإجابة، وفق معظم التحليلات، تعتمد على قدرة الدول الإفريقية على فرض شروطها، والتحول من مورد خام إلى لاعب صناعي فعال.
لكن طالما أن القرار الاقتصادي مرهون بالقرار العسكري، وأن الأنظمة الانتقالية تبحث عن التمويل والتسليح بأي ثمن، فإن المشهد الحالي مرشح للاستمرار، وربما التفاقم، في وقت تحقق فيه الصين مكاسب ضخمة على حساب شعوب لا تزال تبحث عن موقع لها في معادلة الاقتصاد العالمي.
اقرأ أيضًا:
أستراليا على الخريطة، اليابان وأمريكا تتجهان لكسر هيمنة الصين على المعادن النادرة
المعادن النادرة المصرية، من التصدير الخام إلى صناعة المستقبل الرقمي
المعادن النادرة.. صراع الغرب لتقليص هيمنة الصين على المستقبل
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
تقرير عالمي يؤكد ضرورة النظر إلى الموارد المائية كعامل حيوي في دفع عجلة الاقتصاد
02 أكتوبر 2025 01:57 م
كيف يمكن لمستثمر صغير أن يقلب سوق الأسهم ويعرض مؤسسات كبرى لخسائر فادحة؟
01 أكتوبر 2025 08:55 م
ماذا يعنى نمو الأنشطة غير النفطية للسعودية 55.6%؟ المملكة تتجه لتغيير شكل اقتصادها
02 أكتوبر 2025 12:22 ص
أكثر الكلمات انتشاراً