الخميس، 02 أكتوبر 2025

05:38 م

بين سطوة الصين وتراجع أمريكا، من يملك اقتصاد السفن عالميًا؟

الخميس، 02 أكتوبر 2025 04:02 م

اقتصاد السفن في قبضة الصين- تعبيرية

اقتصاد السفن في قبضة الصين- تعبيرية

على مدى نصف قرن، تغيرت موازين القوة في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية حساسية في الاقتصاد العالمي، وهي صناعة بناء السفن، إذ تحولت الولايات المتحدة اليوم من دولة كانت تتربع على عرش الإنتاج البحري في سبعينيات القرن الماضي، إلى لاعب هامشي، تكتفي بنسبة لا تتجاوز 1% من السوق العالمية.

وبرزت الصين كقوة بحرية صناعية لا تنازع، تسيطر على أكثر من نصف الإنتاج العالمي، وتهيمن على خطوط التجارة والمصالح الاقتصادية العميقة المرتبطة بالبحار.

انطلاق الصين بحريًا

البيانات التي ترصد التحولات في صناعة بناء السفن ترسم صورة لا لغط فيها، لم تعد الصين تدريجيًا، بل انطلقت في سباق متسارع، ففي العقد الأخير فقط، ارتفع عدد أحواض بناء السفن النشطة في البلاد من 46 إلى 296 حوضًا، بنمو تجاوز 3700%. 

صناعة بناء السفن

قفزة صاروخية لم تقتصر على الكم، بل شملت النوع أيضًا، إذ بدأت الصين في غزو أسواق السفن ذات التقنية العالية، مثل ناقلات الغاز وسفن الرحلات الفاخرة، ووراء تلك الطفرة تقف سياسات صناعية مدروسة ومدعومة حكوميًا، وظّفت من خلالها الصين قدراتها الصناعية الهائلة لخدمة هدف مزدوج، وهو السيطرة على سوق السفن التجارية، وبناء أسطول حربي قوي يتجاوز حجمه حاليًا نظيره الأمريكي، وهو ما يثير قلق دوائر القرار في واشنطن.

اقتصاد السفن

الولايات المتحدة.. من الريادة إلى الهامش

يبدو المشهد الأمريكي قاتمًا فبينما كانت الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم في مجال بناء السفن عام 1975، تراجع إنتاجها اليوم إلى مجرد 1% من السوق العالمية، وفقًا لتقارير الكونجرس. 

والأدهى أن قدرة الصين الإنتاجية باتت تفوق قدرة أمريكا 232 مرة، وهو ما وصفه خبراء صناعيون بأنه تراجع مخيف يهدد الأمن القومي والاقتصاد على حد سواء.

المشكلة ليست فقط في حجم الإنتاج، بل في تداعيات هذا التراجع، فمعظم السفن التجارية العاملة حول العالم اليوم تصنع في الصين، بما فيها تلك التي تستخدمها شركات في دول حليفة للولايات المتحدة. 

هذه السفن لا تمثل مجرد منتجات، بل أدوات سيطرة اقتصادية وجيوسياسية، تحول مليارات الدولارات من الإيرادات، وتنقل معها الخبرات والتقنيات إلى العملاق الآسيوي.

اقرأ أيضًا:

"بعد سنوات من الإهمال"، النقل الدولي واللوجستيات الحكومة تخطط لتوطين صناعة السفن

النفوذ الاقتصادي عبر البحار

كل سفينة تُصنع في الصين تمثل فرصة اقتصادية ضائعة للولايات المتحدة، وتوسيع لنفوذ “بكين” البحري، ووفق تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هيمنة الصين على تلك الصناعة يمثل تهديدًا مباشرًا للجاهزية العسكرية الأمريكية، ويقوض فرص أمريكا الاقتصادية، ويعزز طموحات بكين لبسط نفوذها على المياه الدولية.

اقتصاد السفن

ردود فعل واشنطن.. بين العقوبات والدعم المحلي

أمام هذا الواقع، بدأت الولايات المتحدة مؤخرًا باتخاذ خطوات استثنائية لمحاولة إنقاذ ما تبقى من صناعتها البحرية، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن في خطابه للكونجرس عن خطط لإحياء الصناعة، بإنشاء مكتب لبناء السفن في البيت الأبيض، ودعم الأسطول التجاري الاستراتيجي بسفن أميركية الصنع.

وتشمل الإجراءات المقترحة فرض رسوم إرساء على السفن الصينية تصل إلى 1.5 مليون دولار، وفرض شروط جديدة على السفن التجارية لدعم المنتج المحلي، إضافة إلى حوافز لتشجيع كوريا الجنوبية واليابان على الاستثمار في أحواض بناء السفن الأمريكية.

لكن هذه الخطوات، وإن كانت طموحة، تواجه انتقادات، منتقدو هذه السياسات يرون أن دعم الشركات الأمريكية عالية الكلفة قد يكون غير فعال في مواجهة نموذج الصين المدعوم بقوة من الدولة، ويقترحون بدلاً من التعاون مع حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية لبناء أسطول أمريكي آسيوي مشترك أكثر قدرة على المنافسة.

اقرأ أيضًا:

بين الواقع والفرص، صناعة السفن وإعادة تدويرها

تأثيرات اقتصادية عالمية.. من الأسعار إلى التكنولوجيا

التوسع الصيني لم يغير فقط خريطة الإنتاج، بل قلب قواعد السوق، بسبب الفائض في الإنتاج، انخفضت الأسعار عالميًا، ما أجبر العديد من الشركات الأوروبية والآسيوية على الانسحاب أو تقليص عملياتها.

ومع انتقال خطوط إنتاج كاملة إلى الصين، بات هناك خطر واضح من الاعتماد المفرط على بكين في قطاع حيوي، والتداعيات لا تقتصر على الاقتصاد فحسب، بل تمتد إلى التكنولوجيا، فبناء السفن الحديثة يحتاج إلى أنظمة ملاحة متطورة، وأجهزة أمان، وتقنيات دفع مبتكرة، وكلما انتقلت هذه التكنولوجيا إلى الصين، تقلصت القدرة التنافسية للغرب، ليس في البحر فقط، بل في صناعات موازية مثل الفضاء والطاقة والذكاء الاصطناعي.

صناعة السفن الأمريكية

هل تعود أمريكا إلى اللعبة؟

التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم لا يتعلق فقط بإعادة بناء أحواض السفن، بل بإعادة بناء رؤية اقتصادية واستراتيجية لدورها العالمي، صناعة بناء السفن، باعتبارها مزيجًا من الاقتصاد والأمن، باتت مقياسًا لنفوذ الدول الكبرى.

ولكي تستعيد واشنطن مكانتها، فإنها بحاجة إلى تحالفات صناعية ذكية، واستثمارات طويلة الأمد، وتطوير كفاءات بشرية وتقنية، وليس فقط فرض رسوم جمركية أو دعم محدود، فالمعركة لم تعد تدور حول من يملك أكبر عدد من السفن، بل حوّل من يسيطر على سلاسل الإمداد، ومن يصدر التقنية؟، ومن يصوغ مستقبل البحار؟.

البحر ليس مفتوحًا للجميع

في معركة حرب السفن، يبدو أن الصين تبحر بثقة نحو الصدارة، بينما تحاول الولايات المتحدة اللحاق بسفينة سبقتها بعقود، وبين الحليف والخصم، يتحول البحر إلى مسرح لصراع اقتصادي شرس، تتداخل فيه اعتبارات الربح، بالهيمنة، بالتكنولوجيا، بالسيادة الوطنية، وفي ظل عالم يتحول بسرعة، ستحدد هذه الحرب الهادئة على السفن من ستكون له اليد العليا في مستقبل الاقتصاد العالمي؟.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search