ثورة على أربع عجلات.. هل تقود مصر سباق توطين صناعة السيارات؟
الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 11:23 م

توطين صناعة السيارات
في ظل سعيها الدؤوب لتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام، وضعت مصر نصب أعينها هدفًا طموحًا، وهو توطين صناعة السيارات وتحويلها إلى ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ومصدرًا رئيسيًا لجذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الصادرات، وخلق فرص عمل جديدة.

ورغم التحديات البنيوية والهيكلية التي يواجهها هذا القطاع، إلا أن التحركات المكثفة خلال السنوات الأخيرة، من خلال الشراكات الدولية والاستثمارات الضخمة، تشير إلى أن مصر ماضية في هذا الطريق بثقة.
من التجميع إلى التصنيع.. مسار طويل نحو التوطين
بدأت مصر رحلتها في عالم السيارات منذ خمسينيات القرن الماضي عبر شراكات محدودة في تجميع السيارات، وكان ذلك بدعم من الدولة، تحديدًا بعد تأسيس شركة النصر للسيارات 1960، كإحدى أولى محاولات توطين الصناعة الثقيلة في مصر.
ورغم أن هذه التجربة توقفت في 2009، عادت اليوم بقوة، بعد ما يقارب 15 عامًا من التوقف، وذلك كجزء من الاستراتيجية الوطنية لتصنيع السيارات، التي أطلقت في يونيو 2022.
تهدف الاستراتيجية إلى زيادة نسبة المكون المحلي إلى 70 - 80% خلال السنوات المقبلة، بدلاً من النسبة الحالية التي لا تتعدى 45%، ويأتي هذا في إطار خطة أوسع لرفع الصادرات المصرية إلى 145 مليار دولار بحلول 2030، وهي خطة لا يمكن فصلها عن هدف تنمية صناعة السيارات.
اقرأ أيضًا:
مرسيدس توقف إنتاج EQE وEQE SUV قبل أوانهما لضعف المبيعات
مؤشرات سوق السيارات.. تعافي تدريجي ونمو متوقع
ارتفعت مبيعات السيارات في مصر بنسبة 11.66% خلال أول 11 شهرًا من عام 2024، لتصل إلى أكثر من 89 ألف وحدة، مقارنة بـ79 ألفًا في نفس الفترة من 2023.
كما أن السوق المصري يظهر طلبًا متناميًا، مع توقعات بتجاوز حجم الطلب السنوي على السيارات 8 مليارات دولار أمريكي بحلول 2030.
في المقابل، لا تزال الواردات تلعب دورًا محوريًا في السوق، حيث ارتفعت واردات سيارات الركوب خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2024 إلى 1.692 مليار دولار، مقارنة بـ1.155 مليار في 2023.
وهذا يعكس فجوة واضحة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، وهي الفجوة التي تحاول الدولة سدها عبر مشروعات التصنيع والتجميع المحلية.

صناعة السيارات بين الطموح والمعوقات
رغم الدعم السياسي الكبير ووجود رؤية استراتيجية واضحة، تواجه صناعة السيارات في مصر عدة تحديات بنيوية أهمها، الاعتماد على الاستيراد في مكونات أساسية، ما يزيد من الضغط على العملة الأجنبية.
بالإضافة لنقص العمالة الفنية المدربة أمام تطوير خطوط إنتاج تعتمد على تقنيات حديثة، إلى جانب ارتفاع تكاليف التمويل لإنشاء مصانع تجميع أو تصنيع مكونات محلية.
وجود قيود في سلاسل التوريد نتيجة التغيرات الاقتصادية العالمية وعدم استقرار السياسات التجارية، والتمييز الجمركي غير المتوازن بين مكونات السيارات المستوردة، مقارنة بالإعفاءات الكاملة للسيارات الأوروبية والتركية، مما يضعف من تنافسية الإنتاج المحلي.
بينما جاءت أزمات الطاقة وارتفاع تكلفة التشغيل، خاصة في ظل نقص الغاز الطبيعي وانقطاع الكهرباء في بعض المناطق الصناعية كتحدي يعصف بالقطاع.
هذه العوامل مجتمعة تجعل من الضروري وجود سياسة صناعية مرنة، ودعم حكومي موجه، وتحفيزات واقعية تعكس متطلبات السوق.
اقرأ أيضًا:
الصين كلاعب عالمي، كيف تُعيد بكين رسم خريطة السيارات في أوروبا؟
الاستثمارات الأجنبية.. مفتاح التحول
من أبرز مظاهر الجدية في توطين صناعة السيارات في مصر هو التزايد الملحوظ في الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة من 2022 إلى 2025، فالشركات العالمية باتت ترى في مصر مركزًا محوريًا للتصنيع الإقليمي بفضل:
- انخفاض تكاليف التشغيل مقارنة بأسواق أخرى.
- الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين أوروبا، وإفريقيا، والشرق الأوسط.
- الاتفاقيات التجارية الإقليمية التي تسهل التصدير إلى مناطق مثل الكوميسا، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية.
في يناير 2025، افتتحت شركة جيلي الصينية أول مصنع لها في الشرق الأوسط وإفريقيا بمدينة السادس من أكتوبر، بطاقة إنتاجية 10 آلاف سيارة سنويًا، وباستثمارات تبلغ 250 مليون دولار.
كما تبعتها شركات كبرى مثل سايك موتور MG وBAIC ويازاكي اليابانية، التي تخطط لتوجيه معظم إنتاجها نحو التصدير.
وفي خطوة واعدة أخرى، أبرمت شركة النصر المصرية اتفاقية مع شركتي ترون تكنولوجي التايوانية ويور ترانزيت الإماراتية لإنشاء مصنع لإنتاج بطاريات الحافلات الكهربائية، باستثمارات مبدئية قدرها 10 ملايين دولار، وهو مؤشر على بداية تكامل سلاسل القيمة المضافة داخل مصر.

ماذا عن الصناعات المغذية؟
تظل الصناعات المغذية من تصنيع الإطارات، والزجاج، والدوائر الإلكترونية، إلى المقاعد وقطع الغيار هي التحدي الأكبر، فمصر لا تزال تعتمد بنسبة كبيرة على استيراد هذه المكونات، ما يضعف من قدرتها على تحقيق توطين حقيقي.
ولعل النجاح المغربي في هذا المجال يقدم درسًا مهمًا إذ ارتفعت نسبة الاندماج المحلي في صناعة السيارات بالمغرب بفضل شبكة متكاملة من المقاولين المحليين ومصانع القطع.
مصر بحاجة إلى حوافز ضريبية وجمركية قوية لجذب المستثمرين المحليين والأجانب في هذا القطاع تحديدًا، إلى جانب بنية لوجستية ذكية تدعم سهولة التوريد والتصدير.
اقرأ أيضًا:
صناعة السيارات في مصر، طموح القاهرة يقود القطاع نحو التوطين
دروس من ألمانيا والمغرب.. نماذج ملهمة
في ألمانيا، تستند صناعة السيارات إلى قاعدة عريضة من شركات البحث والتطوير، حيث تم إنفاق 28.3 مليار يورو على البحث والتطوير في 2021 فقط.
كما تساهم شركات متوسطة الحجم بـ85% من القيمة المضافة في سلسلة التوريد، وتعد صناعة السيارات الألمانية مثالًا على كيف يمكن للابتكار أن يدفع التنافسية والاستدامة في آن واحد.
أما في المغرب، فقد نجحت الحكومة في بناء منظومة متكاملة حول صناعة السيارات من خلال المناطق الصناعية المتخصصة، واتفاقيات التجارة الحرة، والبنية التحتية المتطورة، مما جعلها تنتج مليون سيارة سنويًا، يصدر أكثر من 85% منها.

الطريق إلى الأمام.. خطوات مطلوبة
من أجل ضمان نجاح خطة توطين صناعة السيارات، على مصر أن تسير في عدة مسارات متوازية، منها:
- تطوير برامج التعليم الفني بالشراكة مع الشركات الكبرى، لتوفير كفاءات مدربة في مختلف جوانب الإنتاج والتصميم.
- توسيع الاستثمار في البحث والتطوير، بما يضمن نقل التكنولوجيا وتوطينها، خاصة في مجالات السيارات الكهربائية والهجينة.
- تحسين بيئة الاستثمار للصناعات المغذية، من خلال منح إعفاءات ضريبية مباشرة، وتسهيل التمويل، وتوفير أراضي مخصصة بأسعار منافسة.
- إنشاء مناطق صناعية ذكية مرتبطة بالموانئ والمناطق الحرة، لتسهيل التصدير وتحسين لوجستيات الصناعة.
- تبني سياسة جمركية عادلة تحفز الصناعة المحلية وتضعها في منافسة متكافئة مع المنتجات المستوردة.
- تحقيق الاستدامة من خلال التوسع في استخدام الطاقة النظيفة، وتشجيع التحول إلى السيارات الكهربائية، وتوفير محطات الشحن في مختلف المدن.

طموح مشروع ومستقبل واعد
تطمح مصر اليوم إلى ما هو أبعد من مجرد تجميع السيارات، فهي تسعى لبناء صناعة متكاملة تمثل محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي في العقود القادمة.
ورغم الصعوبات، فإن وجود رؤية استراتيجية واضحة، مصحوبة بدعم حكومي، وشراكات دولية قوية، يجعل من هذا الطموح ممكنًا.
الطريق لا يزال طويلًا، لكنه ليس مستحيلًا، وإذا ما استطاعت مصر تجاوز العقبات الراهنة، فإنها مرشحة بقوة لتصبح مركزًا إقليميًا رائدًا لصناعة السيارات، يدعم اقتصادها، ويضعها على خارطة التكنولوجيا الصناعية المتقدمة في المنطقة.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
كوكاكولا أم بيبسيكو، من يحكم سوق المشروبات ؟
03 سبتمبر 2025 07:39 م
OneBank، أول بنك رقمي في مصر يقود التحول نحو اقتصاد رقمي شامل
01 سبتمبر 2025 05:15 م
أكثر الكلمات انتشاراً