عندما يتحول المحتوى إلى اقتصاد، خريطة الفرص الرقمية في العالم العربي

الأربعاء، 20 أغسطس 2025 12:12 ص

صناعة المحتوى العربي

في عالم تشكل فيه اللغة هوية الأمم وجسرها نحو المستقبل، تقف اللغة العربية بكل ما تحمله من ثراء وعمق حضاري أمام مفارقة مؤلمة، فبرغم أن أكثر من 420 مليون إنسان يتحدثون بها، لا يزال حضورها في الفضاء الرقمي خافتًا، لا يتجاوز 5% من إجمالي المحتوى العالمي.

هذه الفجوة الرقمية ليست مجرد خلل إحصائي، بل انعكاس لتحدي حضاري وثقافي يفرض علينا الوقوف أمامه بجدية، ولكن في قلب هذا التحدي، تكمن فرصة ذهبية لأولئك الذين يؤمنون أن الكلمة ليست مجرد أداة تواصل، بل أساس تبني بها العقول، وتصاغ بها الحضارات.

اليوم، المنطقة العربية تقف على أعتاب لحظة فارقة، حيث يتقاطع الطلب المتزايد على محتوى عربي أصيل مع التحولات التقنية العالمية، من الذكاء الاصطناعي إلى التعليم الرقمي، وبينما تسعى المنصات العالمية لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط، تبدو المنطقة كمنجم لم يُستغل بعد.

مشهد استثماري يتحرك بسرعة

الشراكة الأخيرة بين MBC Group ومنصة Netflix لم تكن خطوة عابرة، بل مؤشر واضح على أن المنطقة باتت في قلب خريطة الاستثمار الإعلامي.

هذه الشراكة تكشف عن حجم الطلب على محتوى عربي أصيل يحمل هوية وثقافة المجتمع، ومع ذلك، ما يقدم حتى الآن بالعربية غالبًا ما يكون ترجمة حرفية أو محتوى منسوخ بلا هوية، بينما يظل الجمهور متعطشًا لرؤية نفسه وقصصه على الشاشة.

الأرقام تؤكد أن حجم الاستثمارات في صناعة المحتوى الرقمي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرشح لتجاوز 780 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يصل إلى 20%.

هذا يعني أن السوق العربي لم يعد مجرد سوق مستهلك للمحتوى، بل أصبح ساحة استثمارية ضخمة يمكنها أن تنافس الأسواق العالمية إذا ما وجدت الإرادة والجرأة.

الأموال تتدفق إلى القطاعات الأكثر جذبًا

من البديهي أن وجود الفرصة وحده لا يكفي، بل لا بد من معرفة المسار الصحيح إليها، وبالنظر إلى تقارير الأداء الأخيرة، يمكننا تحديد أبرز القطاعات التي تتدفق إليها الاستثمارات في المحتوى العربي:

الفيديو عبر التلفزيون المتصل CTV.. الشاشة الجديدة للمستثمرين

التحولات في أنماط المشاهدة باتت جلية، ملايين المشاهدين في السعودية والإمارات وقطر باتوا يفضلون متابعة YouTube والمنصات عبر شاشات التلفزيون المتصل (Connected TV – CTV).

الأهمية هنا تكمن في أن المحتوى الطويل عبر هذه الشاشات يمنح المعلنين مساحات أكبر وفرصًا أكثر تنوعًا، من الإعلانات التفاعلية إلى التجارب المشتركة على الشاشة الكبيرة.

ولكن في مصر، من المتوقع أن تصل قيمة إعلانات CTV إلى 4.46 مليون دولار بحلول 2029، وهذا الرقم قد يبدو محدودًا مقارنة بالأسواق العالمية، لكنه يكشف عن قطاع ناشئ واعد يمكن أن يتحول إلى رافعة حقيقية للمحتوى العربي إذا استثمر بشكل صحيح.

توهو اليابانية، وحش جودزيلا يستعد لغزو العالم

الذكاء الاصطناعي.. اللاعب الجديد في صناعة المحتوى

مع إطلاق السعودية نموذج الذكاء الاصطناعي “علام” عبر شركة HUMAIN التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، أصبح من الواضح أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة.

هذا النموذج قادر على فهم اللهجات العربية وإنتاج محتوى متوافق مع القيم الثقافية، ما يعني أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فكرة مستقبلية، بل واقع عملي يمكن أن يخفض تكاليف الإنتاج ويسرع من وتيرة صناعة المحتوى.

الأرقام هنا مذهلة:

قيمة سوق الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بلغت 11.9 مليار دولار في 2023.
من المتوقع أن تصل إلى 166 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب 44.8%

هذا يعكس أن الاستثمار في أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بالمحتوى العربي يمكن أن يصبح أحد أسرع القطاعات نموًا خلال السنوات المقبلة.

الرسوم المتحركة ومحتوى الأطفال.. سوق عطشان للهوية

رغم الانتشار الهائل للرسوم المتحركة عالميًا، يظل المحتوى العربي في هذا المجال محدودًا، الأطفال العرب يشاهدون محتوى أجنبي غالبًا ما يعكس ثقافات وقيمًا بعيدة عن واقعهم.

لكن السوق هنا واعد للغاية:

سوق الرسوم المتحركة في الشرق الأوسط وإفريقيا يتجه ليبلغ 8.7 مليار دولار بحلول 2030.
في السعودية وحدها، وصل إلى 3.7 مليار دولار في 2024، مع توقعات بالنمو حتى 4.7 مليار دولار بحلول 2032.

هذه الأرقام تؤكد أن الاستثمار في إنتاج محتوى أنيمي عربي أصيل ليس فقط فرصة مالية، بل رهان على الهوية يعزز حضور الثقافة العربية عالميًا.

طفرة الأنمي العالمية، صناعة الترفيه اليابانية تُعيد تشكيل اقتصاد المحتوى الرقمي

المحتوى التعليمي EduTech.. الاستثمار في العقول

من أبرز القطاعات التي تشهد زخمًا استثماريًا هو التعليم الرقمي، وبلغ سوق التعليم الإلكتروني في المنطقة 13.6 مليار دولار في 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 35.8 مليار دولار بحلول 2030.

وفي مصر، السوق تضاعف من أقل من مليار دولار في 2024 إلى توقعات تتجاوز 2.3 مليار دولار بحلول 2033.

شركات ناشئة مثل أبواب الأردنية، والمنتور الإماراتية، وأوركاس المصرية، أثبتت أن الاستثمار في هذا المجال مربح وواعد.

والحكومات أيضًا تدعم، حيث خصصت السعودية 3 مليارات دولار للتعليم الرقمي، والإمارات أكثر من 200 مليون دولار، وهذا القطاع لا يقدم عوائد مالية فقط، بل يبني رأس المال البشري العربي ويصدر المعرفة إلى العالم.

البودكاست.. الصوت الذي يربح

في عالم يسوده الضجيج البصري، عاد الصوت ليحتل مكانة متقدمة، وحقق سوق البودكاست العربي إيرادات بلغت 1.38 مليار دولار في 2024، مع توقعات بارتفاعها إلى 8 مليارات دولار بحلول 2030.

بودكاست مثل فنجان وسوالف بزنس أثبتت أن الجمهور العربي مستعد لدفع الوقت والمال للاستماع لمحتوى عربي محترف، وهذا يعني أن البودكاست لم يعد مجرد تجربة شبابية، بل قطاع استثماري واعد بربحية حقيقية.

من هوليوود للمنزل، الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة في صناعة الترفيه

صناعة في انتظار الجرأة

المحتوى العربي اليوم ليس مجرد أداة ثقافية أو وسيلة للتعبير، بل أصبح قطاعًا اقتصاديًا بمليارات الدولارات، من الفيديو عبر CTV، إلى الذكاء الاصطناعي، مرورًا بالتعليم الرقمي، والرسوم المتحركة والبودكاست، فإن الفرص واضحة والطلب يتزايد.

لكن السؤال الحاسم، هل يملك صناع المحتوى العرب الجرأة لطرق أبواب المستثمرين بخطط عملية ومشروعات قابلة للنمو؟

الجواب سيحدد ما إذا كان العرب سيظلون مجرد مستهلكين للمحتوى العالمي، أم أنهم سيصبحون مصدرين لقصصهم، قيمهم، وهويتهم للعالم.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.