الأحد، 08 يونيو 2025

03:31 ص

أزمة الشحن تتجدد، الحروب التجارية تدفع العالم نحو بحار الفوضى من جديد

الأحد، 08 يونيو 2025 01:10 ص

الرسوم الجمركية

الرسوم الجمركية

في الوقت الذي يُمني فيه الاقتصاد العالمي النفس بمرحلة من التعافي النسبي، تعود سلاسل الإمداد العالمية إلى دائرة الخطر، من موانئ أوروبا المزدحمة إلى الممرات الآسيوية المتوترة، يبدو أن شبح أزمة الشحن لم يغادر فعلاً، بل يرتدي الآن حلة جديدة تُطرزها التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية.

مصادر لـCNN: ترامب
ترامب

موانئ أوروبا بداية الانسداد

ما يحدث في شمال أوروبا اليوم ليس مجرد ازدحام موسمي، ففترات الانتظار في موانئ حيوية مثل بريمرهافن وهامبورج وأنتويرب ارتفعت بنسب تصل إلى 77% خلال أسابيع، وفقاً لتقرير بلومبرج. 

ويعود السبب إلى مزيج من نقص حاد في العمالة وانخفاض منسوب المياه في نهر الراين، وهو شريان داخلي رئيسي لحركة البضائع.

لكن هذا الازدحام لم يبق محصوراً في القارة العجوز، فالتداعيات سرعان ما بدأت تتسرب إلى موانئ آسيا والولايات المتحدة، حيث ترتفع أعداد السفن المنتظرة في شنتشن، نيويورك، ولوس أنجلوس.

اقرأ أيضًا:

من 6.9 مليار إلى 689 مليون، انهيار صادرات الموبايلات الصينية يفضح اشتعال الحرب التجارية

تداعيات خطيرة، كيف تسببت الحرب التجارية في هزة مدوية لصادرات الصين من الهواتف؟

تجارة في قبضة السياسة

من خلف الكواليس، تدير السياسات التجارية المتقلبة المشهد بخيوط غير مرئية، الهدنة المؤقتة بين الولايات المتحدة والصين التي قضت بتخفيض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً حفزت الشركات على التسريع في عمليات الشحن، ما أدى إلى ارتفاع حجوزات الحاويات من الصين إلى أميركا بأكثر من الضعف خلال أسبوع واحد فقط.

لكن هذه الهدنة لا تمثل سوى فسحة قصيرة وسط عاصفة، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب عاد مجدداً إلى لغة التهديد، معلناً نيته فرض رسوم جديدة بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي بدءاً من يوليو، وبين شد وجذب الرسوم، تتأرجح شركات الشحن في حالة من الارتباك الاستراتيجي والتكاليف المتزايدة.

فيتش

فوضى متنقلة من أوروبا إلى المحيط الهادئ

الفوضى الأوروبية، لا تبقى محلية، بل تنتقل بسرعة إلى الممرات التجارية الأخرى، تأخير السفن في أوروبا يعني نقصاً في السعة المتاحة لآسيا وأميركا، وارتفاعاً في الأسعار عبر المحيطات.

فعلياً، ارتفعت أسعار الشحن من شنغهاي إلى لوس أنجلوس بنسبة 16% خلال أسبوع، لتصل إلى 3,136 دولاراً للحاوية ذات الأربعين قدماً، ويعزو هذا الارتفاع إلى موجة من الشراء الاستباقي تحسباً لنهاية الهدنة التجارية، إلى جانب موسم التسوق الصيفي في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضًا:

تداعيات الحرب التجارية مع أمريكا، الصين تنفذ خارطة «فك الارتباط» لصادراتها

ترامب يعيد أمريكا إلى الوراء بالحرب التجارية الخاسرة مع الصين وأوروبا

الخلل الهيكلي يكشف هشاشة سلاسل الإمداد

إن سياسات الرسوم الجمركية باتت تشكل عاملاً مهيكلاً للفوضى، وليست مجرد قرارات عابرة، فالتهديدات المتكررة، من الصين إلى أوروبا، تُربك حسابات الشركات وتُعقّد عمليات التخطيط اللوجستي.

ولذلك نري كيف لتأخيرات السفن الأوروبية أن تُسبب سلسلة من التأثيرات المتتابعة، على غرار قطع أحجار الدومينو، تعطل جدول السفن نحو آسيا وأميركا، وتقلص المعروض العالمي من السعة اللوجستية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن بشكل عام.

شركة كونتينرات وحاويات في سفاجا تصنيع، تصميم تعديل وصيانة
حاويات

البحر الأحمر طريق مختصر مغلق

ولم تكن جغرافيا الشحن العالمي بمنأى عن التوترات الأمنية، فاستمرار السفن في تجنب عبور البحر الأحمر بعد هجمات الحوثيين أرغمها على اتخاذ مسارات أطول عبر رأس الرجاء الصالح، ما يزيد الكلفة والوقت على خطوط التجارة بين آسيا وأوروبا، وهذه الالتفافة تعني أن كل رحلة أصبحت أكثر استهلاكاً للوقود والوقت والمخاطر.

أزمة أم واقع جديد؟

السؤال الذي يطرحه المراقبون الآن: هل ما نشهده هو أزمة طارئة أم بداية لواقع شحن جديد عالي التكاليف؟ الحقيقة أن الطبيعة المتشابكة لسلاسل الإمداد تجعل من أي اضطراب محلي أزمة عالمية في زمن قياسي. 

وبينما تسعى بعض الشركات لتأمين عقود طويلة الأجل تفادياً للتقلبات، يبدو أن الأسواق ستظل رهينة لمزاج السياسيين والطقس والجغرافيا معاً.

في المحصلة، نحن أمام لحظة حرجة يلتقي فيها الاقتصاد بالجغرافيا والسياسة، ومع كل تهديد جمركي جديد أو تأخير في ميناء أوروبي، تتقلص المسافة بين الاضطراب المؤقت والأزمة الدائمة، وسفن العالم، بما تحمله من بضائع وتكاليف وآمال، تبدو اليوم بلا بوصلة واضحة، تبحر وسط عواصف الشك والتقلبات.

Short Url

search