الإثنين، 05 مايو 2025

02:14 ص

الشرق الأوسط يودع الكاش، المحافظ الرقمية تقود ثورة المدفوعات المالية

الأحد، 04 مايو 2025 11:23 م

المحافظ الإلكترونية

المحافظ الإلكترونية

تحليل/ كريم قنديل

في زمن تتسارع فيه وتيرة الرقمنة حول العالم، لم يعد المال الورقي هو الملك، بل بات الهاتف المحمول هو المحفظة الجديدة لملايين الأفراد، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث يشهد العالم العربي، تحولًا جذريًا في طريقة الدفع والتعاملات المالية اليومية.

محافظ رقمية، تطبيقات هواتف ذكية، تحويلات مصرفية فورية، كلها أدوات تقود ثورة مالية غير مسبوقة، تعيد تشكيل النظام المصرفي بالكامل.

الدفع الإلكتروني

من الكاش إلى الكود، ما الذي يحدث؟

وقبل عقد من الزمن، كان استخدام المحافظ الرقمية مقتصرًا على شريحة صغيرة من المتبنين الأوائل للتكنولوجيا، أما اليوم، فقد أصبحت جزءً لا يتجزأ من الحياة اليومية. 

مِن دفع ثمن قهوة الصباح، إلى تحويل الأموال للأقارب أو سداد الفواتير، كل شيء بات متاحًا بضغطة واحدة على شاشة الهاتف، واللافت أن هذه الثورة التكنولوجية، لا تقتصر على العواصم الكبرى، بل بدأت تمتد إلى مدن وبلدات أصغر، ما يشير إلى تحول بنيوي في سلوك المستهلك العربي.

والمحفظة الرقمية، ليست مجرد وسيلة جديدة للدفع، بل أصبحت مرآة لتغير أعمق في سلوكيات وتوقعات الأفراد، خاصة جيل الشباب الذي يشكل العمود الفقري للديموغرافيا الشرق أوسطية، حيث يتراوح متوسط أعمار الشباب في المنطقة بين 22 و25 عامًا، وهي فئة نشأت على إيقاع التكنولوجيا، حيث تعتبر الراحة والسرعة من أبجديات الحياة اليومية.

المحافظ الرقمية

 

جيل التكنولوجيا يقود الاقتصاد الجديد

هذا الجيل الشاب، لا يرى في التكنولوجيا ترفًا، بل ضرورة، ويتوقع من المؤسسات سواءً كانت حكومية أو خاصة أن تواكب هذا التغيير، وتجاوبًا مع هذه التطلعات، استثمرت الشركات بقوة في البنية التحتية الرقمية، وحدثت نظم الدفع، وأطلقت تطبيقات مصرفية متطورة، وبدأت في التوسع بخدمات المحافظ الرقمية، التي تتيح تخزين بطاقات الدفع بأمان على الهواتف الذكية.

ولم يعد الدفع الرقمي خيارًا ثانويًا، بل أصبح جزءً من رؤية حكومية أشمل، تسعى لتحويل الاقتصادات الوطنية إلى اقتصادات رقمية، تتسم بالكفاءة والشفافية، فمن السعودية إلى الإمارات، ومن الكويت إلى مصر، تسير حكومات المنطقة بخطى حثيثة نحو مستقبل دون نقد، تُدار فيه المعاملات من خلال الأنظمة الرقمية، ما يسهل التتبع، ويقلل من التهرب الضريبي، ويزيد من الشمول المالي.

 

رواد المحافظ الرقمية، من باي بال إلى كريم باي

وشهد العالم محاولات مبكرة في هذا المجال، منذ أواخر القرن العشرين، وكان رواد مثل "باي بال" أول من زرعوا بذور المحافظ الرقمية، ثم دخلت شركات التكنولوجيا المالية الكبرى على الخط بقوة، "غوغل والت" في 2011م، "آبل باي" في 2014م، و"أندرويد باي" في 2015م، قبل أن تدمج الأخيرة مع محفظة جوجل لاحقًا.

وفي العالم العربي، دخلت الشركات الإقليمية اللعبة بدورها، "STC Pay" في السعودية و"كريم باي" في الإمارات، وهما نموذجان لحلول محلية مصممة خصيصًا للمستهلك الخليجي، وتلبي حاجاته بتكامل سلس مع بيئة الهاتف المحمول، بما فيها الحوالات الفورية، والتسوق، ودفع الفواتير.

الدفع الإلكتروني

 

الهاتف المحمول هو الملك

العامل الحاسم في هذه المعادلة هو الهاتف الذكي، فانتشاره الواسع خاصة في دول الخليج، جعل من السهل تبني تقنيات الدفع الحديثة، ويتوقع أن يرتفع معدل انتشار الهواتف الذكية، في دول الخليج من 76% في 2022م، إلى 92% بحلول 2030م، ما يعني أن الغالبية العظمى من السكان، ستتمكن من استخدام المحافظ الرقمية خلال أقل من عقد.

وليس من المستغرب إذن أن تشهد المنطقة طفرة في استخدام تطبيقات الدفع، سواءً تلك العالمية مثل جوجل باي وآبل باي، أو المحلية مثل مدى باي، وتيلي موني، وكاشات، كل تلك خدمات توفر الراحة والمرونة، وتتيح للمستخدم تحويل الأموال أو الدفع أو التسوق في دقائق، من أي مكان، وفي أي وقت.

 

ما بعد كوفيد، التجارة الإلكترونية تُشعل التحول الرقمي

ورغم أن المدفوعات الرقمية كانت في نمو مستمر قبل جائحة كورونا، إلا أن الجائحة جاءت بمثابة الوقود الذي أشعل التحول الكامل، وخلال الإغلاق، أصبح الشراء عبر الإنترنت الخيار الوحيد تقريبًا، ما دفع الملايين إلى استخدام أدوات الدفع الرقمية لأول مرة، ووفقًا لتقارير 2021م، فإن 80% من الشباب العربي، يتسوقون الآن بشكل متكرر عبر الإنترنت، مقارنة بـ71% فقط قبل عامين.

وحتى أن نماذج جديدة مثل “اشترِ الآن وادفع لاحقًا” لاقت رواجًا كبيرًا، حيث شهدت شركات مثل تابي وتمارا نموًا غير مسبوق، حيث جمعتا معًا أكثر من 20 مليون مستخدم في السعودية والإمارات والكويت والبحرين، وتجاوزت تقييماتهما السوقية، حاجز 2.5 مليار دولار.

الدفع الإلكتروني

 

هل تختفي النقود الورقية؟

وفي الإمارات إحدى أسرع الأسواق نموًا في مجال التجارة الإلكترونية، يتوقع 64% من السكان أن تصبح البلاد خالية من النقد بحلول 2030م، والسبب لا يعود فقط إلى انتشار الهواتف أو التقدم التقني، بل إلى تحولات في الثقافة الاقتصادية ذاتها، فالأمان، والسرعة، والتتبع، والمكافآت المرافقة للدفع الرقمي، باتت تغري المستهلك أكثر بكثير من حمل النقود.

 

الطريق إلى اقتصاد لا نقدي

ومن منظورٍ اقتصادي، يعكس هذا التحول نقلة نوعية من اقتصاد قائم على المعاملات النقدية المجهولة وغير الموثقة، إلى اقتصاد رقمي شفاف، يمكن تتبعه وتحليله، والاستفادة منه في صناعة القرار السياسي والمالي. 

وهذه التغيرات لا تصب فقط في مصلحة المستهلكين، بل تفتح أيضًا آفاقًا جديدة أمام الشركات الناشئة، والمستثمرين، ومطوري التكنولوجيا، وحتى صناع السياسات العامة، فالشرق الأوسط اليوم، ليس فقط يلحق بالركب، بل في بعض المجالات، بات يقود موجة التغيير العالمي في المدفوعات الرقمية، فالهاتف لم يعد وسيلة للاتصال فقط، بل أصبح بوابة المستقبل الاقتصادي.

Short Url

search