الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

11:07 م

ثروات الخليج تتحدى الأزمات، من صواريخ إيران إلى قلب النظام المالي العالمي

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025 07:48 م

ثروات الخليج

ثروات الخليج

بينما كانت التوترات الجيوسياسية بين طهران وواشنطن تبلغ ذروتها، وتتردد أصداء الصواريخ الإيرانية في سماء الخليج، كانت ثروات دول المنطقة تتوسع بصمت وثبات، متجهة نحو قلب النظام المالي العالمي.

صواريخ إيران

في تحول لافت، لم تعد دول الخليج مجرد مستقبِلة للاستثمارات الأجنبية، بل أصبحت مصدرًا رئيسيًا لتدفقات رأس المال السريعة والمتنوعة. لقد نجحت في بناء شبكة تمويل موازية، قادرة على الصمود أمام التقلبات السياسية والاضطرابات العسكرية، مهما كانت حدتها.

هذه القدرة على التمدد والاستثمار بفعالية في ظل الأزمات تؤكد الدور المتنامي للخليج كقوة اقتصادية ومالية عالمية، لا تتأثر بسهولة بالعواصف الإقليمية.

ما بعد الصدمة.. من النفط إلى الأصول العالمية

عندما استهدفت إيران هذا الصيف قاعدة أمريكية في قطر، بدا كأن المنطقة تقف على أعتاب صراع مباشر جديد، ولكن في الدوحة، لم تتوقف الحياة المالية، وفي دبي وأبوظبي، استمرت الاجتماعات المصرفية والتوسعات الاستثمارية وكأن شيئًا لم يكن.

هذا التجاهل الظاهري للخطر ليس إنكارًا، بل انعكاس لواقع اقتصادي مستجد، ثروات الخليج اليوم أكبر من أن تجمد، وأعمق من أن تقيد بحدود الجغرافيا أو اللحظة السياسية.

تجاوزت أصول الثروات السيادية والعائلية الخليجية حاجز الـ5 تريليونات دولار، وتدار عبر صناديق ضخمة مثل جهاز أبوظبي للاستثمار (ADIA)، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، وهيئة قطر للاستثمار (QIA). 

هذه الصناديق لم تعد فقط صناديق أجيال، بل أدوات نشطة لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي ومراكز القوى فيه.

الشرق الأوسط

ثلاثية التحول.. الجيوسياسة، الطاقة، والذكاء الاصطناعي

بحسب معهد بلاك روك للاستثمار، يتقاطع الشرق الأوسط اليوم مع ثلاثة مسارات رئيسية تشكل خارطة الاقتصاد العالمي الجديد:

الاضطراب الجيوسياسي: تفكك النظام العالمي التقليدي خلق فراغات تبحث عن من يملأها، وبينما تتراجع الولايات المتحدة وتعيد الصين تموضعها، تجد دول الخليج فرصة لصياغة علاقات ثنائية جديدة، مبنية على الشراكة لا التبعية.

تحول قطاع الطاقة: ارتفاع أسعار النفط منذ 2022 أعاد مليارات الدولارات إلى خزائن الخليج، لكن التحول الطاقوي دفع هذه الدول إلى استخدام الفوائض لتمويل اقتصاد بديل، يستثمر في الهيدروجين الأخضر، وتقنيات الكربون، وتطوير البنية التحتية المستدامة.

صعود الذكاء الاصطناعي: يفتح المجال لتجاوز قيد الاقتصاد الريعي، ويمنح الخليج فرصة تاريخية للتموضع كمستثمر أساسي في أحد أكثر القطاعات نموًا عالميًا.

 

اقرأ أيضًا:

الخليج وإفريقيا، شراكة استراتيجية أم سباق نفوذ اقتصادي؟

استراتيجية التنوع المالي.. الخليج يستثمر ولا يصدر فقط

المثير في النموذج الخليجي الجديد أنه لا يقوم فقط على تصدير الأموال، بل على استقطابها أيضًا، في دبي، ارتفعت تسجيلات الشركات المالية 32% في النصف الأول من 2025، مدفوعة بتوسع صناديق التحوط الأمريكية والأوروبية.

بينما في أبوظبي، يضم المركز المالي أكثر من 144 شركة لإدارة الأصول، يعمل فيها أكثر من 29 ألف موظف، وفي الرياض، تحولت العاصمة السعودية إلى أحد أنشط أسواق الطروحات الأولية السيادية والقطاعية في الأسواق الناشئة.

في الدوحة، تعرض الدولة حوافز ضريبية وتنظيمية لجذب مكاتب وول ستريت، ضمن رؤية لتحويل المدينة إلى مركز مالي دولي.

هذه الديناميكية لم تكن ممكنة لولا بنية تحتية تشريعية ومالية متطورة، وإدراك استراتيجي بأن النمو المستدام لا يقوم فقط على بيع النفط، بل على تدوير العائدات في أصول مولدة للقيمة طويلة الأجل.

بلاك روك

الاستثمار وسط الأزمات.. من الحذر إلى الاندماج الاستراتيجي

المفارقة أن المستثمرين الغربيين لم يكتفوا بالقدوم إلى الخليج رغم التوتر، بل باتوا يرونه ملاذًا آمنًا نسبيًا في عالم يموج بالاضطرابات.

شركات كبرى مثل بلاك روك، وبلاكستون، وكيه كيه آر، وبروكفيلد أصبحت اليوم من كبار اللاعبين في المشهد الاستثماري الخليجي، بعضها يدير أصولًا محلية، وبعضها يبحث عن فرص استحواذ، لكن جميعها تسعى إلى شراكات استراتيجية دائمة.

 إن الخليج بات اليوم فرصة بحد ذاته، لا مجرد بنك تمويل، وهو توصيف يعكس التحول من النظرة القديمة التي كانت ترى في المنطقة مصدرًا للأموال فحسب، إلى مركز اقتصادي فاعل على مستوى العالم.

اقرأ أيضًا:

من الخليج إلى أوروبا، كيف تستخدم الدول العربية قوتها البرمجية لاقتحام السوق العالمية؟

صناعة المستقبل بأموال اليوم

لا يزال الخليج بعيدًا عن أن يصبح وادي السيليكون، لكن طموحه في هذا الاتجاه واضح، الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، والبنية التحتية الرقمية، والرعاية الصحية، والتعليم الخاص، والفضاء، ليست عشوائية، بل تحركها إستراتيجية لتأمين مكان دائم في العالم ما بعد الكربون.

وفي هذا الإطار، فإن المعادلة بسيطة ومعقدة في آنٍ معًا، لدى دول الخليج أموال أكثر مما يمكن إنفاقه محليًا، وفي الوقت نفسه، تملك الأسواق الغربية حاجات تمويل ضخمة يصعب تغطيتها من الداخل. 

هذه العلاقة التكاملية تخلق نوعًا من الترابط المتزايد، الذي يتخطى السياسة ويمتد إلى عمق الاقتصاد العالمي، ويطول كل الأطراف المعنية.

اقتصاد السعودية

السعودية.. بين الأفق والواقعية

ربما تكون السعودية الحالة الأكثر وضوحًا لهذا الطموح المقيد بالواقعية، ورغم أنها لا تمتلك الوفرة المالية ذاتها لدبي أو أبوظبي، فإنها تظل من أكثر الأسواق حيوية في الشرق الأوسط. 

نجاحاتها في الطروحات الأولية، وتوسعها في السندات السيادية، وفتحها السوق أمام شركات الأصول العالمية يعكس رغبة في التحول إلى مركز مالي محوري في المنطقة.

لكن التحدي الأكبر للسعودية هو تنفيذ خططها الكبرى مثل رؤية 2030، في ظل بيئة مالية عالمية أكثر تشددًا، وتباطؤ محتمل في أسعار النفط، وتذبذب السياسات العالمية حيال الطاقة الأحفورية.

اقرأ أيضًا:

من النفط إلى التنويع، هل تنجح خطط الخليج الاقتصادية؟

الشرق الأوسط الجديد.. منطقة ناضجة لا مثالية

برغم كل النجاحات، لا تزال هناك تحديات، فالشرق الأوسط ليس بعد منطقة خالية من المخاطر، والتصعيد العسكري، وتقلب العلاقات الدولية، وهشاشة بعض الأنظمة القضائية، كل ذلك عوامل تجعل المستثمرين يتحسبون لأي ارتداد غير متوقع.

لكن المنطقة وصلت إلى مرحلة نضج، بمعنى أن المستثمرين لم يعودوا يهربون من أول أزمة، بل بدأوا يبنون نماذج تعامل طويلة الأمد مع دورة عدم الاستقرار.

وفي ذلك، يتجسد جوهر التحول الخليجي، من منطقة هامشية إلى فاعل استراتيجي في تمويل النظام الرأسمالي العالمي.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search