الخليج وإفريقيا، شراكة استراتيجية أم سباق نفوذ اقتصادي؟

الإثنين، 11 أغسطس 2025 08:52 م

القارة الإفريقية

في السنوات الأخيرة، لم تعد القارة الإفريقية مجرد ساحة بعيدة على خارطة الاستثمار العربي، بل تحولت إلى محور استراتيجي يجذب رؤوس الأموال الخليجية والعربية بوتيرة غير مسبوقة.

هذا التحول، الذي جاء على حساب المسارات التقليدية نحو الغرب أو آسيا، يطرح سؤالاً محوريًا: هل نحن أمام رؤية بعيدة المدى لبناء شراكات تنموية متوازنة، أم أمام فصل جديد من التنافس الدولي على النفوذ والموارد؟

قارة الفرص الذهبية

لا يمكن إنكار أن إفريقيا تحمل كل مقومات الإغراء الاستثماري، فهي تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، ويتوقع أن يتجاوز العدد 2.5 مليار بحلول منتصف القرن.

هذا النمو السكاني السريع يتزامن مع توسع الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات التحضر، ما يجعل القارة واحدة من أكبر الأسواق الاستهلاكية الصاعدة في العالم.

إلى جانب ذلك، تمتلك إفريقيا ثروات طبيعية هائلة من المعادن النادرة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، فضلاً عن موقع جغرافي يجعلها على تماس مع الممرات البحرية والتجارية العالمية، بما في ذلك الخليج العربي.

لكن خلف هذا البريق، تقف فجوة تمويلية ضخمة في قطاعات البنية التحتية والطاقة، تتجاوز 100 مليار دولار سنويًا، وهو ما يفتح الباب أمام المستثمرين الباحثين عن فرص مبكرة ذات عائد مرتفع.

من 4.5 لـ16.5 مليار دولار، إفريقيا تستعد لقفزة في سوق الذكاء الاصطناعي بحلول 2030

زخم دولي.. وحضور خليجي متنامي

خلال العقدين الماضيين، رسخت الصين حضورها في إفريقيا عبر قروض ميسرة ومشاريع بنية تحتية ضخمة، فيما سعت تركيا إلى نسج شبكة نفوذ ثقافي وتجاري متنامي.

هذا السباق الدولي دفع العواصم الخليجية لتسريع دخولها المشهد الإفريقي، ليس فقط عبر الاستثمارات، بل عبر بناء علاقات شاملة تمزج بين الاقتصاد والسياسة والأمن.

الإمارات مثلاً، برزت كلاعب محوري عبر موانئ دبي العالمية التي تدير موانئ استراتيجية في شرق وغرب القارة، إلى جانب استثمارات في الطاقة النظيفة والمناطق الحرة.

بينما السعودية ركزت على الأمن الغذائي من خلال شراء أو استئجار مساحات زراعية واسعة في السودان وإثيوبيا عبر مؤسسات مثل “سالك”.

بينما فضلت قطر والكويت نهجًا تدريجيًا يركز على التعليم والمساعدات الإنسانية، أما مصر والمغرب، فقد اعتمدا على رصيدهما التاريخي والثقافي، خاصة في غرب إفريقيا.

استثمارات استراتيجية أم نفوذ ناعم؟

الحضور الخليجي في إفريقيا لا يقتصر على المكاسب الاقتصادية المباشرة، بل يرتبط برؤية أوسع لتعزيز العمق الاستراتيجي عبر البحار.

الاستثمار في الموانئ، وتأمين طرق تجارية جديدة، والدخول في شراكات طاقة، كلها تتحرك في سياق تنافسي مع قوى صاعدة مثل الصين وتركيا والهند، وحتى أطراف إقليمية كإيران وإسرائيل.

لكن هذا الانخراط ليس بلا تحديات، فبعض المشاريع تعرض لانتقادات بدعوى استحواذها على أراضي دون مراعاة المجتمعات المحلية، كما أن هشاشة البيئة السياسية في بعض الدول الإفريقية، نتيجة الانقلابات أو النزاعات، تجعل الاستثمارات عرضة لمخاطر يصعب التحكم بها.

450 مليار دولار على المحك، كيف يفتح التحول الرقمي الأخضر آفاق إفريقيا الاقتصادية؟

نماذج ناجحة ومسارات جديدة

رغم هذه التحديات، هناك تجارب خليجية لافتة يمكن البناء عليها، مشاريع مصدر الإماراتية للطاقة النظيفة في السنغال وموريتانيا تقدم نموذجًا للتكامل بين العائد الاستثماري والأثر البيئي والاجتماعي.

كما أن دخول صناديق التنمية الخليجية في تمويل مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة يعكس توجهًا لدمج البعد الإنمائي ضمن الأجندة الاستثمارية.

ومن هنا يبرز نموذج الشراكات الثلاثية الذي يجمع بين دولة خليجية وشريك إفريقي وطرف دولي في التمويل أو التكنولوجيا، كخيار يوازن بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية، خاصةً في ظل تحديات مناخية واقتصادية متصاعدة.

المعادلة الحاسمة

المستقبل الحقيقي للعلاقة الخليجية الإفريقية لن يتحدد بحجم رؤوس الأموال المتدفقة فقط، بل بقدرة هذه الاستثمارات على بناء الثقة وتحقيق أثر تنموي ملموس.

فإما أن تتحول إفريقيا إلى منصة لشراكة استراتيجية طويلة الأمد قائمة على تنمية الإنسان وبناء القدرات، أو تصبح ساحة أخرى لتكرار سيناريوهات التنافس الدولي على الموارد.

القارة السمراء اليوم ليست مجرد مخزن للثروات، بل شريك استراتيجي محتمل، والكرة الآن في ملعب العواصم الخليجية لتثبت أن حضورها في إفريقيا هو نموذج جديد للتعاون الدولي العادل، لا مجرد سباق نفوذ على أرض الفرص الذهبية.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.