الأحد، 28 ديسمبر 2025

07:56 م

حين تهز «وول ستريت» مستقبل النمو، تقلبات المال العالمي تعيد رسم مصير الأسواق الناشئة

الأحد، 28 ديسمبر 2025 04:00 م

الأسواق الناشئة

الأسواق الناشئة

في قلب النقاش الدائر حول هشاشة اقتصادات الأسواق الناشئة، يبرز سؤال جوهري ظل لسنوات محل جدل بين الاقتصاديين، هل تقلبات الأسواق المالية العالمية تقتصر آثارها على الدورات الاقتصادية القصيرة، أم تمتد لتعيد تشكيل مسار النمو طويل الأجل نفسه؟ 

ومن هنا نتجه نحو إجابة حاسمة، وهي أن الاضطراب المالي العالمي لا يهز الاقتصادات الناشئة مؤقتًا فقط، بل يترك ندوبًا عميقة في اتجاه نمو إنتاجيتها على المدى الطويل.

الأسواق الناشئة أول من يدفع الثمن

تاريخيًا، كانت الأسواق الناشئة أول من يدفع ثمن تراجع شهية المخاطرة عالميًا، وارتفاع مؤشر الخوف (VIX)، أو اتساع فروق العائد على الائتمان، غالبًا ما يعني خروجًا سريعًا لرؤوس الأموال، وانخفاضًا في قيمة العملات المحلية، وتباطؤًا حادًا في النشاط الاقتصادي. 

هذه الصورة مألوفة منذ أزمات التسعينيات وحتى نوبة الذعر عام 2013، لكن ما يضيفه هذا البحث الصادر عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية بعنوان "أسعار متقلبة، نمو هش: ديناميكيات المخاطر المالية العالمية والإنتاجية"، وهو الربط بين هذه الصدمات المالية وبين تقلبات أعمق وأطول أمدًا في اتجاه النمو ذاته، وليس فقط في مستواه الدوري.

تعتمد الدراسة على نموذج قياسي متقدم يغطي 13 اقتصادًا صغيرًا مفتوحًا، سبعة منها أسواق ناشئة، وستة اقتصادات متقدمة خلال الفترة من 1993 إلى 2019. 

الفكرة المحورية هي فصل نمو الناتج والاستهلاك والاستثمار إلى اتجاه طويل الأجل ودورة قصيرة الأجل، ثم تحليل ما إذا كانت الصدمات المالية العالمية، وبالأخص تلك المرتبطة بعدم اليقين حول السياسة النقدية الأمريكية، تؤثر على الاتجاه نفسه. 

والنتيجة كانت لافتة، صدمة واحدة في عدم اليقين، حول أسعار الفائدة الأمريكية، كفيلة بخفض اتجاه إنتاجية الاقتصادات الناشئة بنحو 25 نقطة أساس خلال ثلاث سنوات، بينما لا يظهر أي أثر يذكر في الاقتصادات المتقدمة.

تباين حاد يفتح الباب أمام سؤال مهم وهو.. لماذا؟

هذا التباين الحاد يفتح الباب أمام سؤال وهو لماذا؟، ومن هنا ينتقل التحليل من البيانات إلى النظرية، ويقدم الباحثون نموذج اقتصاد مفتوح صغير يدمج ثلاثة عناصر أساسية: 

  • نمو إنتاجية داخلي نابع من الابتكار ودخول الشركات الجديدة 
  • قيود اقتراض تعتمد على قيمة الشركات كضمان
  • تقلبات عشوائية في أسعار الفائدة العالمية. 

هذه التركيبة تكشف آلية دقيقة لكنها شديدة الأثر، عندما ترتفع تقلبات أسعار الفائدة العالمية، تنخفض القيمة الحالية المتوقعة لأرباح الشركات، ليس فقط بسبب ارتفاع الخصم، بل أيضًا لأن احتمالات الصدمات السلبية الكبيرة تصبح أعلى.

في الاقتصادات الناشئة، حيث القيود الائتمانية أكثر صرامة، تتحول هذه الصدمة إلى حلقة مفرغة. تراجع قيمة الشركات يقلل قدرتها على الاقتراض، فينخفض الاستثمار في الابتكار ودخول شركات جديدة، ما يبطئ نمو الإنتاجية.

الأسوأ أن هذه العملية غير متناظرة، والصدمات السلبية القوية تحدث ضررًا كبيرًا عندما تفعل قيود الاقتراض، بينما الصدمات الإيجابية لا تقدم دعمًا مماثلًا لأن القيود تكون أصلًا غير ملزِمة. 

النتيجة النهائية هي أن ارتفاع التقلبات وحده حتى دون تغيير متوسط سعر الفائدة يكفي لإضعاف الحوافز الاستثمارية وخفض النمو طويل الأجل.

الاقتصادات المتقدمة بأنظمة مالية أعمق وأسواق ائتمان أكثر مرونة

على النقيض، تتمتع الاقتصادات المتقدمة بأنظمة مالية أعمق وأسواق ائتمان أكثر مرونة، ما يجعل قيود الاقتراض نادرًا ما تصبح ملزمة، لذلك، تمر صدمات عدم اليقين العالمية عبر هذه الاقتصادات دون أن تترك أثرًا دائمًا على اتجاه النمو، حتى وإن أثرت مؤقتًا على النشاط الدوري.

التجربة الكمية للنموذج، والمعايرة على اقتصاد مثل المكسيك، تعزز هذه القراءة، فعندما يتم إلغاء تقلبات أسعار الفائدة في النموذج، ينخفض تذبذب اتجاه النمو في الأسواق الناشئة بنحو 30%، بينما لا يتغير تقريبًا في الاقتصادات المتقدمة. 

وعندما تعدل فقط معايير التطور المالي مثل نسبة قيمة الشركة التي يمكن رهنها أو حساسية تكلفة الاقتراض للمخاطر، يضيق الفارق بشكل كبير بين المجموعتين. 

والأهم أن قيود الاقتراض نفسها تفسر نحو 60% من التقلب الزائد في اتجاه النمو لدى الأسواق الناشئة، فيما تعود النسبة المتبقية إلى ارتفاع علاوات المخاطر وتقلبها.

يمتد التحليل أيضًا إلى البعد العرضي بين الدول، وفي فترات ارتفاع تقلبات أسعار الفائدة الأمريكية، لا ينخفض متوسط نمو الاتجاه في الأسواق الناشئة فحسب، بل يتسع التفاوت بينها بشكل حاد: دول تتعرض لتباطؤ شديد وأخرى أقل تضررًا. 

هذا التشتت يعكس الطبيعة غير الخطية لقيود الاقتراض، حيث يختلف توقيت وحدة تفعيلها من دولة لأخرى، أما الاقتصادات المتقدمة، فتبقى مستويات التفاوت فيها منخفضة ومستقرة.

العولمة المالية لم تخلق فقط دورات انتعاش

العولمة المالية لم تخلق فقط دورات انتعاش وانكماش متزامنة، بل عمقت الفجوة الهيكلية بين الاقتصادات، وفي عالم تسوده تقلبات مرتفعة وعدم يقين بشأن السياسة النقدية الأمريكية، لا تكون المشكلة في صدمة عابرة، بل في تراكم خسائر غير مرئية في مسار النمو طويل الأجل للأسواق الناشئة. 

تقوية الأنظمة المالية المحلية، وتخفيف حدة قيود الاقتراض، وبناء أدوات امتصاص للصدمات، لم تعد رفاهية تنموية، بل شرطًا أساسيًا لحماية المستقبل الإنتاجي لهذه الاقتصادات في نظام مالي عالمي شديد التقلب.

اقرأ أيضًا:

فجوة تمويل التنمية وفرص الإنقاذ.. غياب العدالة يحصر الدول النامية بين شبح الفقر ونقص الموارد

إرث الحرب العالمية الثانية، الاقتصاد العالمي يدفع ثمن نزاع عمره 80 عامًا؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search