الإثنين، 29 سبتمبر 2025

06:22 م

إرث الحرب العالمية الثانية، الاقتصاد العالمي يدفع ثمن نزاع عمره 80 عامًا؟

الإثنين، 29 سبتمبر 2025 03:05 م

إرث الحرب العالمية الثانية

إرث الحرب العالمية الثانية

لم تكن الحرب العالمية الثانية مجرد مأساة إنسانية أو نزاع جيوسياسي أعاد رسم خريطة العالم، بل كانت زلزالاً اقتصاديًا هز النظام المالي العالمي من جذوره، ولا تزال توابعه تتردد حتى يومنا هذا. 

النظام الاقتصادي العالمي

فالإرث الاقتصادي للحرب، من إعادة الإعمار إلى صناعة السلاح، ومن الديون السيادية إلى الولادة المضطربة لمؤسسات التمويل الدولية، لا يزال يشكل جزءًا أساسيًا من بنية النظام الاقتصادي العالمي، بل ويعيد تشكيله مع كل أزمة أو صراع جديد.

انهيار الإمبراطوريات.. وصعود الدولار

أحد أبرز التحولات الاقتصادية التي أفرزتها الحرب كان انهيار العملات الاستعمارية، وعلى رأسها الجنيه الإسترليني، وصعود الدولار الأمريكي كعملة الاحتياط العالمية بلا منازع. 

فالولايات المتحدة، التي خرجت من الحرب أقوى اقتصاديًا، فرضت عبر اتفاق بريتون وودز عام 1944 منظومة مالية جديدة، وضعت الدولار في قلب التجارة العالمية وربطته بالذهب، مما منح واشنطن هيمنة اقتصادية لا تزال قائمة حتى بعد فك الارتباط عام 1971.

هذه الهيمنة سمحت للولايات المتحدة بتمويل حروب لاحقة، وتوسيع نطاق نفوذها عبر أدوات اقتصادية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين تأسسا بعد الحرب كجزء من مشروع إعادة الإعمار العالمي. 

لكن هذه الأدوات، رغم دورها في تجنب كوارث مالية كبرى، وجهت إليها انتقادات لاحقة بأنها فرضت نماذج اقتصادية نيوليبرالية تسببت في اضطرابات اجتماعية في بلدان الجنوب العالمي.

خطة مارشال

خطة مارشال.. استثمار أم هيمنة؟

حين أطلقت الولايات المتحدة خطة مارشال عام 1948، لم يكن الهدف فقط إعادة إعمار أوروبا الغربية، بل ضمان سوق لصادراتها واحتواء التمدد السوفياتي. 

ضخ أكثر من 13 مليار دولار، أي ما يعادل تعادل أكثر من 150 مليارًا بأسعار اليوم في اقتصادات القارة العجوز، سمح بإعادة تشغيل المصانع، واستعادة الثقة في الأنظمة البنكية، ومنع الانهيار الكامل لاقتصادات كبرى كألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

لكن اقتصاد ما بعد الحرب لم يكن فقط قصة إنقاذ، بل أيضًا قصة احتواء سياسي، فحيثما تدفقت أموال مارشال، انحسرت الشيوعية، وهكذا، أصبح الاقتصاد أداة صراع باردة، توازي في تأثيرها الترسانات العسكرية.

اقرأ أيضًا:

«بريتون وودز» واقتصاد عالمي على أنقاض الركام، كيف فاز الدولار بمعركة لم تطلق فيها رصاصة؟

روسيا.. اقتصاد الذاكرة والحصار

بالنسبة إلى روسيا اليوم، فإن التاريخ ليس مجرد ماضي، بل أداة ضغط ونفوذ، بوتين يوظف إرث الحرب الوطنية العظمى لا لبناء هوية قومية فقط، بل لتبرير قرارات اقتصادية مكلفة، مثل عسكرة الاقتصاد، وتمويل آلة الحرب في أوكرانيا رغم العقوبات غير المسبوقة.

وفي المقابل، شكلت العقوبات الغربية مفارقة اقتصادية لافتة، فعوض أن تنهار المنظومة الروسية سريعًا، دفعت الحكومة إلى تسريع مسار الاعتماد على الذات، وتعزيز التجارة مع قوى كالصين والهند، بما يشبه نسخة محدثة من مجلس الكوميكون الذي كان مظلة اقتصادية للدول الاشتراكية إبان الحرب الباردة.

الاتحاد السوفياتي

الصناعات العسكرية.. من الحرب العالمية إلى اقتصاد الحرب

من الدبابات السوفياتية إلى صفقات الباتريوت الأمريكية، شكلت الحرب العالمية الثانية نقطة التحول في ولادة المجمع الصناعي العسكري، وهي العبارة التي صكها الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور محذرًا من تحول الصناعات الدفاعية إلى غول اقتصادي لا يمكن ترويضه.

واليوم، ومع عودة الحروب الكبرى، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، يعود الاقتصاد العالمي إلى لغة اقتصاد الحرب، الإنفاق العسكري في أوروبا تجاوز حاجز 500 مليار دولار، والصناعات الدفاعية الأمريكية تسجل أرباحًا قياسية، فيما ترتفع أسعار الطاقة والغذاء على وقع اضطرابات سلاسل الإمداد.

اقرأ أيضًا:

80 عامًا على صندوق النقد الدولي، من حلم «بريتون وودز» إلى إدارة عالم مضطرب

الحرب والسلام.. من فاتورة الخسائر إلى اقتصاد الخوف

الحرب العالمية الثانية أسست لحقبة من النمو الاقتصادي السريع، خاصة في الغرب، بفضل توافر العمالة المدربة، والطلب المرتفع على السلع، وثقة المستثمرين في الأنظمة الجديدة. 

لكنها أيضًا خلقت اقتصادًا قائمًا على الخوف من تكرار الكارثة، ما مهد الطريق لنشوء نظام تأميني عالمي، وتوسع دور الدولة في الإنفاق الاجتماعي، لا سيما في أوروبا، كوسيلة لاحتواء غضب الشعوب.

أما اليوم، فتبدو المعادلة معكوسة، الاقتصاد المعولم بات هشًا، والسياسات النيوليبرالية قلصت الإنفاق العام، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية، ما يضع الأنظمة الاقتصادية أمام مفارقة خطيرة.. هل تستثمر في الدفاع؟ أم في الاستقرار الاجتماعي؟

الصين والنظام العالمي الجديد

الصين.. رابح استراتيجي من فوضى الحرب

لعل أكثر المستفيدين من إرث الحرب هي الصين، التي صعدت من بلد منكوب في أربعينيات القرن الماضي إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم. 

فالهزيمة اليابانية فتحت المجال أمام الحزب الشيوعي للسيطرة، وسمحت لبكين بتشكيل سردية قومية تستند إلى مقاومة الاحتلال، استخدمها الحزب لتبرير سلطته واحتكار الشرعية.

واليوم، تسعى بكين لتوسيع نفوذها عالميًا عبر مبادرة الحزام والطريق، مستخدمة أدوات مالية لا تقل فاعلية عن خطة مارشال، ولكن وفق شروط صينية، وفي دول كانت سابقًا ساحة للصراعات الإمبريالية الغربية.

اقرأ أيضًا:

نبوءة «كينز» تعود للحياة، هل يمنحنا الذكاء الاصطناعي وقتًا أكثر وعملاً أقل؟

نهاية الرأسمالية كما نعرفها

الحرب العالمية الثانية أعادت تعريف الرأسمالية، من اقتصاد السوق الجامح إلى رأسمالية دولة تدار بحكمة نسبية، لكننا اليوم، مع تفكك النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب، أمام سؤال وجودي، هل دخلنا في عصر ما بعد الرأسمالية، حيث تندمج الدولة بالسوق، وتعاد هندسة الاقتصاد من قبل أنظمة سلطوية تستخدم التاريخ أداة للشرعية الاقتصادية؟

الصين، روسيا، وربما الهند، تقدم نماذج مغايرة تمامًا عن ليبرالية ما بعد الحرب، والغرب، الذي خرج منتصرًا عام 1945، يبدو اليوم مرتبكًا، تتآكل قدرته على الحفاظ على تفوقه الاقتصادي في عالم تعاد فيه صياغة القواعد.

نهاية الرأسمالية 

التاريخ لم ينتهي بعد

الاقتصاد العالمي لا يتحرك فقط بفعل الأسواق والمؤشرات، بل تحكمه أيضًا الذاكرة، والخوف، والطموح الإمبراطوري، والحرب العالمية الثانية، رغم مرور 80 عامًا على نهايتها، لا تزال تلقي بظلالها على القرارات الكبرى، من واشنطن إلى بكين، ومن بروكسل إلى موسكو.

لقد ظن العالم أن النظام الذي ولد من رماد الحرب قادر على تجنيبه الانهيار، لكن، كما يذكرنا التاريخ مرارًا، النظام الاقتصادي لا يعيش على الذكريات، بل على القدرة المستمرة على التجديد والعدالة، واليوم، يبدو أن تلك القدرة على المحك.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search