الخميس، 27 نوفمبر 2025

04:15 م

فجوة تمويل التنمية وفرص الإنقاذ.. غياب العدالة يحصر الدول النامية بين شبح الفقر ونقص الموارد

الخميس، 27 نوفمبر 2025 01:30 م

حلول التنمية المستدامة

حلول التنمية المستدامة

بعد انعقاد مؤتمر تمويل التنمية الرابع في إشبيلية عام 2025، تجدد النقاش حول قدرة النظام المالي العالمي على مواجهة التحديات التي تتفاقم كل يوم: الفقر، وتغير المناخ، والأوبئة، والنزاعات، وتراجع القدرة على تمويل السلع العامة العالمية. 

التقرير الصادر عن شبكة حلول التنمية المستدامة SDSN يقدم رؤية واضحة وصريحة مفادها أن المشكلات ليست في نقص الموارد، بل في توجيهها، وأن العالم يملك ما يكفي لتمويل التنمية، لكن غياب الإرادة السياسية وعدم عدالة توزيع الأعباء يمثلان عقبتين أساسيتين أمام تحقيق الهدف المشترك: مستقبل أكثر أمانًا وإنصافًا.

الإنفاق العسكري

فجوة الإنفاق العالمي.. اختلال أولويات يهدد الاستقرار

يلفت التقرير النظر إلى المفارقة الصادمة بين حجم الإنفاق العسكري عالميًا وبين ميزانية الأمم المتحدة، ففي عام 2023 لم تتجاوز ميزانية الأمم المتحدة 46 مليار دولار، بينما بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2.4 تريليون دولار. 

هذه المقارنة تكشف كيف يوجه العالم موارده نحو متابعة الصراعات بدلاً من معالجة جذورها، وتنفق الاقتصادات الكبرى على ما يحفظ مصالحها الاستراتيجية الضيقة، في حين تترك المؤسسات الدولية المكلفة بحماية السلام والتنمية بميزانيات متواضعة لا تواكب اتساع حجم الأزمات الدولية. 

هذا الخلل ينعكس على شكل ضعف في قدرة الأمم المتحدة على الاستجابة للكوارث المناخية المتزايدة، والأزمات الصحية العالمية، والنزوح، والتدهور البيئي، ما يجعل العالم أقل قدرة على منع الأزمات وأكثر انشغالًا بإدارتها.

مسؤولية الدول الغنية.. عدالة غائبة رغم وضوح الواجبات

يشدد التقرير على أن الدول ذات الدخل المرتفع تتحمل مسؤولية أخلاقية واقتصادية مضاعفة، فمن حيث العدالة التوزيعية، من غير المقبول أن تستمر الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير في الاتساع، خاصة وأن الثروة العالمية تتركز في أيدي مجموعة محدودة من الدول. 

أما من حيث العدالة التعويضية، فإن الدول الغنية تتحمل معظم المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات الكربونية وتدهور البيئة، وبالتالي فإن تمويلها لجهود الدول الفقيرة في مواجهة الخسائر والتكيف ليس تفضل، بل واجب مستحق.

هذا المفهوم إذا اعتمد بشكل عملي سيعيد صياغة العلاقات الاقتصادية الدولية، ويجعل التمويل المناخي جزءًا من إعادة التوازن العالمي.

أهداف التنمية المستدامة

أزمة تمويل التنمية.. أهداف بلا موارد ورؤى بلا أدوات

منذ إطلاق أهداف التنمية المستدامة عام 2015، ظل التمويل أحد أبرز نقاط الضعف، فالالتزامات المعلن عنها لم تتحول إلى تدفقات مالية حقيقية، وتوقفت زيادات رأسمال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أكثر من مرة، كما تأخرت إصلاحات جوهرية كان من الممكن أن تساعد الدول منخفضة الدخل على مواجهة أزماتها. 

والنتيجة هي استمرار فجوة التمويل التنموي، مما جعل العديد من الدول عاجزة عن الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وهي القطاعات التي تشكل أساس النمو الاقتصادي طويل الأجل. 

هذه الأزمة تتعمق مع ارتفاع مستويات الديون في العديد من الدول النامية، ما يجعلها غير قادرة على التوسع في الإنفاق الاستثماري، ويعلق مستقبلها الاقتصادي بين متطلبات السداد وضرورة تحسين الخدمات.

التمويل البيئي والمناخي.. صناديق فارغة لمهام مصيرية

يشير التقرير بوضوح إلى أن الصناديق المناخية والبيئية الدولية، مثل صندوق الخسائر والأضرار والصندوق الأخضر للمناخ، لا تزال تمول دون المستوى المطلوب بكثير. 

العالم بحاجة إلى تمويل ضخم لحماية الغابات المطيرة، وتنظيف المحيطات، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ودعم الدول التي تواجه كوارث ناجمة عن تغير المناخ. 

لكن الواقع يشير إلى أن الدول الغنية ما زالت تحجم عن الوفاء بتعهداتها، رغم أن هذه الجهود تحمي الاقتصاد العالمي ككل من مخاطر مستقبلية جسيمة. 

فالتدهور البيئي لا يؤثر فقط على الدول الفقيرة، بل يهدد سلاسل الإمداد العالمية، والأسواق الزراعية، وأمن الطاقة، ويزيد من احتمالات الكوارث الاقتصادية العابرة للحدود.

التنمية المستدامة

خلل بنيوي في أسواق المال.. الدول الفقيرة تدفع ثمن فقرها مرتين

يتناول التقرير أحد أهم تشوهات الاقتصاد العالمي، الطريقة التي تتعامل بها الأسواق المالية مع الدول النامية، فأنظمة التصنيف الائتماني ترتكز غالبًا على مستوى الدخل الوطني وليس على فرص النمو والعائد الاستثماري، ما يجعل الدول الفقيرة تتحمل أعلى تكلفة اقتراض عالميًا، رغم امتلاكها لفرص تنموية هائلة.

كما أن السياسات المالية والنقدية للدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، تؤثر بشكل مباشر على تكاليف التمويل في البلدان النامية دون أن يكون لهذه الدول أي تأثير في صنع هذه القرارات. 

بالإضافة إلى ذلك، تزيد العقوبات الاقتصادية من عزل بعض الدول عن أسواق التمويل الدولي، مما يجعلها أكثر هشاشة. 

ومع استخدام صندوق النقد والبنك الدولي لإطار لاستدامة الديون يقيد الاستثمار طويل الأجل في البنية التحتية، يصبح الطريق أمام الدول النامية نحو التنمية أكثر تعقيدًا وصعوبة.

رؤية إصلاح مستقبلية.. مناخ سياسي جديد أم مجرد أمنيات؟

يدعو التقرير إلى إعادة تشكيل النظام المالي العالمي عبر أربع خطوات رئيسية: اعتماد وثيقة نتائج تعبر عن إرادة الأغلبية، والسماح بالتحفظات دون تعطيل المسار الجماعي، وتشجيع المبادرات الطموحة من تحالفات الراغبين.

 إلى جانب تحديد إجراءات عملية بتوقيتات واضحة تشمل زيادة تمويل الأمم المتحدة، وتعزيز قدرات المؤسسات المالية الدولية، وتوفير تمويل كافي لصناديق المناخ، وإعادة هيكلة القواعد المنظمة لتدفقات رؤوس الأموال العالمية. 

هذه الرؤية لا تطالب بإصلاحات شكلية، بل بتغيير قواعد اللعبة بحيث يصبح تمويل التنمية المستدامة جزءًا من بنيان النظام المالي وليس مبادرة تطوعية.

التنمية المستدامة والاقتصاد العالمي

هل يكون مؤتمر إشبيلية نقطة تحول حقيقية؟

يبقى السؤال الحاسم: هل يملك المجتمع الدولي الإرادة السياسية لترجمة هذه الرؤية إلى واقع؟ 

يواجه العالم اليوم تحديات مشتركة لا يمكن لأي دولة التصدي لها منفردة، وإذا لم ينجح مؤتمر إشبيلية في إحداث تغيير ملموس، فإننا سنشهد استمرار موجات الأزمات الاقتصادية والمناخية والاجتماعية، وستبقى الدول الفقيرة تتحمل العبء الأكبر. 

أما إذا نجح المؤتمر في وضع أساس لنظام مالي أكثر عدالة وفعالية، فقد يكون ذلك بداية مرحلة جديدة من التعاون الدولي، تتوازن فيها المصالح مع المسؤوليات، وتمول فيها التنمية بوصفها استثمارًا في مستقبل مشترك، لا مجرد بند متروك للنوايا الحسنة.

اقرأ أيضًا:

2030 بين الطموح والواقع، من يقود التنمية المستدامة عالميًا قبل 5 سنوات من خط النهاية؟

باستثمارات 60 مليار جنيه، التحول الرقمي يقود قاطرة التنمية المستدامة بمصر

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search