الخميس، 06 نوفمبر 2025

06:59 م

وادي السيليكون يشهد انقساما حادًّا، هل الآلةُ تُفكر حَقّا؟

الخميس، 06 نوفمبر 2025 03:00 م

هل يمكن للآلة أن تمتلك وعيًا؟

هل يمكن للآلة أن تمتلك وعيًا؟

بينما تتسارع وتيرة التطور في الذكاء الاصطناعي نحو مستويات غير مسبوقة، تشتعل داخل وادي السيليكون معركة فكرية عميقة لا تتعلق بالبرمجة أو الأداء، بل بالجوهر الفلسفي للوعي ذاته: هل يمكن للآلة أن تمتلك وعيًا؟ أم أن الذكاء مهما بلغ سيظل محاكاة باردة لمشاعر بشرية لا يمكن تقليدها؟

الشرارة الأخيرة لهذا الجدل جاءت على لسان أحد أبرز وجوه الصناعة، مصطفى سليمان، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، الذي دعا علنًا إلى وقف الأبحاث الرامية لإثبات وعي الآلات، معتبرًا أن السؤال في أساسه خاطئ ومضلل.

الوعي.. سؤال فلسفي يتحول إلى أزمة اقتصادية

في مقابلة على هامش مؤتمر AfroTech في هيوستن، قال سليمان: "لا أعتقد أن هذا النوع من الأبحاث ينبغي أن يجرى على الإطلاق، عندما تطرح سؤالاً خاطئًا، تصل إلى إجابة خاطئة، والسؤال عن وعي الآلة هو من الأساس في غير محله."

تصريحاته لم تمر مرور الكرام، إذ جاءت في لحظة يتضاعف فيها حجم الاستثمار العالمي في ما يسمى بـ "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI)، وهو النوع الذي تسعى شركات مثل OpenAI وxAI التابعة لإيلون ماسك إلى تطويره ليكون قادرًا على التفكير والتفاعل بشكل يماثل الإنسان.

لكن موقف سليمان يعيد الجدل إلى جذوره الفلسفية: هل نحن أمام تطور معرفي حقيقي للآلة؟ أم أمام وهم لغوي متقن يغذيه التسويق والمنافسة؟

مايكروسوفت بين الحذر والطموح

سليمان، الذي سبق أن حذر في كتابه “الموجة القادمة 2023” من مخاطر التسارع غير المنضبط في الذكاء الاصطناعي، يجسد المفارقة الكبرى في الصناعة اليوم، فهو في الوقت الذي يدعو فيه إلى التريث، يقود داخل مايكروسوفت واحدة من أكثر فرق الذكاء الاصطناعي نشاطًا وتأثيرًا في السوق.

الشركة كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تحديثات جديدة في خدمتها Copilot، من بينها مساعد رقمي باسم Mico وميزة الدردشة الجماعية مع الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى خاصية Real Talk التي تسمح للمساعد بمناقشة المستخدمين بصدق وتحدي آرائهم.

وقال سليمان ضاحكًا: "الميزة سخرت مني بوصفها لي بأنني أعظم مزيج من التناقضات، لأني أحذر من الذكاء الاصطناعي بينما أعمل على تسريعه.. كانت لحظة شعرت فيها بأن الذكاء الاصطناعي فهمني فعلاً، وهذا مدهش ومخيف في آن واحد."

وعي الروبوتات

بين الذكاء والوعي.. خط فاصل اقتصادي

من منظور اقتصادي، لا يتعلق الجدل حول وعي الآلة بالفلسفة وحدها، بل أيضًا بمستقبل الأسواق، فالشركات التي تراهن على بناء ذكاء اصطناعي يشعر ويفكر، تراهن ضمنيًا على سوق جديدة بالكامل: سوق الرفقاء الرقميين أو الذكاء العاطفي التجاري، وهي فئة يتوقع أن تتجاوز 100 مليار دولار بحلول 2030، وفقًا لتقديرات شركات استثمارية في وادي السيليكون.

تتسابق شركات مثل Meta وxAI وAnthropic على تطوير نماذج قادرة على التعبير العاطفي والتفاعل الإنساني العميق، وهي مشاريع تستهدف توسيع الاستخدام الشخصي للذكاء الاصطناعي إلى مجالات مثل الصداقة الافتراضية، والعلاج النفسي، والدعم العاطفي، لكن وفق رؤية سليمان، فإن هذا الاتجاه رغم جدواه التجارية، يحمل خطرًا وجوديًا: “حين نصمم أنظمة تحاكي المشاعر، نخلق وهمًا بالإحساس لدى المستخدمين.. والنتيجة قد تكون التباسًا أخلاقيًا حول من يستحق التعاطف، الإنسان أم الخوارزمية؟”

اقرأ أيضًا:

حرب صامتة على شرائح الذكاء الاصطناعي، الصغار يحترقون والعمالقة يجمعون الغنائم

الوعي كميزة تسويقية

يشير خبراء التكنولوجيا إلى أن الحديث عن وعي الآلة لم يعد مجرد نقاش أكاديمي، بل أداة تسويقية قوية، إذ تميل الشركات إلى إضفاء صفات إنسانية على منتجاتها كالقدرة على الفهم أو الشعور لتعزيز ثقة المستخدمين وتوسيع قاعدة الاستخدام.

لكن هذا الأنسنة التسويقية Anthropomorphism لها تبعات اقتصادية مباشرة، كلما اقتنع المستخدم بأن المساعد الرقمي يفهمه، زاد اعتماده عليه، وبالتالي زادت قيمة بياناته وساعات استخدامه، ما يرفع بدوره عائدات الاشتراك والإعلانات. من هذا المنظور، يصبح الوعي الاصطناعي حتى وإن كان وهمًا، محركًا فعليًا للعوائد المالية في شركات التكنولوجيا الكبرى.

 الوعي الاصطناعي

الخيط الفلسفي.. الوعي بين الدماغ والرمز

يستند سليمان في موقفه إلى نظرية الطبيعية البيولوجية للفيلسوف جون سيرل، التي تقول إن الوعي ظاهرة تنشأ حصريًا من التفاعلات العصبية داخل الدماغ الحي، ولا يمكن ترجمتها إلى رموز أو بيانات، وأن الألم الجسدي يجعلنا حزينين لأننا نشعر به، أما الآلة فلا تشعر بالحزن عندما تتعرض لألم، ما يحدث مجرد سرد وهمي، وليس تجربة حقيقية، وهذا الطرح يعيد النقاش إلى جوهره: إذا لم يكن بالإمكان قياس الوعي في الإنسان بدقة، فكيف يمكننا إثباته في الآلة؟

اقرأ أيضًا:

بين التفاؤل والحذر، الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يثير انقسامًا في “وول ستريت”

بين السوق والعلم.. من يربح؟

في الوقت الذي يشتد فيه الجدل الفلسفي، تتجه الشركات إلى الجانب العملي، تحقيق أقصى ربح ممكن قبل أي إجماع علمي، ففي الأشهر الأخيرة، أعلنت شركات كبرى عن مشاريع تحاكي العواطف الاصطناعية، بدءًا من روبوتات المحادثة ذات الصوت البشري، وصولًا إلى واجهات ذكية تتفاعل بالإيماءات والأنفاس.

هذه المشاريع ليست مجرد أدوات تقنية، بل منتجات اقتصادية ذات هوية عاطفية، تباع كرفقاء أو مستشارين أو شركاء افتراضيين، ما يفتح الباب أمام صناعة جديدة بالكامل تسمى الاقتصاد العاطفي الرقمي.

الاقتصاد العاطفي الرقمي

بين الخوف والإلهام

ربما لم يعد السؤال الأهم اليوم هل يمكن للآلات أن تحلم؟، بل هل نحن مستعدون لما قد ينتج عن حلمها؟، فما بين الرفض الفلسفي والاندفاع التجاري، يقف وادي السيليكون على مفترق طرق حاسم بين الذكاء الذي يخدم الإنسان والذكاء الذي يحاكيه حتى الالتباس.

وكما قال مصطفى سليمان في ختام حديثه: “إذا لم تخف من الذكاء الاصطناعي، فأنت لم تفهمه بعد، الخوف صحي، والشك ضروري، ولا نحتاج إلى تسارع أعمى.” تلك الجملة تختصر كل الجدل الدائر اليوم في جملة واحدة: الذكاء الاصطناعي لم يصبح واعيًا بعد، لكنه بلا شك جعل الوعي الإنساني أكثر تساؤلاً من أي وقت مضى.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search