سباق الذكاء الاصطناعي، استثمارات عالمية نحو عقلٍ رقمي يتفوق على البشر
الإثنين، 03 نوفمبر 2025 08:00 م
                        عقلٍ رقمي يتفوق على البشر
منذ أن ظهر شات جي بي تي قبل ثلاث سنوات، والعالم يعيش واحدة من أسرع الثورات التكنولوجية في التاريخ الحديث، شركات مثل أوبن إيه آي وجوجل ديب مايند وميتا ومايكروسوفت وعلي بابا لم تعد تتنافس على تحسين التطبيقات أو تطوير روبوتات محادثة فحسب، بل على بناء عقل رقمي شامل قادر على التعلم، والتحليل، واتخاذ القرار، بما يفوق قدرات الإنسان وهو ما يعرف بـ«الذكاء الاصطناعي العام» (AGI).
هذا المصطلح الذي كان حتى وقت قريب مادة للخيال العلمي، أصبح اليوم الهدف المركزي لصناعة تكنولوجيا قيمتها أكثر من 5 تريليونات دولار، مع استثمارات تتجاوز 500 مليار دولار منذ 2022 في البنية التحتية والرقائق والمواهب البحثية، لكن وراء هذه الطموحات، تختبئ أسئلة اقتصادية وأمنية عميقة، من سيملك أول ذكاء يتفوق على البشر؟ وكيف سيعاد توزيع القوة والثروة في العالم بعد ذلك؟
ثورة اقتصادية تحت السطح.. سباق التريليونات على «العقل الأعظم
تدرك الولايات المتحدة والصين أن الذكاء الاصطناعي العام ليس مجرد إنجاز علمي، بل ثورة اقتصادية شاملة يمكن أن تعيد صياغة النظام العالمي كما فعل النفط في القرن العشرين، وتشير تقديرات بنك جولدمان ساكس إلى أن تحقيق الذكاء الاصطناعي العام يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 7% خلال عقد واحد، ويضيف ما يقرب من 7 تريليونات دولار إلى الاقتصاد العالمي.
في المقابل، ترى مؤسسة «راند» للأبحاث أن من يمتلك أول نظام ذكاء عام قادر على التعلم الذاتي، سيحصل على ميزة استراتيجية في مجالات الدفاع، والصناعة، والتمويل، قد تشبه في أهميتها امتلاك القنبلة النووية في منتصف القرن الماضي، ولهذا، باتت واشنطن وبكين تخوضان سباقًا تكنولوجيًا يشبه سباق الفضاء في الستينيات، ولكن هذه المرة نحو من يمتلك العقل الصناعي الخارق، ففي حين استثمرت الشركات الأمريكية ما يزيد عن 300 مليار دولار في تطوير مراكز البيانات والرقائق المتقدمة، خصصت الصين حوالي 200 مليار دولار ضمن خططها للذكاء الاصطناعي الوطني حتى عام 2030.

الضجيج العلمي والواقع الاقتصادي.. ما بين الوعد والفقاعة
رغم الزخم الإعلامي الهائل، ما يزال تعريف الذكاء الاصطناعي العام غامضًا، بل ومحل خلاف بين كبار العلماء والمستثمرين، تعرفه أوبن إيه آي على أنه نظام يتفوق على البشر في معظم المهام الاقتصادية، بينما تعتبره جوجل ديب مايند قدرة على التعلم من القليل من البيانات، في حين تصفه مؤسسات بحثية أخرى بأنه نظام يستطيع اكتساب مهارات جديدة دون تدريب مباشر، لكن مهما اختلفت التعريفات، يبقى الهدف واحدًا، خلق ذكاء يمكنه أن يفكر ويبتكر بشكل مستقل.
غير أن بعض الاقتصاديين يحذرون من أن الضجيج المحيط بالذكاء الاصطناعي العام قد يشبه فقاعة الإنترنت عام 2000، حيث يتم توجيه مليارات الدولارات إلى مشاريع بلا وضوح علمي أو عائد فعلي، في حين أن كثيرًا من الشركات تستخدم مصطلح AGI كأداة تسويقية لجذب المستثمرين.
ورغم إطلاق GPT-5 وClaude 3 وLLaMA 3، فإن التقدم لا يزال تدريجيًا، إذ ما زالت النماذج تخطئ في المهام المنطقية البسيطة وتختلق معلومات بثقة، ما يجعل بعض الباحثين، مثل يان ليكون من ميتا، يؤكد أن الطريق ما زال طويلاً قبل الوصول إلى ذكاء اصطناعي يفكر فعلاً كإنسان.

سباق النفوذ بين واشنطن وبكين.. من السلاح النووي إلى السلاح الذكي
الذكاء الاصطناعي العام لم يعد شأنًا تقنيًا فحسب، بل ورقة قوة جيوسياسية، والولايات المتحدة تعتبره مكونًا استراتيجيًا للأمن القومي، ففرضت قيودًا صارمة على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين، وأصدرت أوامر تنفيذية لمراقبة أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية القدرة، في المقابل، تعتبر الصين الذكاء الاصطناعي العام حجر الزاوية في خطة «صنع في الصين 2030»، وتدعم شركات مثل «علي بابا» و«بايدو» و«ديب سيك» لتطوير أنظمة منافسة للغرب.
تقرير «راند» أشار إلى ثمانية سيناريوهات محتملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي العام، تتراوح بين هيمنة أمريكية شاملة أو تفوق صيني استبدادي أو سباق تكنولوجي غير منضبط يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية عالمية. أي من هذه السيناريوهات يحمل تداعيات اقتصادية ضخمة، من إعادة رسم سلاسل التوريد إلى تغيير خريطة الوظائف وتحويل مراكز القوة الصناعية نحو من يمتلك البيانات والخوارزميات الأقوى.

تأثير اقتصادي مزدوج.. بين طفرة الإنتاجية وخطر البطالة الذكية
يمثل الذكاء الاصطناعي العام سيفًا ذا حدين، فهو يعد بزيادة الإنتاجية عبر الأتمتة الكاملة للعمليات المعقدة، وخفض التكاليف التشغيلية بنسب تتجاوز 40% في بعض القطاعات، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى إلغاء ملايين الوظائف في مجالات المحاسبة، والبرمجة، والتسويق، والخدمات المالية.
إن الذكاء الاصطناعي العام يمكن أن يستبدل ما بين 300 إلى 800 مليون وظيفة حول العالم بحلول 2040، بينما ستنشأ وظائف جديدة في مجالات التصميم، والبحث، والإشراف على الأنظمة الذكية، أي أن التحول الاقتصادي المقبل لن يكون في «من يعمل»، بل في «كيف يعمل» وهو ما يجعل التعليم وإعادة التأهيل المهني محورًا رئيسيًا في السياسة الاقتصادية للدول المتقدمة.
اقرأ أيضًا:
إنفيديا تعلن صفقة لتزويد كوريا الجنوبية بـ260 ألف شريحة ذكاء اصطناعي
عقول الأرض تبني مفاعلاً على القمر، حرب نووية مرتقبة تهدد مستقبل الفضاء والبشرية
ما وراء التقنية.. اقتصاد الذكاء الاصطناعي كمصدر جديد للثروة
وراء كل هذه التطورات، تتكون بالفعل طبقة اقتصادية جديدة اقتصاد الذكاء الاصطناعي العام، وشركات البنية التحتية مثل إنفيديا وAMD وTSMC أصبحت تحقق أرباحًا خيالية من بيع وحدات معالجة الرسومات، حيث تجاوزت أرباح إنفيديا مثلاً 60 مليار دولار في 2024، مدفوعة بالطلب غير المسبوق على مراكز البيانات.
وفي الوقت نفسه، تشهد الأسواق المالية موجة استثمارات غير مسبوقة في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، حيث جمعت الشركات الأمريكية وحدها أكثر من 90 مليار دولار في النصف الأول من 2025، لكن هذا الازدهار لا يخلو من المخاطر، فالتقييمات المبالغ فيها، وتضخم التوقعات حول قدرات النماذج، قد تنتج فقاعة مالية جديدة تشبه فقاعة دوت كوم مع فارق واحد جوهري، هذه المرة، لا تباع الأفكار فقط، بل تباع العقول الاصطناعية نفسها.

من يكتب مستقبل الذكاء؟ الإنسان أم الخوارزمية؟
الذكاء الاصطناعي العام اليوم يشبه الكهرباء في القرن التاسع عشر أو الإنترنت في التسعينيات، قوة ثورية قيد التشكل، لا يعرف أحد بعد حدودها أو عواقبها، وقد يكون النظام الأول الذي يتقن التفكير المجرد خطوة نحو نهضة بشرية جديدة، أو بداية مرحلة من اللايقين الاقتصادي العالمي، لكن المؤكد أن من يمتلك مفاتيح هذا الذكاء، سيمتلك مفاتيح الاقتصاد العالمي القادم، وبينما تتنافس الشركات على بناء العقل الأعظم، يبدو أن البشرية بأسرها قد دخلت سباقًا من نوع جديد، سباق لا يقاس فيه التفوق بالثروة أو القوة العسكرية، بل بسرعة الخوارزمية، وذكاء الرمز، وقدرة الإنسان على البقاء جزءًا من معادلة خلقها بيده.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
كرة القدم المغربية، من الشغف الشعبي إلى رافعة اقتصادية قوية
03 نوفمبر 2025 06:00 م
الـ AI يهدد الأمان الوظيفي، تغيرات هيكلية في سوق العمل الأمريكي
03 نوفمبر 2025 01:10 م
77 دولارًا لطن الزنك في عمان، والسعودية تنافس بزيادة 115.2% في صادراتها
03 نوفمبر 2025 11:00 ص
أكثر الكلمات انتشاراً