الخميس، 06 نوفمبر 2025

10:01 ص

دكتور تامر مؤمن يكتب: تقرير للمركزي 2025 يكشف قيادة القطاع المصرفي لاقتصادٍ أكثر صلابة أمام التحديات العالمية

الأربعاء، 05 نوفمبر 2025 11:54 ص

دكتور تامر مؤمن

دكتور تامر مؤمن

دكتور/تامر مؤمن

لطالما كان تقرير الاستقرار المالي، الذي يصدره البنك المركزي المصري، وثيقة محورية لا غنى عنها للباحثين وصناع القرار والمستثمرين، حيث إنه ليس مجرد سرد للأرقام والمؤشرات، بل هو خريطة طريق إستراتيجية، تقيس مدى مرونة النظام المالي، وقدرته على استيعاب الصدمات الداخلية والخارجية، وهي قدرة تتصل مباشرة بأهداف التنمية المستدامة، ورؤية مصر 2030 الطموحة.

ويُعد تقرير الاستقرار المالي، الصادر عن البنك المركزي المصري، من أهم الوثائق الدورية التي ترصد سلامة النظام المالي في البلاد، وتُبرز مدى قدرته على امتصاص الصدمات، ومواصلة دوره الحيوي في تمويل الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.

ويأتي هذا التقرير، في توقيت دقيق يشهد فيه الاقتصاد العالمي، استمرار حالة عدم اليقين نتيجة التوترات الجيوسياسية، وتشديد السياسات النقدية العالمية، وتقلبات أسعار السلع والطاقة، ورغم ذلك، يُظهر التقرير بوضوح أن الاقتصاد المصري، استطاع الحفاظ على استقراره النسبي ومتانة نظامه المالي، بفضل سياسات إصلاحية متوازنة وإدارة نقدية ومصرفية رشيدة.

وفى رأي، أن البنك المركزي يستخدم التقرير نفسه كأداة للتواصل، لضمان وعي الجمهور والشركات بالمخاطر القائمة، وتوجيه سلوكهم المالي نحو الاستدامة، إضافة إلى دوره في إدارة سياسة سعر الصرف، وتنفيذ السياسة النقدية، يضمن تهيئة البيئة الكلية المناسبة للنمو، فالنسخة الأخيرة من التقرير (مارس 2025) ، تقدم تحليلًا معمقًا، يؤكد أن النظام المالي المصري، بقطاعيه المصرفي وغير المصرفي، لا يزال يتمتع بمتانة هيكلية وملاءة رأسمالية قوية، وهو ما يُعد أساسًا راسخًا، لنجاح أي عملية إصلاح اقتصادي.

 

قراءة إستراتيجية في "تقرير الاستقرار المالي – مارس 2025"

وبالقراءة الإستراتيجية للتقرير الأخير، يمكنني تلخيص أبرز النتائج الكمية والنوعية، الواردة به على محورين أساسيين، هما أداء الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات العالمية، وصلابة القطاع المصرفي المصري ودوره في تحقيق الاستقرار المالي. 

 

المحور الأول: الأداء الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات العالمية

ويشير التقرير، إلى أن الاقتصاد المصري واصل تحقيق نمو إيجابي بمعدل 4.2% خلال الفترة من يوليو إلى مارس 2025/2024، مدفوعًا بتحسن القطاعات الإنتاجية والصناعية، وارتفاع الصادرات غير البترولية، والإيرادات السياحية، وتحويلات العاملين بالخارج.

كما ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية، إلى 47.8 مليار دولار، وهو ما يغطي أكثر من ستة أشهر من الواردات السلعية، بما يعكس استقرار ميزان المدفوعات، وقدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.

وساعدت الإصلاحات المالية والنقدية، وفي مقدمتها سياسات ضبط الموازنة العامة ورفع كفاءة الإنفاق وتعظيم الإيرادات، في خفض مستويات العجز، وتحسين مؤشرات الدين العام، بما يعزز مناخ الثقة في الاقتصاد الوطني، ويُهيئ بيئة داعمة للنمو المستدام.

ورغم التحديات الإقليمية والعالمية، يؤكد التقرير أن مؤشرات الاقتصاد الكلي المصري تتجه نحو الاستدامة، حيث تم احتواء التضخم تدريجيًا، واستقرار سعر الصرف، إلى جانب تزايد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ما يعكس ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين في الاقتصاد المصري.

ويبرز التقرير، أن هذه النتائج ليست مجرد تحسن ظرفي، بل ثمرة لرؤية إصلاحية شاملة، تنفذها الدولة ضمن إستراتيجية "رؤية مصر 2030"، التي تستهدف بناء اقتصاد تنافسي متنوع قائم على المعرفة، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

 

المحور الثاني: صلابة القطاع المصرفي ودوره في الاستقرار المالي

ويُعد البنك المركزي المصري والقطاع المصرفي، هما القاطرة الحقيقية للاقتصاد في مرحلة الإصلاح، متجاوزين الدور التقليدي للوساطة المالية، فهما الركيزة الأساسية في تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي ودفع التنمية المستدامة.

فمن خلال إدارة متوازنة للسياسات النقدية والاحترازية، استطاع البنك المركزي، الحفاظ على استقرار السوق النقدي والائتماني، ودعم قدرة البنوك على تمويل مشروعات القطاعين العام والخاص، دون المساس بالاستقرار المالي، كما أسهمت المبادرات التمويلية، في دعم القطاعات الإنتاجية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الشمول المالي، بما يتوافق مع أهداف العدالة الاقتصادية والاجتماعية.

فالبنك المركزي المصري كقائد "The Architect"، يمارس دورًا استباقيًا من خلال "السياسة الاحترازية الكلية" (Macro-Prudential Policy)، وهذا الإطار يمكّن البنك المركزي، من رصد المخاطر النظامية ومعالجتها قبل تفاقمها، ليس فقط على مستوى البنك الواحد، بل على مستوى النظام بأكمله. 

ويوضح تقرير الاستقرار المالي الأخير، بجلاء أن البنك المركزي يستخدم التقرير نفسه كأداة للتواصل، لضمان وعي الجمهور والشركات بالمخاطر القائمة، وتوجيه سلوكهم المالي نحو الاستدامة، إضافة إلى دوره في إدارة سياسة سعر الصرف، ويضمن تنفيذ السياسة النقدية، تهيئة البيئة الكلية المناسبة للنمو. 

كما يظهر أن القطاع المصرفي المصري هو "شريك تنموي" The Enabler"، حيث تحولت البنوك المصرية من مجرد مصدر للتمويل، إلى شريك تنموي إستراتيجي فعلي عبر:-

  1. "الاستجابة لمتطلبات التحول الرقمي" ، حيث تلعب البنوك دورًا أساسيًا في تمكين الشمول المالي عبر الاستثمار في التكنولوجيا المالية (FinTech) والبنية التحتية الرقمية، وهو ما يخدم هدف التحول الرقمي في رؤية 2030.
  2. "تمويل المشروعات القومية والصغيرة والمتوسطة"، واستمرارية ضخ التمويلات للمشروعات القومية، إضافة إلى البرامج التمويلية الموجهة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد عماد النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

 

ويُبرز التقرير ثلاثة محاور رئيسية تعكس متانة النظام المالي والمصرفي المصري 

أولًا: "القطاع المصرفي المصري الدعامة الأساسية للاستقرار المالي والاقتصادي: الملاءة الرأسمالية والسيولة "

إن البنوك المصرية، لا تزال تحافظ على نسب كفاية رأسمال تتجاوز بكثير الحدود الرقابية المقررة، وهذا الفائض الرأسمالي، يمثل "درعًا" واقيًا ضد الخسائر غير المتوقعة، ويؤكد قدرة البنوك على الاستمرار في تمويل الاقتصاد الحقيقي.

كما أن مؤشرات السيولة، سواءً بالعملة المحلية أو الأجنبية، تظل ضمن مستويات مريحة، ما يدحض أي مخاوف تتعلق بالقدرة على الوفاء بالالتزامات، فيما يشير استقرار وانخفاض نسبة القروض غير المنتظمة، إلى إجمالي القروض، وتغطيتها بمخصصات كافية، إلى فعالية السياسات الائتمانية وإجراءات الحوكمة الرشيدة المتبعة داخل البنوك.

وهذا الاستقرار في جودة الأصول، يحرر الموارد المصرفية للتوجه نحو تمويل المشروعات التنموية، بدلًا من الاحتفاظ بها لمواجهة التعثرات، ولقد أظهر التقرير بوضوح، أن القطاع المصرفي المصري، يمثل الدعامة الأساسية للاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.

فقد ارتفعت أصول البنوك، إلى نحو 22.7 تريليون جنيه في مارس 2025، بزيادة قدرها 45.8% عن العام السابق، فيما سجلت محفظة القروض 9.1 تريليون جنيه، مع تحسن جودة الأصول، وتراجع القروض غير المنتظمة إلى 2.2%.

كما بلغت الودائع 14.3 تريليون جنيه، 59% منها تخص القطاع العائلي، بما يعكس الثقة الواسعة في الجهاز المصرفي، كمصدر آمن للمدخرات وفاعل رئيسي في تمويل النمو، كما يشير التقرير إلى أن نسبة كفاية رأس المال، بلغت 18.3% متجاوزة الحد الرقابي المحلي والدولي، وهو ما يعكس قدرة البنوك على امتصاص الصدمات، وتحمل المخاطر.

كما شهدت مؤشرات الربحية تحسنًا لافتًا، حيث ارتفع العائد على حقوق المساهمين إلى 39% والعائد على الأصول إلى 2.6%، وأثبتت اختبارات الضغط التي أجراها البنك المركزي على أكبر عشرة بنوك – والتي تمثل 80% من أصول القطاع – أن الجهاز المصرفي، يتمتع بمرونة مالية عالية وقدرة على الصمود، حتى في ظل السيناريوهات الاقتصادية الأكثر تشددًا.

وهذه النتائج تُترجم الدور المحوري الذي يقوم به البنك المركزي المصري في إدارة السياسة النقدية والإشراف المصرفي الاحترازي، حيث يتبنى سياسات متوازنة، تجمع بين دعم النمو الاقتصادي، والسيطرة على التضخم وحماية الاستقرار المالي.

كما يواصل المركزي، تطوير الأطر التنظيمية للسياسة الاحترازية الكلية، وإنشاء قطاع لمراقبة المخاطر النظامية، وتفعيل لجنة الاستقرار المالي، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، ويعزز قدرة النظام المالي على مواجهة الصدمات المستقبلية.

 

ثانيًا: "القطاع المالي غير المصرفي وسوق المال: تنويع أدوات التمويل"

 لا شك أن هناك تطور ملحوظ في القطاع المالي غير المصرفي (التأمين، سوق المال، التمويل متناهي الصغر)، مع التأكيد على أهمية التنسيق الرقابي الفعَّال بين البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية، لضمان أن نمو هذا القطاع، لا يولد مخاطر نظامية جديدة على استقرار النظام الكلي.

فقد أظهر التقرير، أن القطاع المالي غير المصرفي شهد توسعًا واضحًا، إذ ارتفعت أصوله بنسبة 22.7%، لتصل إلى 1.43 تريليون جنيه، ما يعكس اتساع دور مؤسسات التمويل والتأمين وصناديق الاستثمار في دعم الاقتصاد. 

وحقق سوق المال أداءً قياسيًا خلال عام 2024 واستمر في التحسن حتى الربع الأول من 2025، حيث ارتفع رأس المال السوقي إلى 2.2 تريليون جنيه، وحقق مؤشر EGX30 نموًا بنسبة 19.5%، وهو ما يعكس تعافي ثقة المستثمرين المحليين واستقرار بيئة الاستثمار المالي في مصر، رغم الظروف العالمية الصعبة.

 

ثالثًا: "الشمول المالي والتحول الرقمي: ركيزة التنمية المستقبلية"

ويُبرز التقرير، التقدم الكبير الذي أحرزته مصر في مجال الشمول المالي والتحول الرقمي، كجزء من أهداف التنمية المستدامة ورؤية 2030. فقد ارتفعت نسبة الشمول المالي إلى 74.8% من البالغين بنهاية 2024، مع ارتفاع ملحوظ في معدلات شمول المرأة والشباب.

كما شهدت منظومة المدفوعات الرقمية، توسعًا كبيرًا بفضل إطلاق شبكة المدفوعات اللحظية (IPN)، وتزايد استخدام المحافظ الإلكترونية، لتصل إلى 53.1 مليون محفظة، وهو ما يعكس التحول النوعي في البنية التحتية المالية، ودعم الاتجاه نحو الاقتصاد غير النقدي.

وهنا أستطيع التأكيد، بأن تقرير الاستقرار المالي هو بمثابة إعلان مستمر عن جاهزية النظام المالي المصري، ويعكس مرحلة نضج في إدارة الاقتصاد المصري، حيث أصبحت السياسات الاقتصادية، أكثر توازنًا واستباقية، مدعومة بقطاع مصرفي قوي وبنية مالية مرنة.

وأكدت نتائج التقرير، أن الاستقرار المالي ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فالمؤشرات الإيجابية التي تضمنتها النسخة الأخيرة، ليست مدعاة للراحة، بل هي نقطة انطلاق للمزيد من العمل الإستراتيجي والرقابة وأن استمرارية هذا المسار، تتطلب مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وتعميق أسواق المال، وتوسيع نطاق الشمول المالي والرقمي.

ويضمن ذلك بقاء الاقتصاد المصري، قادرًا على التكيف والنمو في بيئة عالمية متغيرة، ورسالة قوية أن استدامة الإصلاح الاقتصادي وتحقيق "رؤية مصر 2030"، يتطلب نظامًا ماليًا لا يكون البنك المركزي فيه مجرد مراقب، بل شريكًا إستراتيجيًا فاعلًا وقادرًا على قيادة قاطرة التمويل، نحو آفاق التنمية المنشودة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search