الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025

08:22 م

دكتور تامر مؤمن يكتب: مصر ومجموعة العشرين من ضيف إلى شريك فاعل

الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025 01:10 م

 دكتور تامر مؤمن

دكتور تامر مؤمن

تامر مؤمن

تستضيف القاهرة هذا الأسبوع حدثًا تاريخيًا غير مسبوق: اجتماعًا رسميًا لمجموعة العشرين (G20) خارج نطاق دولها الأعضاء للمرة الأولى في تاريخها. هذا الحدث ليس مجرد استضافة بروتوكولية، بل هو اعتراف عالمي بوزن مصر المتنامي ودورها المحوري كشريك فاعل في حل الأزمات العالمية، لا سيما في قضايا الأمن الغذائي، التنمية، والتمويلو خصوصا أن الاجتماع سيركز على أزمة الأمن الغذائي العالمي وتداعياتها، وسينعقد بالتنسيق مع الرئاسة الجنوب إفريقية للمجموعة.

يعكس هذا القرار أيضاً رغبة واضحة من قبل الرئاسة الجنوب أفريقية في أن تكون رئاستها للمجموعة "أفريقية" بامتياز"، مع التركيز على مصالح القارة وقضاياها المحورية. هذا الإنجاز الدبلوماسي لم يأت من فراغ، بل هو نتاج مشاورات مستمرة بين مصر وجنوب أفريقيا، مما يبرز فعالية الدبلوماسية الاقتصادية المصرية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

تأسست مجموعة العشرين (G20) في عام 1999، في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية، كمنتدى لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من الاقتصادات الكبرى والناشئة. جاء هذا التأسيس إدراكاً من المجتمع الدولي للحاجة الملحة إلى إشراك قوى اقتصادية صاعدة في صياغة الحلول للتحديات المالية العالمية، بدلاً من حصرها في إطار مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (G7). تضم مجموعة العشرين (G20) 19 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي (كممثلين إقليميين). 

تمثل اقتصادات هذه الدول مجتمعة حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75%من التجارة العالمية، وحوالي ثلثى سكان العالم ، لا تمتلك مجموعة العشرين أمانة دائمة، بل تنتقل الرئاسة سنوياً بين أعضائها. تركز على تنسيق السياسات المالية والاقتصادية العالمية، ومعالجة القضايا التي تتجاوز مسؤوليات أي بلد بمفرده، بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، تم رفع مستوى المنتدى إلى قمة قادة الدول لتعزيز التنسيق على أعلى مستوى سياسي.

لماذا تم اختيار مصر؟ على الرغم من أن مصر ليست عضواً كامل العضوية في مجموعة العشرين (G20) ، إلا أنها دُعيت للمشاركة كـ"دولة ضيف" في عدة قمم سابقة (مثل قمم الصين 2016، واليابان 2019، والهند 2023، والبرازيل 2024). وهذا يعكس التقدير الدولي المتزايد للدور الإقليمي والدولي لمصر حيث وفرت المشاركة المصرية العديد من المكاسب السياسية والدبلوماسية حيث عملت كمنصة لطرح قضايا إقليمية مهمة مثل أزمة سد النهضة، والأزمات الإقليمية، وقضية اللاجئين، وكذلك الدفاع عن أولويات الدول النامية والإفريقية.

لا يمكن فصل هذا الاختيار عن جهود مصر الدؤوبة في سياستها الخارجية والاقتصادية. فمنذ سنوات، سعت مصر لتعزيز علاقاتها مع القوى الاقتصادية الكبرى، وقدمت نموذجًا في الإصلاح الاقتصادي الذي أشاد به صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية. اختيار مصر يرسل رسالة واضحة مفادها أن الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي يجنيان الثمار، وأن مصر باتت مؤهلة لتكون "بوابة" للقارة الأفريقية ومركزًا للتجارة والاستثمار.

مكاسب اقتصادية ودلالات استراتيجية مشاركة مصر في G20 لم تكن رمزية يومًا. لقد كانت فرصة للتواصل المباشر مع قادة العالم لطرح قضايا هامة. فمصر دائمًا ما كانت صوتًا للدول النامية، مطالبة بتخفيف أعباء الديون، وتوفير التمويل اللازم لمواجهة آثار التغيرات المناخية. أما المكاسب الاقتصادية فهي ملموسة. فبفضل علاقاتها مع G20، جذبت مصر استثمارات أجنبية مباشرة تقدر ب 12 مليار دولار، وارتفع حجم التبادل التجاري إلى 61 مليار دولار، معظمها من دول المجموعة في مؤشر واضح على "ثقة المستثمر العالمي"،. هذا الحدث يعزز هذه الثقة ويزيد من جاذبية المشروعات القومية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ورأس الحكمة.

و لتحقيق الاستفادة القصوى  يجب أن ننظر إلى هذه الاستضافة على أنها فرصة لا تتكرر كثيرًا، وخصوصا فى ظل المؤشرات الايجابية للاقتصاد الكلي وبشهادة المؤسسات الدولية على النحو التالي:

  • برنامج شراكة استثمارية: إنشاء منصة رقمية تربط بين شركات القطاع الخاص المصري وشركات دول G20. يتم عرض المشروعات الاستثمارية المتاحة، والفرص في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والبنية التحتية.
  • مركز إقليمي لحلول الأمن الغذائي: بما أن المؤتمر يركز على الأمن الغذائي (Third Task Force 2 Meeting: Food Security)، يمكن لمصر إطلاق مبادرة لإنشاء مركز بحثي إقليمي بالشراكة مع دول G20لمواجهة تحديات نقص الغذاء في المنطقة وتطوير تقنيات زراعية حديثة.
  • صياغة "إعلان القاهرة" على مصر أن تقود صياغة إعلان وزاري يصدر عن المؤتمر، يركز على التحديات الخاصة بالدول النامية في مجالات الأمن الغذائي والديون، ليصبح وثيقة مرجعية يتم البناء عليها في مؤتمرات G20 المستقبلية حيث يُتوقع أن يتم خلال الاجتماع التفاوض على بيان وزاري بشأن الأمن الغذائي العالمي، والذي سيتم اعتماده لاحقاً في اجتماع وزاري في جنوب أفريقيا يوم 19 سبتمبر 2025. ومن ثم، سيصبح هذا البيان أحد الوثائق الرسمية التي ستصدر عن قمة قادة المجموعة في جوهانسبرغ يومي 22-23 سبتمبر 2025. هذا التسلسل يوضح أن الاجتماع في القاهرة ليس مجرد حدث منعزل، بل هو خطوة محورية ضمن عملية مستمرة ومتكاملة، ونجاح مصر في تسهيل الحوار وصياغة بيان مؤثر سيعزز من دورها في سلسلة قرارات G20
  •    استغلال كل فرصة في G20 لترويج المشاريع التنموية الكبرى والتركيز على جذب استثمارات نوعية في القطاعات الحيوية مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والزراعة.   
  •   الاستمرار في التنسيق مع دول الجنوب، بما في ذلك أعضاء تجمع "بريكس" والاتحاد الأفريقي، لتوحيد المواقف والمطالب المتعلقة بقضايا الديون والتمويل والتنمية.
  •   تقديم مقترحات محددة وقابلة للتنفيذ حول القضايا الرئيسية، لتعزيز دور مصر كقوة اقتراح وحل وليس مجرد مراقب، مما يرسخ مكانتها كشريك فعال في صياغة السياسات العالمية.
  • تفعيل الدبلوماسية الشعبية: استغلال المؤتمر للترويج للسياحة والثقافة المصرية. يمكن تنظيم زيارات للمواقع الأثرية، وعرض المنتجات اليدوية المصرية أمام الوفود المشاركة.

ظهر مشاركة مصر في مجموعة العشرين على مدار السنوات الماضية أنها منصة استراتيجية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية. لقد تطور دور مصر من مجرد ضيف إلى شريك محوري، قادر على التأثير في الأجندة العالمية.إن استضافة هذا الحدث ليست نهاية المطاف، بل هي بداية فصل جديد في علاقة مصر مع العالم، فصل يضع مصر في مكانة الشريك الفاعل الذي لا يكتفي بالمتابعة، بل يشارك في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي العالمي.

Short Url

search