دكتور تامر مؤمن يكتب.. نهضة صناعة الأدوية في مصر بين الإصلاح الاقتصادي ورؤية 2030

السبت، 16 أغسطس 2025 02:52 م

دكتور تامر مؤمن

لطالما آمنتُ بأنَّ "الاستراتيجيات الفعّالة لا تُبنى على انتظار زوال التحديات الخارجية، بل على صياغة وتنفيذ استراتيجية داخلية قوية تركز على تحويل الأزمات إلى فرص ومحركات للإصلاح الاقتصادي والتنمية المستدامة، مع تعزيز الاعتماد على الذات والانفتاح على العالم".

كما أؤمن بأنَّ: “توطين الصناعات المحلية لا يتحقق إلا بوجود "أنياب اقتصادية" قائمة على المعرفة ووجود القدرة التصديرية ودخول الأسواق الأجنبية بمنتجات تتمتع بالجودة" ففي نظري، هذا هو الطريق الأمثل للتنمية المستدامة التي يكون فيها الإنتاج هو الركيزة الأساسية، "فلا توجد تنمية مستدامة بدون إنتاج حقيقي بجودة عالية وقدرة تصديرية فعّالة".

في ظل المتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية المتسارعة التي يشهدها العالم، برز قطاع صناعة الأدوية في مصر كأحد أعمدة الاقتصاد الوطني ومحورًا استراتيجيًا في تحقيق الأمن الصحي والدوائي هذا القطاع الحيوي لم يعد مجرد نشاط صناعي، بل أصبح أداة مباشرة لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، وتعزيز القدرة التنافسية للدولة، والمساهمة الفاعلة في رؤية مصر 2030 التي تستهدف اقتصادًا متنوعًا قائمًا على المعرفة والصناعة عالية القيمة.

يأتي تقرير وكالة " - Fitch فيتش العالمية " الأخير الصادر هذا الأسبوع عن قطاع صناعة الأدوية في مصر (أغسطس 2025) ليشيد بالتطورات التنظيمية والاقتصادية في قطاع صناعة الأدوية المصرية، ويبرز خطوات الإصلاح التي جعلت مصر أكثر جذبًا للاستثمار والتصنيع، مع تسريع وصول الأدوية المبتكرة إلى السوق. ويبرز التقرير تحليل وتقييم لأهم الاستراتيجيات والخطط التي تبنتها ونفذتها الدولة المصرية في قطاع صناعة الأدوية المصرية خلال الأعوام القليلة الماضية حيث قادت وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة سلسلة من الإصلاحات الجوهرية في المنظومة التشريعية والتنظيمية لصناعة الدواء.

تحليل تقرير وكالة " - Fitch فيتش العالمية “ومحاور الإصلاح

إن مسار تطور صناعة الأدوية في مصر يجسد نموذجًا للتكامل بين الإصلاحات الاقتصادية والسياسات الصناعية، حيث تلتقي الجهود الحكومية مع ديناميكية القطاع الخاص لتحقيق إنجازات ملموسة، تعكس قدرة الدولة على تجاوز التحديات وتحويلها إلى فرص، في إطار رؤية وطنية طموحة تمتد حتى عام 2030.
وفى رأينا أنه يمكن تحليل تقرير وكالة فيتش الصادر في أغسطس2025 والذي أبرز هذه الإصلاحات على عدة محاور يمكن ربطها بالاستراتيجيات والتوجهات المصرية: -

المحور الأول: الإصلاحات التنظيمية والهيكلية

خلال الأعوام القليلة الماضية، قادت وزارة الصحة والسكان بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة سلسلة من الإصلاحات الجوهرية في المنظومة التشريعية والتنظيمية لصناعة الدواء. ومن أبرز هذه الإصلاحات، ما أشار إليه تقرير وكالة " - Fitch فيتش العالمية " الصادر في أغسطس 2025، وهو اختصار مدد تسجيل المستحضرات الدوائية من متوسط 3–5 سنوات (حوالي 48 شهرًا) إلى نطاق يتراوح بين شهرين و6 أشهر فقط، ما أتاح نافذة أسرع لدخول الابتكارات الدوائية والمنتجات البيولوجية المماثلة (Biosimilars) إلى السوق المحلي.

كما عززت الحكومة الإطار القانوني للتجارب الإكلينيكية من خلال القانون رقم 214 لسنة 2020 ولائحته التنفيذية رقم 927 لسنة 2022، بما يواكب المعايير الدولية لحماية المبحوثين وضمان النزاهة العلمية.

المحور الثاني: تعميق التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا

في سياق استراتيجية توطين الصناعة، ضخت الحكومة استثمارات مشتركة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب لتعزيز التصنيع المحلي، خاصة في مجالات الخامات الدوائية والمستحضرات البيولوجية واللقاحات. وفي عام 2024، تم توقيع 3 اتفاقيات تمويل مع الاتحاد الأوروبي بقيمة إجمالية 36 مليون يورو لدعم تصنيع اللقاحات وتطوير البحث العلمي، في خطوة تستهدف تقليل الاعتماد على الواردات ورفع نسبة المكوّن المحلي.

المحور الثالث: الأثر على الاقتصاد الكلي والإصلاح الاقتصادي

يمثل قطاع الأدوية مساهمة مباشرة في دعم ميزان المدفوعات عبر زيادة الصادرات وتقليل الواردات من المستحضرات النهائية والخامات. وتشير بيانات وكالة "فيتش - Fitch " إلى توقع نمو صادرات الأدوية المصرية بنسبة 39% لتصل إلى نحو 466.5 مليون دولار بحلول 2029، مدفوعة بزيادة الطاقة الإنتاجية وتحسن القدرة التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.

هذه الطفرة تأتي متناغمة مع أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يركز على تعميق التصنيع المحلي، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

المحور الرابع: التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030

يمثل تطوير صناعة الأدوية ترجمة عملية لأهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف الثالث (الصحة الجيدة والرفاه)، والهدف التاسع (الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية)، وتنسجم المبادرات الحكومية مثل مشروع تصنيع البلازما، وبرامج مكافحة الأمراض غير السارية والمعدية، مع مؤشرات رؤية مصر 2030 الهادفة إلى بناء منظومة صحية مستدامة وتحقيق الأمن الدوائي بنسبة اكتفاء ذاتي مرتفعة.

ورغم الإنجازات، يظل القطاع أمام تحديات موضوعية، مثل التقلبات الجيوسياسية التي تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار الخامات. بالإضافة إلى ضغوط التضخم وأسعار الصرف التي تؤثر على تكلفة الإنتاج واستمرار الحاجة إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير لمواكبة الابتكار العالمي. لكن قدرة الدولة على إدارة هذه التحديات ضمن منظومة الإصلاح الشامل تشير إلى استدامة التقدم، خاصة مع السياسات التحوطية وزيادة الاعتماد على المكوّن المحلي.

يؤكد تطور صناعة الأدوية في مصر كواحد من الركائز الاستراتيجية أن الإصلاح الاقتصادي ليس مجرد أرقام ومؤشرات مالية، بل منظومة متكاملة تتداخل فيها السياسات الصناعية والصحية والبحثية وأن ما تحقق حتى الآن من إصلاحات وتشريعات واستثمارات، كما أبرزته وكالة "فيتش - Fitch "، يضع مصر على مسار واضح نحو تحقيق الأمن الدوائي، وتعزيز القيمة المضافة في الاقتصاد، ودعم رؤية 2030، بالرغم من التحديات العالمية المعقدة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.