دكتور تامر مؤمن يكتب: مصر.. استراتيجية الصمود الاقتصادي في مواجهة التحديات الجيوسياسية
الأحد، 15 يونيو 2025 08:52 م

الدكتور تامر مؤمن
الدكتور تامر مؤمن
تمر منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره بمرحلة بالغة التعقيد، تتسم بتصاعد وتيرة الحروب والصراعات، وتواتر القرارات الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على اقتصادات الدول، لا سيما النامية منها.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط توترات متصاعدة تهدد الاستقرار العالمي، من غزة إلى لبنان واليمن، وصولاً إلى التصعيد بين إيران وإسرائيل الذي يضيف شكوكاً جديدة حول مسار الاقتصاد العالمي بالتزامن مع بدء صناع السياسات النقدية في تهيئة أنفسهم للخروج التدريجي من نوبات التضخم المرتفع دون إحداث ركود.
هذه الصراعات ليست مجرد أزمات سياسية، بل تمتد آثارها لتهزّ أسس الاقتصاد الدولي عبر اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة وتأجيل خفض الفائدة عالمياً، وفي قلب هذه العاصفة الجيوسياسية، تواجه مصر تحديات مركبة، لكن تاريخها وحكمة استراتيجيتها وقيادتها السياسية يؤكدان قدرتها على تحويل التهديدات إلى فرص، وسوف يبرز كنموذج للمرونة والقدرة على الصمود، مدعومًا برؤية استراتيجية واضحة أثبتت فعاليتها في تجاوز العديد الأزمات وعبور التحديات.
إن ما تشهده المنطقة من صراعات جيوسياسية، وتحديدًا الصراعات القائمة، لا يمكن فصله عن تداعياته الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، فمن اضطرابات سلاسل الإمداد، إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مرورًا بتأثر قطاعات حيوية كالسياحة والاستثمار، تشكل هذه الصرعات ضغوطًا هائلة على موازنات الدول واحتياطاتها النقدية.
وفي هذا السياق، تأتي القرارات الاقتصادية العالمية، وعلى رأسها القرارات الأمريكية الأخيرة المتعلقة بالرسوم الجمركية وأسعار الفائدة والسياسات النقدية، لتضيف طبقة أخرى من التعقيد، حيث تؤثر بشكل مباشر على تدفقات رؤوس الأموال، وتزيد من تكلفة الاقتراض، وتضع ضغوطًا على العملات المحلية للدول الناشئة.
إن التحديات الراهنة، وإن كانت جسيمة، إلا أنها ليست مستحيلة التجاوز، فمصر، بما لديها من تاريخ طويل في التعامل مع الأزمات، وبفضل استراتيجيتها القوية ورؤيتها الثاقبة، وقدرة شعبها على الصمود والعمل، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، والخروج من هذه العواصف أقوى وأكثر صلابة، شريطة أن يظل التركيز منصبًا على تنفيذ الخطط بجدية وعزيمة لا تلين.
الصلابة المصرية في مواجهة الصدمات
لقد أظهر الاقتصاد المصري مرونة لافتة في التعامل مع هذه التحديات، فبعد موجات متتالية من الصدمات العالمية، من جائحة كوفيد-19، إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى التوترات الإقليمية الحالية والقرارات الاقتصادية العالمية، استطاعت مصر، بفضل إدارتها الحكيمة ورؤيتها الاستراتيجية، وتوجهات قيادتها السياسية الحفاظ على استقرارها النسبي وواصلت مسيرة التنمية، لم يكن ذلك وليد الصدفة، بل هو نتاج عمل دؤوب وتخطيط محكم يرتكز على محاور أساسية.
نقاط قوة الاستراتيجية والرؤية المصرية:
قوة الرؤية المصرية: استراتيجية 2030 كخريطة طريق وتنبني محاور الاستراتيجية الوطنية التي ترتكز على وثيقة "التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري 2024–2030" الصادرة عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء لتحقيق نمو شامل ومستدام عبر زيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار بحلول 2030 وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة والتحول الأخضر، خاصة في مجال الهيدروجين وتوطين التنمية عبر مؤشر تنافسية المحافظات (EGCI) لتحقيق التوازن الإقليمي.
برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل: لقد كان التزام مصر بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل هو حجر الزاوية في قدرتها على امتصاص الصدمات، فمن إصلاحات سعر الصرف، إلى ضبط المالية العامة، وتخفيض الدين العام، وتطوير البنية التحتية، مهدت هذه الإصلاحات الطريق لاقتصاد أكثر قوة ومرونة.
تنويع مصادر الدخل: سعت الاستراتيجية المصرية إلى تقليل الاعتماد على قطاعات محددة، من خلال تنويع مصادر الدخل القومي. دعم الصناعة الوطنية والتصدير، وتطوير قطاع السياحة، وقناة السويس كمرفق عالمي حيوي، وتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة، كلها محاور تساهم في بناء اقتصاد أكثر توازنًا وقادرًا على امتصاص الصدمات في أي قطاع.
المشروعات القومية الكبرى: الاستثمار في المشروعات القومية الكبرى، مثل المدن الجديدة والطرق والشبكات اللوجستية، لم يكن مجرد بناء للبنية التحتية، بل كان محركًا للنمو، وخالقًا لفرص العمل، وجاذبًا للاستثمارات، ومحفزًا للإنتاج المحلي، مما يعزز القدرة الذاتية للاقتصاد.
تعزيز دور القطاع الخاص: إدراكًا لأهمية القطاع الخاص كقاطرة للنمو، تعمل مصر بخطى ثابتة على تمكينه وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات، وتوفير الحوافز، والتخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية لفتح المجال أمامه.
المرونة في السياسات المالية والنقدية: تتميز السياسات المالية والنقدية في مصر بقدرتها على التكيف والاستجابة السريعة للتغيرات، مما يمكنها من احتواء التضخم، وضمان استقرار الأسواق، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ضرورة التركيز والعمل ومقترحات للعبور الآمن:
في ظل هذه الظروف غير المواتية، يصبح لزامًا على مصر أن تواصل التركيز على تنفيذ استراتيجيتها وخططها الاقتصادية بكل دقة وعزيمة، دون الالتفات إلى الضجيج أو التأثر بالتقلبات اللحظية. فالتشتت في هذه المرحلة قد يكلف غاليًا، وهنا، أقترح بعض الحلول والمحاور التي يجب التركيز عليها لضمان عبور آمن:
- الاستمرار في دعم الصناعة المحلية وزيادة المكون المحلي: يجب تكثيف الجهود لتوطين الصناعات الحيوية وتقليل فاتورة الاستيراد، من خلال تقديم حوافز استثنائية للمصنعين المحليين، وتسهيل الإجراءات، وتوفير التمويل اللازم، مع التركيز على الصناعات التصديرية ذات القيمة المضافة العالية.
- تعزيز القدرة التنافسية للصادرات: يتطلب ذلك مراجعة مستمرة لاتفاقيات التجارة، وتطوير البنية التحتية اللوجستية، وتقديم الدعم الفني والمالي للمصدرين لاقتحام أسواق جديدة، والتأكيد على جودة المنتجات المصرية.
- جذب الاستثمار الأجنبي المباشر النوعي: يجب التركيز على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تخدم أهداف التنمية المستدامة، وتوفر فرص عمل ذات قيمة مضافة، وتنقل التكنولوجيا والمعرفة، خاصة في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والصناعات الخضراء.
- الإدارة الرشيدة للموارد الشحيحة: في أوقات الأزمات، تصبح كفاءة استخدام الموارد أمرًا حيويًا. يجب ترشيد الإنفاق العام، والتركيز على الأولويات القصوى، وتعظيم العائد من كل جنيه يتم إنفاقه، مع التركيز على المشروعات ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي المرتفع.
- تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي: في ظل الضغوط التضخمية، يجب على الدولة الاستمرار في دعم الفئات الأكثر احتياجًا وتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية لضمان عدم تأثر الطبقات محدودة الدخل بتبعات الأزمات.
- الابتكار والتحول الرقمي: يجب تسريع وتيرة التحول الرقمي في جميع القطاعات، وتبني التقنيات الحديثة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، كرافعة للنمو وخلق فرص عمل جديدة، وتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
رغم العواصف المحيطة، سوف تثبت مصر أنها قادرة على الصمود، فالنجاح لا يعتمد على زوال التحديات الخارجية، بل على الالتزام بالاستراتيجية الداخلية التي تركز على"تحويل الأزمات إلى محركات للإصلاح، والاعتماد على الذات دون انكفاء عن العالم".
فاليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج المصريون إلى وحدة الهدف لتجاوز الخلافات لصالح الأولويات الاقتصادية والثقة في إمكانات الوطن فقوة مصر تكمن في شبابها ومواردها وموقعها والتنفيذ دون تردد للأهداف الطموحة لـ 2030 والتي لن تتحقق إلا بالإرادة السياسية والجماهيرية معا.
Short Url
الدكتور محمد فؤاد يكتب.. «بين الرؤية والسردية» من يعيد ضبط بوصلة التخطيط في مصر؟
07 يونيو 2025 10:57 م
ليه أول ما الفائدة بتقل الناس بتجري على العقار؟
24 مايو 2025 02:59 م
أمين صالح يكتب.. اقتصاد مصر، نعم الأرقام تكذب حين تبطيء الحكومة
03 مايو 2025 02:16 م


أكثر الكلمات انتشاراً