السبت، 01 نوفمبر 2025

01:17 ص

الدكتورة شيماء وجيه تكتب: المتحف المصري الكبير، استثمار وطني يحول التراث إلى قوة اقتصادية مستدامة

الجمعة، 31 أكتوبر 2025 10:30 ص

الدكتورة شيماء وجيه الخبيرة الاقتصادية والمصرفية

الدكتورة شيماء وجيه الخبيرة الاقتصادية والمصرفية

الدكتورة شيماء وجيه الخبيرة الاقتصادية والمصرفية

يشكل افتتاح المتحف المصري الكبير حدثا يتجاوز كونه خطوة ثقافية أو سياحية، ليصبح تحولا اقتصاديا استراتيجيا يعيد تعريف مفهوم الاستثمار في التراث الوطني، فالمتحف لا ينظر إليه بوصفه صرحا أثريا فقط، بل كأصل اقتصادي متجدد قادر على تحقيق عائد طويل الأجل يدعم الاقتصاد المصري ويعزز مكانة الدولة في خريطة الاستثمار والسياحة العالمية.

البعد الاقتصادي للمشروع

يعد المتحف أحد أكبر الاستثمارات الثقافية في الشرق الأوسط، حيث تجاوزت تكلفته الإجمالية مليار دولار بتمويل متنوع شمل قروضا ميسرة من اليابان، ودعما حكوميا مباشرا واستثمارات في البنية التحتية المحيطة.


ويمثل هذا التمويل نموذجا متميزا للشراكة بين الدولة والجهات الدولية في توظيف رأس المال الثقافي لخدمة التنمية الاقتصادية.
فمن المتوقع أن يجذب المتحف عند التشغيل الكامل أكثر من 5 ملايين زائر سنويا ، وهو ما يعني عوائد مباشرة وغير مباشرة قد تصل إلى 600 مليون دولار سنويا، تشمل التذاكر والخدمات التجارية، إضافة إلى تدفقات نقدية ناتجة عن زيادة الإشغال الفندقي والإنفاق السياحي في منطقة الهرم بالقرب من منطقة المتحف الكبرى.

التأثير الاستثماري والسياحي

يتجاوز أثر المشروع نطاق الإيرادات السياحية إلى خلق بيئة استثمارية متكاملة، إذ يفتح الباب أمام مشروعات  فندقية وتجارية جديدة بالقرب من المتحف ، استثمارات في قطاع النقل الذكي والخدمات اللوجستية ، نمو في الصناعات الإبداعية مثل التصميم والحرف والفنون الرقمية.
ويمثل المتحف نموذجا لما يعرف بالاستثمار  في الأصول غير الملموسة، أي تحويل التراث والتاريخ إلى أدوات مالية ذات قيمة اقتصادية، بما يتماشى مع توجهات الاقتصاد العالمي الحديث القائم على الابتكار والمعرفة.

مساهمة المشروع في الاقتصاد الكلي

من منظور الاقتصاد الكلي، يسهم المتحف في تحسين أوضاع ميزان المدفوعات من خلال زيادة تدفقات النقد الأجنبي ، خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في قطاعات السياحة، الخدمات، والتكنولوجيا ، تحفيز النمو الإقليمي بمحافظة الجيزة ورفع القيمة العقارية للمناطق المحيطة و تعزيز الناتج المحلي الإجمالي عبر رفع مساهمة السياحة الثقافية إلى أكثر من 15% من إجمالي إيرادات القطاع السياحي في مصر خلال السنوات المقبلة.

البعد الاستراتيجي والسياسات العامة

يتكامل المتحف المصري الكبير مع رؤية مصر 2030 التي تستهدف تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنويع مصادر الدخل القومي ، كما يعزز من القوة الناعمة الاقتصادية لمصر عبر دعم صورة مصر كمركز عالمي للسياحة الثقافية و من خلال جذب اهتمام وكالات التصنيف الائتماني التي تقيم الدول بناء على استقرار مواردها غير التقليدية و تشجيع الشراكات مع مستثمرين عالميين في مجالات السياحة، التكنولوجيا، والإدارة الذكية للمواقع التراثية.

التوصيات

ضرورة التحول من الانظمة التقليدية الي نماذج حديثة  تعتمد علي التحول الرقمي السياحي كااداة جديدة ترتكز علي التكنولوجيا المالية من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لتقديم تجربة تفاعلية للزائرين، ما يعزز من العائد الاستثماري الرقمي و  ايضا زيادة الاعتماد علي التمويل المستدام من خلال إنشاء صناديق استثمارية ثقافية تتيح للمستثمرين المحليين والأجانب المشاركة في تمويل التطوير المستمر للمتحف والمنطقة المحيطة به و ضرورة تحقيق التكامل المؤسسي من خلال ربط المتحف بالمناطق الأثرية الأخرى و يتم ذلك عبر منظومة إدارة سياحية موحدة و اخيرا اهمية التركيز علي الترويج الاستراتيجي من خلال إطلاق حملات تسويقية دولية تركز على مصر كمركز للثقافة والاستثمار السياحي.

نهاية فان المتحف المصري الكبير ليس مشروعا ثقافيا بقدر ما هو نموذج استثماري واقتصادي متكامل، يجسد كيف يمكن تحويل التراث الوطني إلى أصل إنتاجي يخلق قيمة مضافة مستدامة ، فما تحقق في هذا المشروع يمثل رؤية اقتصادية جديدة لمصر رؤية تستثمر في التاريخ، ولكن بعقلية المستقبل.

Short Url

search