ترامب في مواجهة التنين الصيني، وساحة المعركة " المعادن النادرة"
الأربعاء، 22 أكتوبر 2025 09:52 م

صراع المعادن النادرة
في قلب التوترات الاقتصادية العالمية بين بكين وواشنطن، تظهر المعادن النادرة كأحد أخطر أسلحة الصراع الاقتصادي الهادئ، وأحد أعقد الملفات التي يصعب كسر هيمنة الصين فيها بسهولة.

وبينما تحكم بكين قبضتها على إمدادات هذه المواد الحيوية، يتحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعقيدة "الصفقة الكبرى"، معلنًا عن شراكة استراتيجية مع أستراليا تهدف لتأمين بديل سريع لتلك السيطرة.
لكن خلف الشعارات والوعود، يقف الواقع الجيولوجي والتقني والاقتصادي بلغة مختلفة تمامًا.
الصين وأمريكا.. احتكار من جهة وتبعية من جهة أخرى
تسيطر الصين اليوم على أكثر من 90% من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة المكررة، وهي عناصر لا غنى عنها لتشغيل كل شيء من الهواتف الذكية إلى الصواريخ والطائرات المقاتلة.
هذه الهيمنة ليست جديدة، لكنها أصبحت ورقة ضغط استراتيجية منذ اشتداد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، خاصة بعد أن فرضت بكين مؤخرًا قيودًا على تصدير هذه العناصر حتى بكميات ضئيلة.
في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الصين، حيث استوردت منها خلال السنوات الأخيرة أكثر من 70% من حاجتها من هذه المواد، وفقًا لتقارير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

صفقة ترامب.. أستراليا في قلب المواجهة
في رد مباشر، أعلن ترامب هذا الأسبوع عن توقيع اتفاقية ضخمة مع أستراليا، بقيمة 8.5 مليار دولار، تشمل استثمارات مشتركة لتطوير مشاريع جديدة لإنتاج المعادن النادرة والمعادن الحيوية.
تتضمن الصفقة التزامات من الجانبين بتوفير أكثر من 3 مليارات دولار خلال الأشهر الستة القادمة، مع خطط لمشاريع يتوقع أن تتجاوز قيمتها الإجمالية 50 مليار دولار على المدى الطويل.
ويشارك البنتاجون الأمريكي بشكل مباشر في المشروع، من خلال تمويل إنشاء مصفاة متطورة في غرب أستراليا بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 100 طن متري من الجاليوم، وهو عنصر استراتيجي في الصناعات الدفاعية.
اقرأ أيضًا:
خسارة 150 مليار دولار، المعادن النادرة تهدد الاقتصاد العالمي
التحديات على الأرض.. بناء صناعة من الصفر
رغم ما يبدو أنه تحرك استراتيجي من ترامب لتقليل اعتماد واشنطن على بكين، إلا أن المشهد الفعلي أكثر تعقيدًا، وبناء سلسلة إنتاج مستقلة للمعادن النادرة يحتاج إلى سنوات طويلة، وربما عقد كامل، بسبب التحديات التقنية والبنيوية والبيئية.
حتى في أستراليا، التي تملك رابع أكبر احتياطي من المعادن النادرة عالميًا، لا تزال قدراتها التكريرية والمعالجة محدودة، كما أن تكلفة الإنتاج المرتفعة والنقص في المهارات الفنية يجعل الدخول في هذا المجال صعبًا دون دعم حكومي ضخم.

المصالح المتشابكة.. أستراليا بين الصين وأمريكا
التحالف الأمريكي الأسترالي في ملف المعادن لا يخلو من التوتر الجيوسياسي، خاصة أن الصين تظل الشريك التجاري الأكبر لأستراليا.
وعلى الرغم من التقارب الدفاعي المتزايد بين واشنطن وكانبرا، إلا أن الأخيرة تجد نفسها في وضع حساس، تحاول فيه الموازنة بين المصالح الاقتصادية والتزاماتها السياسية.
فالصين لا تملك فقط النفوذ الاقتصادي، بل تسيطر أيضًا على تقنيات المعالجة التي تظل حتى الآن عصية على التقليد أو التعويض في المدى القريب.
اقرأ أيضًا:
الحرب التجارية تتصاعد، الاتحاد الأوروبي يرد على القيود الصينية بسبب المعادن النادرة
بين التصريحات والواقع.. الفجوة لا تزال واسعة
ترامب قال هذا الأسبوع، في نبرة مفعمة بالثقة، إن الولايات المتحدة ستكون، خلال عام واحد فقط، غنية بالمعادن الأساسية لدرجة أنها "لن تعرف ماذا تفعل بها"، لكن هذه الوعود تصطدم بحقائق الإنتاج والتكرير والتوزيع.
إذ إن إنشاء مصفاة واحدة أو حتى عدة مشاريع جديدة لا يعني بناء قدرة صناعية مكتملة، خاصة أن الصين تطورت في هذا المجال على مدى عقود، وبنت شبكة تكنولوجيا ومعالجة معقدة يصعب منافستها سريعًا.

الخسارة المحتملة.. والأثر الاقتصادي الأوسع
تقديرات بنك جولدمان ساكس تضع الأثر المحتمل لأي اضطراب في هذه السوق في صورة واضحة ومقلقة، إذ إن تعطيل 10% فقط من المعادن الأرضية النادرة قد يؤدي إلى خسارة تقدر بـ150 مليار دولار في الناتج المحلي الأمريكي، وهو رقم يعكس هشاشة سلاسل التوريد الأمريكية عندما يتعلق الأمر بالموارد الحيوية.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الخطوة من ترامب ليس فقط في بعدها الصناعي، بل كرسالة سياسية بأن الولايات المتحدة لن تبقى رهينة للقرار الصيني في هذا المجال.
اقرأ أيضًا:
الصين تُحكم قبضتها على المعادن النادرة، وأمريكا تشعل حرب الرقائق برسوم 100%
هل تكفي الخطوة؟ الطريق ما يزال طويلاً
رغم أن الاتفاق مع أستراليا يضع حجر الأساس لما يمكن تسميته "ناتو المعادن النادرة"، إلا أن استنساخ شبكة الإنتاج الصينية خارج حدودها يتطلب أكثر من التمويل والتحالفات.
هو مشروع يتطلب إرادة سياسية طويلة الأمد، وتخطيطًا اقتصاديًا دقيقًا، وتحملًا لكلفة بيئية ومجتمعية كبيرة، دون هذا، ستبقى هذه الخطوات رمزية أو ذات أثر محدود، ولن تغير الواقع القائم فعليًا.

معركة على مستوى الذرات
في نهاية المطاف، فإن المعركة بين بكين وواشنطن حول المعادن النادرة ليست فقط اقتصادية، بل استراتيجية بامتياز، وهي تعكس كيف أن الصراعات الكبرى في القرن الحادي والعشرين تدار ليس بالأساطيل أو الجيوش، بل على مستوى الذرات، والموارد غير المرئية التي تدير الصناعات، وتحرك التكنولوجيا، وتشكل العمود الفقري للاقتصاد الحديث.
ترامب قد يكون أطلق أول رصاصة في هذا السباق الصناعي الجديد، لكن النصر فيه لن يحسم بالكلام أو بالصفقات وحدها، بل بما يزرع اليوم ليحصد بعد سنوات.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
بين الحلم والحقيقة، لماذا لم تتحقق السيارات النووية حتى الآن؟
21 أكتوبر 2025 03:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي شرطًا للبقاء في سوق صناعة المنتجات الاستهلاكية؟
20 أكتوبر 2025 03:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً