الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

12:43 ص

قنبلة موقوتة، سياسة "صفر هجرة" تحول أمريكا من قوة عظمى إلى اقتصاد متأزم

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025 01:00 م

أمريكا بلا هجرة

أمريكا بلا هجرة

في لحظة فارقة من تاريخ الولايات المتحدة، تبنت إدارة ترامب منذ توليها زمام الحكم سياسة جذرية تسمى “أمريكا بلا هجرة”، يبدو العنوان بسيطًا، لكنه يخفي خلفه زلزالًا اقتصاديًا قد يعيد رسم ملامح القوة الأمريكية، لا إلى الأمام، بل إلى الوراء.

في منتصف القرن العشرين، بنت الولايات المتحدة نموذجها الاقتصادي على الانفتاح، المتمثل في أسواق حرة، وتكنولوجيا متقدمة، وهجرة دائمة تغذي سوق العمل وتنعش روح الابتكار، لكن مع حلول عام 2025، بدأ هذا النموذج يهتز، فقد باتت الهجرة، التي كانت لعقود أحد محركات النمو، تواجه إغلاقًا شبه تام، مع ما يعنيه ذلك من آثار عميقة ومركبة على الاقتصاد الأمريكي.

من الانفتاح إلى الإغلاق، تحول تاريخي

لسنوات، كان صافي الهجرة إلى الولايات المتحدة موجبًا دائمًا، ما يعني أن عدد الداخلين يفوق المغادرين، أما اليوم، ولأول مرة منذ أكثر من سبعين عامًا، تشير التقديرات إلى أن صافي الهجرة قد يلامس الصفر، أو ما هو أسوأ.. رقم سلبي.

الإدارة الأمريكية، بقيادة دونالد ترامب، تمضي قدمًا في تنفيذ شعارها الصارم؛ “أمريكا للأمريكيين فقط”، والحدود الجنوبية مغلقة فعليًا، وتأشيرات العمل والعلم أصبحت محاطة برسوم باهظة (100 ألف دولار لتأشيرة H1-B مثلاً)، وحملات الترحيل تجوب المدن والمزارع على حد سواء، فيما يختفي آلاف العمال من وظائفهم خوفًا من المداهمات.

الهجرة الأمريكية

ضربة لقلب الاقتصاد، سوق العمل

المشكلة أن الهجرة ليست مجرد ملف اجتماعي أو أمني، بل شريان اقتصادي حيوي، وتشير الأرقام إلى أن تقييد الهجرة بدأ يضرب الأسواق الحساسة، المتمثلة في الزراعة، والبناء، والرعاية الصحية، والخدمات.

في ولاية مثل كاليفورنيا، تحذر شركات زراعية من فقدان موسم الحصاد، في سان دييجو، يتحدث المقاولون عن صدمة عمالة وشيكة، أما في ولايات الجنوب، فتشهد مطاعم وخدمات محلية فراغًا في الوظائف لا يمكن شغله باليد العاملة المحلية، والنتيجة؟ ارتفاع في التكاليف، وتراجع في الإنتاج، وتهديد مباشر لسلسلة التوريد، وكل ذلك ينعكس على الأسعار، وعلى المواطن العادي في متجر البقالة قبل أي مكان آخر.

اقرأ أيضًا:

«جواز السفر الأمريكي» يتراجع إلى المركز 12 عالميًا بسبب سياسات الهجرة

الإنتاجية تحت المقصلة

في العمق، الهجرة ليست فقط عن العدد، بل عن النوعية، ويشكل المهاجرون ذوو المهارات العالية نسبة ضئيلة من القوى العاملة (5%)، لكنهم ينتجون نسبة مضاعفة من الدخل (10%) ويساهمون بنحو ثلث الابتكار الأمريكي، وهم العمود الفقري للجامعات ومراكز الأبحاث والتكنولوجيا في وادي السيليكون.

فرض رسوم على تأشيرات المهارات العالية (H1-B) وتقليص برامج تدريب الطلاب الأجانب، يدفع بالكفاءات إلى أوروبا وكندا وأستراليا، فيما تخسر أمريكا تلك العقول التي بنت شركات مثل جوجل وتيسلا وأبل.

 تأشيرات المهارات العالية (H1-B)

الركود السكاني، أزمة بلا مهاجرين

الوجه الآخر من العملة هو الشيخوخة، فعدد المواليد الأمريكيين يتراجع منذ سنوات، ومتوسط عمر السكان يرتفع، ومن دون مهاجرين، سيتقلص عدد السكان في سن العمل، ما يعني تباطؤًا في النمو وزيادة في الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية والتقاعد.

تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس تقول إن استمرار تدفق المهاجرين في عهد بايدن كان سيقلص العجز الفيدرالي بنحو 90 مليار دولار سنويًا خلال العقد القادم، والسبب بسيط؛ المهاجرون يدفعون ضرائب أكثر مما يتلقون من إعانات، ويساهمون في رفع إنتاجية الاقتصاد.

اقرأ أيضًا:

هل تطلق أمريكا النار على عقولها؟ رسوم H-1B بين الابتكار والابتزاز

ارتباك في السياسة النقدية

الاقتصاد الكلي ليس في مأمن أيضًا، فالهجرة ساعدت بعد جائحة كورونا في امتصاص صدمة الطلب القوي، ما مكن الاحتياطي الفيدرالي من الهبوط السلس بالتضخم دون أن يدفع الاقتصاد نحو الركود.

اليوم، مع توقف هذا التدفق، تختل معادلة العرض والطلب، وترتفع الأسعار مجددًا، مما قد يجبر الفيدرالي على الإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول، حتى لو أضر ذلك بسوق الأسهم والاستثمار.

الأسوأ أن البيانات الاقتصادية نفسها أصبحت أقل دقة، فمثلاً، انخفاض أعداد الوظائف المستحدثة إلى 30 ألف وظيفة شهريًا لا يمكن قراءته بسهولة، هل هو تباطؤ اقتصادي؟ أم مجرد نقص في عدد السكان؟، وأي خطأ في تفسير هذه الإشارات قد يؤدي إلى قرارات خاطئة أو حتى أزمة اقتصادية.

الرسوم الجمركية

أمريكا منفتحة أم منغلقة؟

المفارقة أن 79% من الأمريكيين الآن ينظرون إلى الهجرة بإيجابية، وهي أعلى نسبة مسجلة في تاريخ استطلاعات الرأي حول هذا الملف، ورغم ذلك، تمضي الإدارة الحالية في تشديد القيود، فيما يصعب سياسيًا التراجع عن هذه الإجراءات لاحقًا، كما حدث مع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في ولايته الأولى. حتى لو تغيرت الإدارة في 2028، سيكون الضرر قد حدث، وجفت القنوات، وغادرت العقول، واستبدلت أمريكا، عن غير قصد، مواردها البشرية بجدران فولاذية.

أمريكا بلا مهاجرين، اقتصاد بلا أمل؟

ليست الهجرة رفاهية يمكن الاستغناء عنها حين تتغير المزاجات السياسية، بل هي بكل وضوح واحدة من أعمدة القوة الاقتصادية الأمريكية، وقطعها يعني خنق السوق، وإنهاك المؤسسات، وإضعاف روح الابتكار.

أمريكا التي بنت نفسها من مزيج الأعراق والأديان والأفكار، تواجه اليوم خطر أن تغلق الباب على ذاتها، وقد تكون النتيجة، كما يحذر الاقتصاديون، ليست أمة أكثر أمانًا، بل اقتصادًا أقل كفاءة، وأقل ابتكارًا، وأكثر عزلة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search