شركات التكنولوجيا في مأزق، صراع العقول يتحول إلى معارك داخلية

الثلاثاء، 02 سبتمبر 2025 12:19 ص

شركات التكنولوجيا

في سباق محموم لا يهدأ، تتسابق شركات التكنولوجيا العملاقة على استقطاب ألمع العقول في مجال الذكاء الاصطناعي، مدفوعة بهوس التفوق وسرعة الهيمنة على مستقبل التقنية، لكن هذا السباق، الذي يُنفق فيه المليارات، قد يكون بداية لسباق آخر نحو التآكل الذاتي.

فبدلاً من الاستحواذ على شركات ناشئة كما جرت العادة لعقود في وادي السيليكون، بدأت شركات مثل مايكروسوفت، وجوجل، وأمازون، وميتا، بتطبيق نهج مختلف يعرف بالاستحواذ العكسي على المواهب، وهذا يعني، ببساطة، سحب مؤسسي ومطوري تلك الشركات الناشئة، وترك الهياكل خاوية، بلا روح ولا رؤية.

من بيوت أفكار إلى مصانع مواهب

لطالما بنيت أسطورة وادي السيليكون على الجرأة في تمويل المجهول، شركات ناشئة، بأفكار غير تقليدية، تراهن عليها صناديق رأس المال المغامر، فتنجح قلة منها وتحقق عوائد تفوق الخيال، كما حدث مع نظام أندرويد الذي اشترته جوجل بـ50 مليون دولار، وتحول إلى عملاق يهيمن على الهواتف حول العالم.

لكن هذا النموذج بات مهددًا، فمع انتقال التركيز من الاستثمار في الكيانات إلى الاستثمار في الأفراد، تتحول الشركات الناشئة إلى ما يشبه المعامل المؤقتة لإنتاج المواهب، ليعاد تدوير هذه العقول ضمن منظومة الشركات العملاقة.

إن ما نشهده اليوم هو تسليع للعقول، حيث يتم التعامل مع الباحثين كما الرياضيين في سوق الانتقالات، لكن تعامل بحذر، فالمواهب ليست أصولاً مستقرة، وقد يرحل الباحث إلى منافس آخر في لحظة، لتفقد الشركات استثماراتها من دون تراكم حقيقي للمعرفة.

قصور في بيئة الابتكار

الرهان على الأفراد وحدهم، مهما بلغ نبوغهم، لا يبني بيئة ابتكارية متكاملة، فالابتكار لا ينمو في الفراغ، بل يحتاج إلى نظام داعم يشمل بنى تحتية رقمية، مؤسسات بحثية، سياسات تعليمية ذكية، ومصادر تمويل مستدامة.

أحدثت هذه الظاهرة انعكاسًا لتحولات أعمق في البيئة التنظيمية بالولايات المتحدة وأوروبا، فمع اشتداد الرقابة على صفقات الاستحواذ بدعوى مكافحة الاحتكار، لجأت الشركات العملاقة إلى التحايل القانوني، باستقطاب الأفراد بدلاً من الشركات، لتتفادى تدقيق الجهات التنظيمية.

لكن النتيجة، هي بيئة أقل تنوعًا، وسوق تهيمن عليه أسماء معدودة، ما يهدد التنوع الذي كان مصدر قوة الابتكار الأميركي لعقود.

«الاتحاد الأوروبي» يؤكد حقه في تنظيم «شركات التكنولوجيا» ردا على انتقادات ترامب

التهام الذات

هذا الالتهام الذاتي الذي تمارسه الشركات الكبرى، قد يكلفها على المدى الطويل، فعندما يعاد توجيه الموارد المالية من تطوير المنتجات والبنى التحتية، إلى أجور خيالية وحوافز مالية للباحثين، يتراجع الاستثمار الحقيقي في الابتكار طويل الأمد.

العقول لا تعادل الأصول، فالباحث قد يرحل، أما المنصة التكنولوجية، أو براءة الاختراع، أو الشركة بمواردها وفريقها، فهي أكثر استقرارًا واستدامة.

نحو احتكار المعرفة

أحد أبرز المخاطر التي تلوح في الأفق، هو التحول التدريجي لوادي السيليكون إلى سوق مغلق، تحتكر فيه حفنة من الشركات الكبرى المعرفة والتقنيات الأساسية، ما يحد من فرص بروز شركات ناشئة قادرة على إحداث خرق ثوري جديد.

ومع اختفاء هذه الحاضنة الابتكارية، يلوح خطر فقدان وادي السيليكون لريادته التاريخية، وفتح الباب أمام مراكز بديلة في آسيا أو أوروبا، حيث تتوافر المواهب بتكلفة أقل، وتجد الشركات الناشئة بيئة نمو أقل خضوعًا لضغوط الشركات العملاقة.

الأسواق الناشئة، حقل التجارب الجديد لابتكارات التكنولوجيا

إعادة رسم جغرافيا الابتكار

من بنغالور إلى برلين، ومن شنجهاي إلى فلسطين المحتلة، تعيد بيئة الابتكار العالمية رسم ملامحها، ومع تقلص جاذبية وادي السيليكون، قد تبدأ رؤوس الأموال، والمواهب، ورواد الأعمال في البحث عن آفاق جديدة، بعيدًا عن عباءة الشركات الأمريكية الكبرى.

قد لا تختفي الهيمنة الأمريكية قريبًا، لكن إذا استمرت الشركات العملاقة في تفريغ السوق من المواهب دون بناء بنية تحتية معرفية مستدامة، فإن الابتكار ذاته قد يصبح هو الضحية.

أكثر من مجرد سباق

ما يحدث في وادي السيليكون اليوم هو أكثر من مجرد سباق على العقول، إنه اختبار حقيقي لمفهوم الاستدامة في عالم التقنية. فهل تستطيع شركات التكنولوجيا الكبرى أن تبني المستقبل، دون أن تهدم الأسس التي أوصلتها إلى القمة؟ ربما حان الوقت لإعادة النظر، فالتفوق لا يُشترى فقط.. بل يُبنى.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.