كيف يُعيد "الترند" تشكيل قرارات السفر حول العالم؟
الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025 09:10 ص

السفر حول العالم
في أحد أيام الربيع، كان "كريم" يتصفح تطبيق "تيك توك"، كعادة الملايين من أبناء جيله، حين لفت نظره مقطع فيديو قصير يظهر مدينة آسيوية غير معروفة على نطاق واسع، لكنها بدت كأنها نسخة أرضية من الجنة؛ أكواخ خشبية فوق الماء، ومياه فيروزية، وغروب شمس ساحر، وسكينة روحية لا تشوبها شائبة.
خلال دقائق معدودة، تشكلت في ذهنه صورة مثالية، وعقد العزم على السفر، لم يكن السعر هو أول ما خطر بباله، بل كانت الرغبة التي أشعلها المقطع هي المحرك الأول. هكذا سافر، ليكتشف بعد يومين من التكدس والزحام وارتفاع الأسعار، أن الحلم الرقمي ليس دائمًا مرآة للواقع.
تجربة "كريم" لا تمثل استثناءً، بل أصبحت حالة نموذجية في عصر السياحة المؤثرة التي تقودها التطبيقات، وليس شركات السياحة، ومن هنا، يطرح السؤال الاقتصادي الأكبر: هل صارت المنصات الاجتماعية تحدد وجهاتنا أكثر من أسعار التذاكر؟ أم أن المنطق الاقتصادي ما زال حاكمًا في النهاية؟
التحول من الإعلانات إلى اللحظة المؤثرة
قبل عقدين فقط، كان التخطيط للسفر يبدأ من مكاتب السياحة، أو عبر كتيبات إرشادية، أو بتوصيات شفوية، أما اليوم، فقد أصبح القرار السياحي يبنى على ريل، ستوري، أو منشور عفوي من مؤثر محبوب.
بحسب إحصاءات منصة Statista، فإن 75% من المسافرين لغرض الترفيه في عام 2025 أفادوا بأن وسائل التواصل الاجتماعي كانت السبب الأساسي في اختيارهم للوجهة.
وفي دراسة أجرتها شركة Phocuswright في يونيو 2024، تبين أن 62% من مستخدمي وسائل التواصل قرروا حجز رحلاتهم بناءً على محتوى شاهدوه عبر الإنترنت، لكن التأثير لا يتوقف عند الرغبة، بل يمتد إلى إعادة تشكيل الاقتصاد المحلي للوجهات، ففي باريس، على سبيل المثال، تحول كشك ساندويتشات صغير إلى وجهة سياحية عالمية بفضل مقاطع على انستجرام وتيك توك أظهرت طباخه يقدم الطعام بعفوية وحماس. النتيجة؟ طوابير يومية، ارتفاع في الأسعار، وزيادة هائلة في التغطية الإعلامية.. كل هذا بسبب ترند واحد فقط.

عصر السياحة الفيروسية
لم تعد المواسم السياحية التقليدية وحدها هي ما يحدد حجم الزوار، فبفضل الانتشار اللحظي للمحتوى، يمكن لوجهة غير معروفة أن تتحول خلال أيام إلى مركز جذب عالمي، بمجرد أن يلتقطها مؤثر لديه قاعدة جماهيرية ضخمة.
أمثلة واضحة:
- لاونج في فيتنام، التي شهدت ارتفاعًا بنسبة 45% في عدد الزوار بعد انتشار مقاطع عنها.
- أنطاليا في تركيا وتونس شهدتا نموًا في معدلات البحث عبر منصات الحجز تجاوز 40% بعد أن أصبحتا وجهات تريند على تيك توك.
لكن في المقابل، تواجه هذه الظاهرة تحديًا اقتصاديًا وبيئيًا، ففي بالي، قررت السلطات فرض قيود على البناء الفندقي لوقف الضغط على البنية التحتية، أما في البندقية، فبدأت الحكومة بفرض رسوم دخول على السائحين للحد من الاكتظاظ الذي بات يهدد المدينة وتراثها.
اقرأ أيضًا:
هل يؤثر الذكاء الاصطناعي بمصير عالم السياحة والسفر ؟ "خاص"
التفاعل الاقتصادي من الرغبة إلى الربح
شركات الطيران ومنصات الحجز لم تتأخر في الاستجابة لهذا التحول، بل استثمرت في ما يعرف بـ "التسعير الديناميكي"، أي تعديل الأسعار آليًا استنادًا إلى الطلب الذي يولده المحتوى على المنصات الاجتماعية.
كما أصبحت شراكات المؤثرين جزءًا من الاستراتيجية التسويقية الرسمية، إذ تقوم شركات كبرى في قطاع الضيافة والسياحة بالتعاقد مع مؤثرين للسفر وتوثيق تجربتهم، بهدف صناعة طلب رقمي يتحول لاحقًا إلى حجوزات فعلية.
فالمعادلة الحديثة تقول: المحتوى = الطلب = ارتفاع الأسعار = أرباح فورية، لكن قصيرة الأجل ما لم يتم التخطيط المستدام.

هل السعر ما زال يقرر؟
رغم الزخم الهائل الذي تولده الترندات، فإن الدراسات تؤكد أن السعر ما يزال المتغير الحاسم في قرارات الشراء، فالرغبة وحدها لا تكفي، خصوصًا لدى الفئات الأكثر وعيًا بالميزانية.
بحسب بحوث حول حساسية الأسعار والسلوك الشرائي، فإن المسافر الاقتصادي يتأثر بالسعر حتى وإن كان متحمسًا للمكان، أما المسافر المغامر أو الباحث عن تجارب جديدة، فقد يكون مستعدًا لدفع أكثر، لكنه يبقى استثناء لا قاعدة. إضافة إلى ذلك، تشير بيانات DataAlex 2025 إلى أن أكثر من نصف المسافرين من جيل الألفية وجيل زد يختارون وجهاتهم من خلال محتوى رقمي، لكنهم لا يحجزون إلا بعد مقارنة الأسعار، والعروض، ومدى التسهيلات المقدمة.
اقرأ أيضًا:
إفريقيا وآسيا تقودان النمو السياحي عالميًا، ومصر «الحصان الرابح» بـ 12.5 مليار دولار إيرادات في عام
الوجه الآخر للسياحة المؤثرة، الأثر العكسي
في خضم هذا الحراك السياحي المتسارع، تظهر مخاطر حقيقية:
- تضخيم التوقعات، فكثير من المسافرين يصلون إلى الوجهات ليكتشفوا أن الواقع مختلف عن الصورة الرقمية المنتقاة بعناية.
- الضغط على البنية التحتية مما يدفع مدن صغيرة للانهيار أمام تدفق الزوار المفاجئ.
- تغير طبيعة الأماكن، فبعض الأماكن تفقد سحرها الأصلي عندما تصبح مزدحمة ومستهلكة.
- التحول إلى استهلاك سياحي مفرط بدلاً من تجربة ثقافية حقيقية.

من يصنع قرار السفر؟
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت المصنع الأول للإلهام، والمؤثرون باتوا صناع قرار غير رسميين، وشركات الطيران والفنادق تتفاعل مع الطلب الرقمي آنيًا، لكن في نهاية المطاف، السعر هو من يفصل بين الحلم والتنفيذ.
فالقرار السياحي المعاصر لم يعد قرارًا فرديًا نابعًا من رغبة داخلية فقط، بل نتاج شبكة معقدة من المؤثرين، والأسعار، والتوقيت، وتكتيكات التسويق الرقمية، ومع هذا، تبقى الرحلات التي نعيشها بصدق، بعيدًا عن عدسات الكاميرا، هي الأكثر رسوخًا في الذاكرة، فالسفر، كما يقولون، ليس مجرد مكان نذهب إليه، بل حالة نعيشها.
توصية لصناع القرار في القطاع السياحي
لا تعتمدوا فقط على الترند، بل استثمروا في استدامة التجربة، فالمكان الذي يلمع مؤقتًا قد يخبو إذا لم يجد من يصونه ويديره بحكمة.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
بين الحلم والحقيقة، لماذا لم تتحقق السيارات النووية حتى الآن؟
21 أكتوبر 2025 03:00 م
تداعيات الإغلاق الأمريكي على سوق الإسكان، قروض متوقفة ومخاطر تمتد إلى البنوك
20 أكتوبر 2025 03:53 م
لماذا أصبح الذكاء الاصطناعي شرطًا للبقاء في سوق صناعة المنتجات الاستهلاكية؟
20 أكتوبر 2025 03:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً