الصين في عمق الجليد.. الذكاء الاصطناعي والحمض النووي يقودان سباق النفوذ في القطب الشمالي
الخميس، 09 أكتوبر 2025 07:24 م

الصين في عمق الجليد
في خطوة تعكس اندماج الطموح العلمي بالتطلعات الاقتصادية والجيوسياسية، أنهت الصين مؤخرًا أكبر بعثة علمية لها إلى المحيط المتجمد الشمالي، مستندةً إلى تقنيات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، وتحليلٍ للحمض النووي البيئي (eDNA).
ويشير هذا بوضوح إلى أن بكين، لا تنظر إلى القطب الشمالي كمجرد منطقة بحث علمي، بل كساحة إستراتيجية واعدة، ذات أهمية اقتصادية متزايدة، وهذه البعثة، التي استمرت 83 يومًا، شملت أربع سفن بحث من بينها كاسحة الجليد "شويلونج 2"، أسفرت عن جمع كم هائل من البيانات البيئية والبيولوجية من عمق بيئة، تعد من أصعب مناطق الكوكب وصولًا واستكشافًا.

ليس مجرد قطب جليدي
ورغم الطابع العلمي الذي أُعطي للبعثة، فإن القراءة الاقتصادية لها تكشف الكثير، إذ لم يعد القطب الشمالي ذلك الحاجز المتجمد النائي، بل تحول إلى مساحة إستراتيجية تختزن احتياطات ضخمة من النفط والغاز، إضافة إلى معادن نادرة وممرات بحرية، بدأت تظهر نتيجة لذوبان الجليد بفعل التغير المناخي.
وهذه الموارد، التي كانت مجمدة حرفيًا لعقود، باتت اليوم في مرمى طموحات دولية كبرى، على رأسها الصين، التي تسعى إلى تثبيت موطئ قدم في هذا المجال سريع التحول، وما يزيد من أهمية هذا التوجه الصيني، هو الأسلوب الذي اختارته للدخول إلى هذه المنطقة الحساسة، عبر العلم.
فقد استخدم العلماء الصينيون، الذكاء الاصطناعي لرصد وتحليل الكائنات القاعية من خلال كاميرات الغواصة "جياولونج"، وأظهرت النتائج تباينات حادة في التنوع البيولوجي، بين مناطق لا تفصلها سوى عشرات الكيلومترات.
ولم يقتصر الأمر على التصوير والتحليل الفوري، بل تم تعزيز ذلك، باستخدام الحمض النووي البيئي، وهي تقنية متقدمة تسمح باكتشاف آثار الكائنات من خلال بقاياها المجهرية في المياه، الأمر الذي يوفر وسيلة دقيقة لرسم خرائط الحياة البحرية في عمق المحيط.
اقرأ أيضًا:-
روسيا والصين يستغلان القطب الشمالي لدعم حركة التجارة بينهما

أسس لبنية تحتية رقمية
وبينما يظهر هذا التقدم العلمي كمجرد تطور بحثي، فإنه في الواقع يضع الأسس لبنية تحتية رقمية، قادرة على خدمة مشاريع اقتصادية مستقبلية، سواءً في مجال استخراج الموارد، أو دراسة جدوى إنشاء ممرات ملاحية جديدة، أو حتى في مجالات حيوية كالصيد والتكنولوجيا الحيوية.
فكل قطرة ماء تم تحليلها، وكل عينة صخر أو حيوان بحري تم جمعها، تمثل لبنة في مشروع صيني طويل الأمد لتأمين نفوذ مبكر ومستقر في منطقة تتغير بسرعة.
واللافت أن الصين، لا تخفي رغبتها في لعب دور أكبر في القطب الشمالي، رغم أنها ليست دولة مطلة جغرافيًا عليه، لكنها تصف نفسها بـ"دولة قريبة من القطب"، وتراكم أوراق القوة من خلال البحوث العلمية، وتطوير ما تطلق عليه "طريق الحرير القطبي"، والذي قد يعيد تشكيل مسارات التجارة البحرية بين أسيا وأوروبا، في حال استمرت وتيرة ذوبان الجليد.
وهو ما يعني أن بعثتها الأخيرة، لم تكن فقط بحثًا عن الكائنات البحرية، بل أيضًا عن موطئ قدم في خارطة النفوذ الاقتصادي العالمية الجديدة.
اقرأ أيضًا:-
بمشاركة 21 دولة، عودة بعثة «كاسحة الجليد للمعرفة» من القطب الشمالي
المعرفة البيئية كميزة تنافسية
واقتصاديًا، تسعى بكين إلى تحويل المعرفة البيئية إلى ميزة تنافسية، ففهم آليات تكون الثلج البحري على سبيل المثال، لا يخدم فقط الباحثين، بل أيضًا شركات الطاقة والشحن، والتي باتت تحتاج إلى بيانات دقيقة حول استقرار الجليد ومسارات الهجرة البحرية، قبل اتخاذ قرارات استثمارية كبرى.
كما أن دراسة الترابط بين الكائنات البحرية في سلسلة جبال إمبراطور وماجلان، قد تفتح المجال أمام صيد مستدام أو استكشاف موارد بيولوجية ذات قيمة تجارية، وهو أمر شديد الأهمية في زمن يتصاعد فيه الطلب على البروتين البحري والمواد البيولوجية النادرة.
وتتجاوز المسألة إذن حدود العلم إلى الاستثمار في المستقبل، الصين، عبر توظيفها للتكنولوجيا المتقدمة في واحدة من أبعد مناطق العالم، ترسم معالم إستراتيجية مرنة وذكية، وتورد لها نفوذًا ناعمًا في منطقة صلبة.
_1787_072444.jpg)
تردد قوى كبرى في الدخول إلى هذه اللعبة
وفيما تتردد قوى كبرى أخرى في الدخول إلى هذه اللعبة خشية التداعيات البيئية أو الصراعات الجيوسياسية، تتحرك بكين بهدوء، وتزرع العلم وتجمع البيانات، بانتظار الحصاد الاقتصادي والسياسي، وفي ظل هذا التوجه، تبدو الصين عازمة على ألا تفوت الفرصة التاريخية التي يتيحها تغير المناخ، وهو أمر مفارق لاختراق منطقة، كانت حتى وقت قريب، حكرًا على دول شمال الكرة الأرضية.
ومع استمرار بناء قواعدها المعرفية والتقنية في المحيط المتجمد، فإن ما تحققه الصين اليوم تحت راية البحث العلمي، قد يتحول في السنوات المقبلة، إلى واحد من أعمدة إستراتيجيتها الجيواقتصادية العالمية.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
التحول الرقمي في الخدمات المالية، طريق العدالة الاقتصادية للمجتمعات المُهمشة
09 أكتوبر 2025 03:26 م
«التقشف الأخضر»، خطة ترامب لإعادة تشكيل مستقبل الطاقة في أمريكا
09 أكتوبر 2025 10:32 ص
تقرير عالمي يؤكد ضرورة النظر إلى الموارد المائية كعامل حيوي في دفع عجلة الاقتصاد
02 أكتوبر 2025 01:57 م
أكثر الكلمات انتشاراً