السبت، 27 سبتمبر 2025

04:29 م

الصين تتنازل عن امتيازات الدول النامية.. نضج اقتصادي ومناورة سياسية

السبت، 27 سبتمبر 2025 01:31 م

الصين

الصين

في مشهد استثنائي على منصة الأمم المتحدة، أعلن رئيس الوزراء الصيني قرار بلاده التخلي عن المطالبة بامتيازات الدول النامية في منظمة التجارة العالمية، في خطوة قد تعيد صياغة توازنات الاقتصاد الدولي وتضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل "التمييز الإيجابي" في النظام التجاري متعدد الأطراف.

منظمة التجارة العالمية

لحظة مفصلية في النظام العالمي

منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، استفادت الصين من مزايا تصنيفها كدولة نامية، ما أتاح لها فترات انتقالية أطول، هامشًا أكبر من الدعم المحلي، وتساهلًا في تطبيق القواعد التجارية. 

لكن بكين لم تكن لاعبًا عاديًا، فسرعان ما تحولت إلى مصنع العالم ومحرك نمو لا غنى عنه للاقتصاد العالمي، مع بصمة واضحة في التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا والصناعات الثقيلة.

قرار التخلي عن تلك الامتيازات لا يبدو مجرد تعديل تقني، بل يحمل أبعادًا جيوسياسية عميقة، إنه إعلان ضمني بأن الصين لم تعد تقبل بدور اللاعب النامي في الملعب الاقتصادي العالمي، وإنما تسعى لتكريس موقعها كقوة عظمى متكافئة مع الغرب ولكن بشروطها الخاصة.

الضغوط الغربية والرد الصيني

لأعوام طويلة، ظلت الولايات المتحدة وأوروبا تضغطان على الصين لتغيير وضعها داخل منظمة التجارة، معتبرتين أن استمرارها في المطالبة بامتيازات الدول النامية أمر غير عادل، لا سيما وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بناتج يتجاوز 18 تريليون دولار.

وفي حين استخدم هذا الوضع كمبرر لفرض تعريفات جمركية على السلع الصينية، فإن بكين كانت ترد دومًا بأن الفجوة بين مدنها الساحلية المتقدمة ومناطقها الريفية الشاسعة، إلى جانب تدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، لا يزال يضعها في خانة الدول الساعية للتنمية، وليس الدول المتقدمة.

اقتصاد الصين

الاقتصاد في أرقام.. هل الصين دولة نامية فعلًا؟

رغم ناتجها القومي الضخم، فإن الأرقام تقدم وجهًا آخر:

  • نصيب الفرد من الناتج المحلي في 2024 بلغ حوالي 13,500 دولار، أي دون مستوى الدول المتقدمة.
  • في الريف الصيني، دخل الفرد أقل بنسبة 60% من سكان المدن.
  • حوالي 600 مليون صيني لا يزالون يعيشون بأقل من 143 دولارًا شهريًا.

معظم المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، تصنف الصين كـ"اقتصاد ناشئ" أو "دولة ذات دخل متوسط أعلى".

إذن، من منظور اقتصادي بحت، تبدو حجة الصين منطقية إلى حد ما، إلا أن النظام التجاري العالمي لا يتعامل فقط بالأرقام بل أيضًا بالمكانة والقدرة على التأثير.

اقرأ أيضًا:

بكين وواشنطن، هدنة مؤقتة أم صدام مؤجل لتغيير ملامح النظام العالمي

تأثيرات القرار على النظام التجاري

قرار الصين، وإن لم يقترن حتى الآن بإجراءات قانونية داخل المنظمة، قد يفتح الباب أمام، إعادة تعريف من هي الدولة النامية، وبدلاً من التصنيف الذاتي، قد يعتمد على مؤشرات واضحة مثل نصيب الفرد من الناتج، أو حصة الدولة في التجارة العالمية.

تقليص الامتيازات العشوائية، لا سيما للدول الكبرى مثل الهند أو البرازيل، التي تواجه ضغوطًا مشابهة، وانفتاح الأسواق الصينية بشكل أوسع أمام المنافسة، ما قد يجذب الاستثمارات، لكنه في الوقت ذاته يفرض ضغوطًا على القطاعات المدعومة مثل الزراعة.

الصين

الردود الدولية.. ترحيب وتحفظ

بينما سارعت واشنطن وبروكسل إلى الترحيب بالخطوة واعتبرتاها بداية حقيقية لإصلاح منظمة التجارة، جاء رد الدول النامية أكثر حذرًا. 

فالكثير منها يخشى أن يؤدي تخلي الصين عن الامتيازات إلى إضعاف موقف الجنوب العالمي في المفاوضات المقبلة، وخلق سابقة تستخدم لاحقًا للضغط على اقتصادات نامية أخرى.

اقرأ أيضًا:

في قلب الصراع بين واشنطن وبكين، سباق التسلح يبدأ بمغناطيسات المعادن النادرة

بين الدبلوماسية والمصالح.. الصين في مفترق طرق

صحيح أن بكين أعلنت بوضوح أنها ستظل دولة نامية، إلا أن قرارها الأخير قد يفهم دوليًا كتنازل للغرب، خصوصًا إذا لم يترافق مع سياسات داعمة للدول الأفقر، أو مبادرات ملموسة لتعزيز التعاون بين دول الجنوب.

في المقابل، قد تستخدم الصين هذه الخطوة لتوسيع نفوذها في منظمة التجارة العالمية، والظهور كمحرك لإصلاحها، خاصة أنها باتت تدرك أن اللعبة لم تعد في مصلحتها كما كانت خلال العقدين الماضيين.

اقتصاد الصين

خطوة رمزية أم بداية لتغيير حقيقي؟

ما زال القرار في مرحلته الرمزية، دون ترجمة قانونية ملزمة داخل منظمة التجارة، ومع ذلك، فإن رمزيته لا تقل أهمية عن مضمونه. 

فإذا استثمرت الدول هذا التحول لإعادة هيكلة المنظمة على أسس عادلة وشفافة، فقد نكون أمام بداية حقبة جديدة من التجارة الدولية، تتجاوز ثنائيات "النامي والمتقدم" نحو مقاربات أكثر واقعية.

أما إذا ظل النظام كما هو، فإن خطوة الصين ستبقى مجرد ضوء خافت في نفق طويل من التفاوتات والامتيازات غير المتكافئة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search