الأربعاء، 27 أغسطس 2025

07:44 ص

من الطفرة إلى الانهيار.. كيف تحولت إيفرجراند إلى كابوس يطارد الاقتصاد العالمي؟

الأربعاء، 27 أغسطس 2025 12:31 ص

إيفرجراند العملاق العقاري الصيني

إيفرجراند العملاق العقاري الصيني

عندما توجت شركة إيفرجراند الصينية نفسها كواحدة من أكبر مطوري العقارات في العالم، كان كل شيء يوحي بأن نجاحها سيستمر بلا حدود، فهي تمتلك أصولًا تتجاوز 350 مليار دولار، وتدير قرابة 800 مشروع داخل الصين وخارجها، وتشغل أكثر من 123 ألف موظف، وتتعامل مع مئات البنوك والمؤسسات المالية. 

إيفرجراند 

لكن ما حدث خلال السنوات الأخيرة قلب المعادلة رأسًا على عقب، ليجعل من إيفرجراند عنوانًا لانهيار عقاري غير مسبوق، وجرس إنذار يهدد ثاني أكبر اقتصاد في العالم بالركود العميق، بل وربما ينذر بأزمة مالية عالمية جديدة.

 جذور الأزمة.. فخ الديون والنمو الوهمي

الخلل لم يبدأ أمس، فمنذ أكثر من عقد، اعتمدت الشركة على الاقتراض المفرط لتمويل توسعات ضخمة، في وقت كانت فيه سوق العقارات الصينية في أوج ازدهارها. 

قفزت قيمة سهم إيفرجراند ست مرات بين 2009 و2018، ومعها تضاعفت ثقة المستثمرين والممولين، إلى أن تحولت الشركة إلى ما يشبه آلة ديون، لتصل إلى ما يقرب من 305 مليارات دولار التزامات مالية متراكمة، منها قروض قصيرة الأجل موجهة لمشاريع طويلة الأمد، ما جعلها غير قادرة على موازنة التدفقات النقدية.

الأزمة لم تكن مجرد سوء إدارة، بل انعكاس لخلل هيكلي في الاقتصاد الصيني نفسه، حيث يمثل قطاع العقارات نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي أي 15 تريليون دولار، وأي خلل في هذا القطاع لا يضرب الشركات وحدها، بل يمتد إلى البنوك، والموردين، وحتى القدرة الشرائية للمواطنين.

العقارات الصينية

من الركود إلى السقوط

منذ 2018، بدأ سوق العقارات الصيني يدخل مرحلة ركود، بفعل التشدد الحكومي في منح القروض وكبح جماح المضاربات، وجاءت بعدها جائحة كورونا لتضاعف المعاناة، مع توقف المشاريع وتراجع الطلب. 

ورغم محاولات إيفرجراند إنعاش المبيعات عبر خفض أسعار الوحدات بنسبة وصلت إلى 30%، إلا أن الثقة كانت قد تلاشت. 

وبدأ المستثمرون والأسر الصينية في التخلص من ممتلكاتهم العقارية، فيما تهاوى سهم الشركة في البورصة بنسبة 85% منذ مطلع 2021، وصولًا إلى شطبها من بورصة هونج كونج في يناير 2024، بعد صدور حكم قضائي بتصفيتها.

 

اقرأ أيضًا:

انهيار «إيفرجراند»، «الفقاعة» تقترب بعد سقوط إمبراطورية العقارات الصينية

أرقام مفزعة.. من المجد إلى الإفلاس

ما تعكسه الأرقام لا يقتصر على إفلاس شركة، بل يكشف عن انهيار شامل لنموذج اقتصادي كان يُنظر إليه طويلاً كركيزة للنمو. 

فقد تراجعت القيمة السوقية للشركة من 51 مليار دولار في عام 2017 إلى 282 مليون دولار فقط في عام 2024، في حين تجاوزت ديونها 305 مليارات دولار موزعة بين 120 بنكًا صينيًا و129 مؤسسة مالية دولية، ما يعكس تشابكًا ماليًا عالميًا خطيرًا. 

ومع أصول قابلة للبيع لا تتجاوز 255 مليون دولار تمت مصادرتها خلال 18 شهرًا من التصفية، تصبح فرص الإنقاذ معدومة. 

أما الخسائر الاجتماعية فهي كارثية، إذ حُرم 1.5 مليون عميل من استلام وحداتهم السكنية، وتهدد الأزمة ملايين العمال في سلاسل الإمداد والتشييد بالبطالة، حيث يعمل لدى عملاق العقارات الصينى، أكثر من 123 ألف عامل، ولديه محفظة أراضي تقدر بنحو 231 مليون متر مربع، ما يحول الأزمة من مجرد تعثر مالي إلى زلزال اقتصادي واجتماعي واسع النطاق.

العقارات الصينية

التداعيات.. أزمة تتجاوز حدود الصين

انهيار إيفرجراند ليس حدثًا محليًا، بل صاروخ ينطلق نحو الاقتصاد العالمي، بدايةً بالبنوك الصينية التي تواجه ضغوطًا غير مسبوقة، وانعكاس ذلك على قدرتها  بتمويل قطاعات أخرى. 

ومرورًا بالمؤسسات المالية العالمية التي أقرضت الشركة أو اشترت سنداتها، والتي تقف على حافة خسائر هائلة، وحتى الموردون في مجالات الحديد، اولأسمنت، والأثاث، ومواد البناء ينهارون تباعًا.

الصدمة أيضًا تضرب الثقة الاستثمارية، فالقطاع العقاري كان يعتبر لعقود الملاذ الآمن للاستثمار، لكنه اليوم يظهر كقطاع محفوف بالمخاطر، يعيد للأذهان شبح أزمة الرهن العقاري الأمريكية 2007 – 2008 التي فجرت الأزمة المالية العالمية.

اقرأ أيضًا:

أكبر شركة عقارات في الصين تواجه أزمة عاصفة ومصير مجهول يهدد استمراها

 بكين.. بين المسكنات والحلول المستحيلة

الحكومة الصينية وجدت نفسها أمام معضلة، من جهة، إنقاذ إيفرجراند قد يكلف مئات المليارات ويشكل سابقة محفوفة بالمخاطر، ومن جهة أخرى، تركها تنهار يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، خاصة مع ملايين المواطنين الذين يرون مدخراتهم تتبخر. 

حتى الآن، اكتفت السلطات بسياسة المسكنات، عن طريق ضخ سيولة محدودة، وتقديم تسهيلات في الإقراض، ومحاولات لإعادة هيكلة الديون، لكن غياب الحل الجذري يعني أن الأزمة قد تطول لسنوات، فيما ذهب البعض إلى استمرار الركود العقاري لعقد كامل.

العقارات الصينية

الرسالة الأعمق.. نهاية عصر العقارات الصينية على الأبواب

قصة إيفرجراند ليست مجرد إفلاس شركة، بل إعلان عن نهاية حقبة، قطاع العقارات الذي كان يشكل العمود الفقري للنمو الصيني، لم يعد قادرًا على الاستمرار بنفس الزخم. 

سياسات تنظيم الأسرة، وتباطؤ النمو السكاني، وتغير أولويات الاستهلاك، جميعها عوامل تقلل من الطلب المستقبلي على المساكن.

هذا التحول قد يدفع الصين لإعادة هيكلة اقتصادها باتجاه قطاعات أكثر استدامة مثل التكنولوجيا الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، لكن هذه العملية ستكون مؤلمة وبطيئة، ولن تعوض بسهولة الانهيار المفاجئ في أحد أكبر القطاعات الاقتصادية.

اقرأ أيضًا:

ناطحات السحاب الصينية، فقاعة عقارية تطفئ بريق ثاني أكبر اقتصاد بالعالم

 الدروس المستفادة من إيفرجراند إلى العالم

  • الاعتماد على الديون سلاح ذو حدين، والنمو السريع قد يخفي ورائه هشاشة قاتلة.
  • التوسع غير المدروس قد ينقلب إلى عبء، وأن المشاريع الضخمة بلا تمويل مستدام تتحول إلى فخ.
  • كما أن الثقة أهم من الأصول، وحين تنهار الثقة، لا تنقذ الأرقام الضخمة الشركات.

الأزمات محلية بطبيعتها، لكن عابرة للحدود في آثارها، ما يحدث في الصين قد ينعكس على البورصات العالمية من وول ستريت حتى لندن، بل ويطول العالم بأكمله ويدفعه نحو الهاوية.

سوق العقارات الصيني

إيفرجراند ليس مجرد سقوط عملاق عقاري

انهيار إيفرجراند ليس مجرد سقوط عملاق عقاري، بل زلزال اقتصادي يكشف هشاشة النموذج الصيني القائم على العقارات والديون. 

إنه تذكير قاسي بأن كل طفرة عقارية تحمل في طياتها بذور أزمة مستقبلية، وأن العالم بأسره يظل عرضة لعدوى الانهيارات في عصر العولمة المالية.

ويبقى السؤال، هل تكون إيفرجراند آخر العمالقة المنهارة؟ أم أننا على أعتاب سلسلة انهيارات أخرى قد تعيد مشهد 2008 بنسخة صينية؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search