هل تحمي حوافز بكين الصناعة الصينية من شبح الانكماش؟
الخميس، 03 يوليو 2025 08:03 ص

النشاط الصناعي الصيني
وسط تعقيدات المشهد الاقتصادي العالمي، وتباطؤ الطلب الداخلي والخارجي، يقف قطاع التصنيع الصيني اليوم أمام مفترق طرق حاسم.

فبينما يواصل النشاط الصناعي انكماشه للشهر الثالث على التوالي، وفقًا لأحدث بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن المكتب الوطني للإحصاء، تُكثف بكين من جهودها التحفيزية لتفادي ركود صناعي واسع النطاق، قد يهدد أحد أعمدة الاقتصاد الصيني الأساسية.
حوافز حكومية.. فهل تكفي؟
بلغ مؤشر مديري المشتريات الرسمي 49.7 نقطة في يونيو، منخفضًا عن عتبة الـ50 التي تفصل بين النمو والانكماش، رغم تحسن طفيف مقارنة بمايو الماضي 49.5.
ورغم هذا التراجع، ظهرت بوادر خجولة لتحسن في بعض المؤشرات الفرعية، مثل ارتفاع مؤشر الإنتاج إلى 51 نقطة، ومؤشر الطلبات الجديدة إلى 50.2، وهو ما يُعطي أملاً مؤقتًا في بداية انتعاش بطيء.
في المقابل، لا تزال المؤشرات الأخرى تعكس صورة ضبابية، إذ استمرت معدلات التوظيف والمخزون بالتراجع، كما واصلت أرباح الشركات الصناعية الانخفاض بنسبة 9.1% في مايو، وسط ضغوط تنافسية داخلية وخارجية.
لذلك، تحاول الحكومة الصينية إنعاش القطاع من خلال حزمة من الإجراءات التحفيزية، تتنوع بين تخفيضات ضريبية، وتيسير في شروط الإقراض، واستثمارات ضخمة في التكنولوجيا والبنية التحتية الصناعية، فضلاً عن إطلاق برامج دعم الاستهلاك المحلي.

مسكنات قصيرة المدى لأزمة هيكلية عميقة
رغم أهمية هذه الحوافز، فإنها لا تمس جوهر الأزمة، هذه الحوافز تعمل كمسكن للآلام دون أن تعالج جذور الأزمة البنيوية، إذ تعاني الصناعة الصينية من تحديات هيكلية مزمنة، تشمل ضعف الابتكار، وتراجع التنافسية، وتباطؤ الطلب العالمي، إلى جانب تصاعد النزعة الحمائية والعقوبات التجارية، خاصة من جانب الولايات المتحدة.
بينما تبلورت فكرة هجرة الاستثمارات بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما أدى إلى انتقال بعض خطوط الإنتاج إلى دول آسيوية مثل فيتنام والهند، التي باتت أكثر جذبًا للمستثمرين.
اقرأ أيضًا:
15 شركة صينية تخطط للاستثمار بقطاع السيارات الكهربائية في مصر
انكماش الأسعار يزيد الضغوط
مشكلة التصنيع لا تنفصل عن السياق الكلي للاقتصاد الصيني، فحالة الانكماش السعري التي تعاني منها البلاد، حيث انخفضت أسعار المستهلك في مايو بنسبة 0.1% تلقي بظلالها الثقيلة على الصناعات التحويلية.
كما أن أسعار المنتجين، التي تقيس تكلفة الإنتاج، سجلت أكبر انخفاض لها منذ يوليو 2023، مما يضغط أكثر على هوامش ربح الشركات.
ومع ضعف الاستهلاك المحلي، وارتفاع معدلات بطالة الشباب، وتراجع الطلب العقاري، تتضاءل قدرة السوق الداخلية على تعويض التباطؤ في الأسواق الخارجية، وخاصة في ظل تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 34.5% في مايو مقارنة بالعام السابق.

تفاؤل حذر في العلاقات التجاري ومكاسب جزئية للتكنولوجيا
على صعيد العلاقات التجارية، شهدت المحادثات بين بكين وواشنطن تقدمًا طفيفًا في إطار مراجعة القيود على تصدير بعض السلع الحساسة، وهو ما اعتُبر مؤشرًا إيجابيًا، ولو محدودًا، إلا أن التفاصيل لا تزال غامضة، والتوترات الاستراتيجية في ملف التكنولوجيا والمعادن النادرة لا تزال قائمة.
رغم ذلك، تُظهر بعض الصناعات المتقدمة، لا سيما في مجالات السيارات الكهربائية، والرقائق الإلكترونية، والطاقة النظيفة، مرونة نسبية.
شركات مثل BYD وCATL واصلت تسجيل طلبيات متزايدة، وافتتحت خطوط إنتاج جديدة، مدعومة بتحفيزات حكومية موجهة.
ويُعد هذا التحول نحو الصناعات التكنولوجية أحد محاور استراتيجية “صُنع في الصين 2025”، والتي تسعى إلى إعادة تعريف موقع الصين في سلاسل التوريد العالمية، بالتحول من “مصنع العالم” إلى “مُبتكر العالم”.
اقرأ أيضًا:
«موديز» تحذر: الاقتصاد الصيني على مفترق طرق بين النمو والتحديات الهيكلية
المطلوب هو إصلاحات هيكلية لا حوافز ظرفية
غير أن هذا التحول، لن يكتمل بمجرد الاعتماد على الحوافز، فالحوافز الحكومية ضرورية، لكنها لا تكفي وحدها لإنقاذ قطاع التصنيع.
وبدون إصلاحات هيكلية شاملة تعيد هيكلة الاقتصاد نحو الابتكار والإنتاجية العالية، وتوسيع الأسواق المحلية والخارجية، سيبقى التعافي هشًا وغير مستدام.
لكن التحديات الرئيسية تتمثل في ضعف ثقة المستثمرين، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتقلب السياسات التنظيمية، فضلاً عن صعوبة التنبؤ بالسياسات الجيوسياسية.

تعافي محدود وتحول قيد التشكل
في المجمل، تبدو الحوافز الحكومية وكأنها تُبقي قلب قطاع التصنيع ينبض، لكنها لا تعيد إليه عافيته، صحيح أن هناك مؤشرات إيجابية في بعض الزوايا، خاصة في الصناعات التكنولوجية، وصحيح أن تطورات العلاقات التجارية تمنح شيئاً من التفاؤل، لكن الصورة الكلية لا تزال تُظهر انكماشًا، وتراجعًا في التوظيف، وتذبذبًا في المؤشرات الأساسية.
إن مستقبل التصنيع الصيني لن يُرسم فقط من خلال القسائم الاستهلاكية أو تخفيضات الضرائب، بل من خلال قرارات استراتيجية عميقة تُعيد هيكلة النظام الإنتاجي نحو كفاءة أعلى، ومرونة أوضح، وابتكار أوسع.
وبينما تنتظر الأسواق العالمية بوادر تعافي أكثر اتساقًا، تبقى الصين أمام اختبار اقتصادي طويل الأمد، هل تستطيع تحويل الضغط إلى فرصة، والتراجع إلى انطلاقة جديدة؟ الإجابة ما زالت قيد التشكل، تمامًا كالمشهد الصناعي الصيني نفسه.
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، بالإضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ 24 ساعة، لـ أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
بعد "فضيحة خداع المستهلكين"، «شي إن» تواجه تضييق أوروبي لـ"الأزياء السريعة"
03 يوليو 2025 05:47 م
كيف تُزعزع سياسات ترامب مكانة واشنطن الاقتصادية؟
03 يوليو 2025 07:11 ص
«الدارك ويب», جريمة منظمة في قلب الاقتصاد الرقمي
03 يوليو 2025 02:20 ص

أكثر الكلمات انتشاراً