السبت، 21 يونيو 2025

10:42 م

الصين بين دعم إيران ومخاطر الحرب، مصالح الطاقة تٌقيد طموحات بكين الجيوسياسية

السبت، 21 يونيو 2025 03:05 م

الصين تدعم إيران

الصين تدعم إيران

مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط بعد اندلاع المواجهة بين إسرائيل وإيران، تبدو بكين حريصة على اتخاذ موقف محسوب، يجمع بين الخطاب الداعم لطهران والحذر الاستراتيجي من الانخراط العسكري المباشر. 

الحرب بين إسرائيل وإيران

وفي وقت يكثف فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي عاد إلى الواجهة السياسية ضغوطه على إيران، تٌبدي الصين تمسكًا صارمًا بسياسة عدم التدخل، التي باتت حجر الزاوية في تحركاتها الدبلوماسية الخارجية.

ورغم الإدانات الرسمية للهجوم الإسرائيلي على إيران، لم تقدم بكين حتى الآن أي دعم عسكري أو لوجستي لطهران، مكتفية بالحفاظ على وتيرة العلاقات الاقتصادية القائمة، هذا التوازن الحذر يعكس حسابات معقدة تتداخل فيها المصالح الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية.

الصين توازن بين الخطاب والمصالح

في أعقاب الضربات الإسرائيلية، طالبت بكين بوقف التصعيد، ودعت إلى الحوار، مؤكدة ضرورة منع تدهور الوضع الإقليمي، لكن، على الأرض، لم تتجاوز المساعدات الصينية لإيران حدود التعاون الاقتصادي والاستمرار في استيراد النفط، رغم العقوبات الأمريكية.

إن الصين ربما تقدم دعمًا اقتصاديًا وخطابيًا، لكنها لن تُخاطر بتورط عسكري فعلي، والسبب واضح، بكين لا تريد استعداء واشنطن أو تعريض أمن طاقتها للخطر في وقت يمر فيه الاقتصاد الصيني بمرحلة دقيقة.

اقرأ أيضًا:

تحالف تكتيكي أم محور استراتيجي؟ اتفاق ثلاثي بين روسيا والصين وإيران

عقيدة عدم التدخل حجر أساس السياسة الخارجية

بخلاف الولايات المتحدة التي اعتادت التدخل العسكري في مناطق الصراع البعيدة عن أراضيها، تبنت الصين نهجًا مغايرًا يقوم على النفوذ الاقتصادي وتفادي الاشتباك العسكري. 

هذا النموذج جعلها أكثر قبولاً في دول الجنوب العالمي، حيث تُفضل بكين تقديم القروض والمشاريع التنموية على التدخل السياسي العسكري، إلى جانب سعيها في وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب أثناء النزاعات العسكرية.

سلوكها الحالي تجاه إيران يشبه إلى حد بعيد موقفها من روسيا في أزمة أوكرانيا، حيث امتنعت عن تسليح موسكو بشكل مباشر رغم دعمها الخطابي والدبلوماسي، حتى مع حليفها القديم باكستان، التزمت الصين التهدئة خلال أسوأ اشتباك مع الهند منذ عقود.

النفط الإيراني

النفط.. الخيط الرفيع في معادلة بكين

تعتمد الصين بشكل كبير على النفط المستورد، ويُعد استقرار تدفق الطاقة من الخليج العربي مسألة أمن قومي، لذلك، فإن أي تصعيد في الحرب يهدد الإمدادات عبر مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 45% من واردات الصين النفطية.

إن الصين قد تعوض أي نقص في النفط الإيراني من مصادر أخرى ضمن تحالف أوبك+، إلا أن هذا الخيار يبقى محفوفًا بالمخاطر، خصوصًا في حال اتساع رقعة الصراع.

فعليًا، بدأت بكين بالفعل في تقليص وارداتها من النفط الإيراني خلال الأسابيع الأخيرة، مع تزايد القلق من العقوبات الثانوية الأمريكية، وتراجعت التدفقات إلى نحو مليون برميل يوميًا في مايو، وهو أدنى مستوى منذ ثلاثة أشهر.

 

اقرأ أيضًا:

الصين تبني تحالفات اقتصادية جديدة في ظل غياب القيادة الأمريكية

العلاقات مع إيران.. عمق استراتيجي أم تحالف هش؟

رغم انضمام إيران إلى تكتلات مدعومة من بكين، مثل "منظمة شنغهاي للتعاون" و"بريكس"، تظل العلاقات بين البلدين غير متكافئة، تمثل إيران أقل من 1% من إجمالي التجارة الصينية، في حين تعتمد طهران بشكل كبير على السوق الصينية كمصدر رئيسي للتجارة والنفط.

أما الاتفاقية الاستراتيجية التي وُقعت في 2021، والتي تحدثت تقارير عن تعهدات استثمارية صينية بـ400 مليار دولار، فما زال تنفيذها يمضي ببطء، ويبدو أن بكين تعتبر إيران شريكًا طاقويًا يمكن استبداله، وليست ركيزة لا غنى عنها في سياستها الخارجية.

الرئيس الصيني شي جين بينغ

الوساطة خيار نظري بلا أدوات فعالة

رغم عرض الرئيس الصيني شي جين بينغ بلعب دور الوسيط، فإن فرص نجاح الصين في هذا المسار تبقى محدودة، إسرائيل، التي تنتقد موقف بكين الداعم للقضية الفلسطينية، قد ترفض أي وساطة صينية، كما تفضل بكين العمل من خلال أطر متعددة الأطراف بدل لعب دور الطرف الرئيسي.

إن الوساطة تحتاج تعاونًا من أطراف الصراع، والتخلي عن العند، والجلوس على طاولة التفاوض، وهو ما يصعب تحقيقه دون دعم واشنطن.

اقرأ أيضًا:

ترامب: سأمهل إيران أسبوعين ومن الصعب إقناع إسرائيل بوقف الغارات الجوية

هل سقوط إيران تهديد استراتيجي لبكين؟

في الداخل الصيني، عبرت أصوات قومية عن قلق متزايد من احتمالية سقوط النظام الإيراني، ومثل هذا السيناريو سيكون كارثة جيوسياسية، لأنه يقوض مبادرة الحزام والطريق، ويهدد أمن الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ويعيد للولايات المتحدة اليد الطولى في السيطرة على نفط الشرق الأوسط.

لكن، ورغم هذه التحذيرات، تظل أولويات بكين واضحة، الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتأمين إمدادات الطاقة، دون الانزلاق في نزاعات مباشرة مع واشنطن أو التورط في صراعات لا يمكن توقع مآلاتها.

الصين وإيران

الربح في الحياد

في الوقت الذي يزداد فيه استقطاب الشرق الأوسط، تُفضل الصين البقاء في المنطقة الرمادية، لا دعم عسكري لطهران، ولا انحياز لإسرائيل، بل خطاب تهدئة ومناورات دبلوماسية هادئة خلف الكواليس.

ورغم ما قد يبدو موقفًا باهتًا، إلا أن هذا الحياد المدروس يخدم مصالح بكين الاقتصادية والسياسية في عالم تتسارع فيه الأزمات الجيوسياسية، فبالنسبة للصين، الربح الحقيقي لا يأتي من كسب الحروب، بل من تفاديها.

Short Url

showcase
showcase
search