السبت، 21 يونيو 2025

08:14 م

تحالف تكتيكي أم محور استراتيجي؟ اتفاق ثلاثي بين روسيا والصين وإيران

السبت، 21 يونيو 2025 11:55 ص

روسيا والصين وإيران

روسيا والصين وإيران

تُعد العلاقة بين روسيا والصين وإيران واحدة من أكثر الظواهر الجيوسياسية إثارة للجدل في النظام الدولي الراهن، فمنذ تصاعد التوترات العالمية على خلفية الحرب في أوكرانيا، والتجاذب الأمريكي الصيني في بحر جنوب الصين، والمواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران، اكتسب هذا التحالف الثلاثي زخمًا متزايدًا. 

روسيا والصين وإيران

لكن، رغم المظاهر التنسيقية، يظل السؤال قائمًا، هل نحن أمام تحالف إستراتيجي فعلي أم شراكة تكتيكية عابرة يحكمها منطق البراغماتية والمصالح الظرفية؟

الالتقاء حول رفض الهيمنة الأمريكية

القاسم المشترك الأهم بين الأطراف الثلاثة يتمثل في موقفها المعارض للهيمنة الغربية، خصوصًا الأمريكية، والسعي إلى عالم متعدد الأقطاب. 

هذا الخطاب اكتسب طابعًا أكثر حدة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني 2018، وفرض عقوبات على روسيا عقب غزو أوكرانيا 2022، واشتداد التوترات الصينية الأمريكية حول تايوان وبحر الصين الجنوبي.

اقرأ أيضًا:

شرارة الحرب الكبرى.. سيناريوهات كارثية لصراع إيران وإسرائيل على الاقتصاد العالمي

غياب القاعدة القيمية أو الحضارية المشتركة

رغم التلاقي في الشعارات السياسية، تفتقر العلاقة إلى أي عمق ثقافي أو أيديولوجي، الصين دولة شيوعية رأسمالية الهوى، تخشى أي تأثير ديني أو أصولي على تركيبتها العرقية، خاصة في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة. 

وروسيا، رغم تحالفها مع إيران في ملفات مثل سوريا، لكنها تتعامل مع طهران كشريك ظرفي لا كشريك إستراتيجي متجذر.

الصراع العربي الإسرائيلي

إيران كورقة ضغط جيوسياسية

تشكل إيران بالنسبة لكل من موسكو وبكين أداة نافعة لتعقيد الحسابات الغربية، فهي تقع على خطوط تماس إستراتيجية، منها الخليج العربي، بحر قزوين، آسيا الوسطى، خطوط الطاقة، والنزاع العربي الإسرائيلي. 

كما تستفيد روسيا من تحول إيران إلى جبهة استنزاف، مما تُضعف تركيز الغرب على أوكرانيا، بينما ترى الصين فيها محورًا حيويًا ضمن مبادرة الحزام والطريق لضمان أمن الطاقة وتنوع طرق التجارة.

حدود الدعم العسكري والسياسي

ورغم أهمية طهران، لم تتجاوز روسيا أو الصين خطوطًا حمراء واضحة، لم تزودها موسكو بأنظمة إس-400، وتحرص بكين على إبقاء الدعم محصورًا في تقنيات المراقبة والبنى التحتية، تجنبًا لاستفزاز واشنطن أو حلفائها الخليجيين.

يتعامل الطرفان مع إيران باعتبارها حليفًا مفيدًا ولكن غير موثوق به بالكامل، خصوصًا في ظل مخاطر التصعيد مع إسرائيل.

اقرأ أيضًا:

إيران وإسرائيل، من حروب الظل إلى حافة الانفجار

منافسة روسية إيرانية في سوريا

منذ التدخل الروسي في سوريا 2015، بدأ التباين يظهر، فرغم دعم الطرفين لنظام الأسد، فإن النفوذ الروسي أخذ يتغلغل في المؤسسات الأمنية والاقتصادية السورية، على حساب النفوذ الإيراني التاريخي، كما تخشى موسكو من تزايد الهيمنة الإيرانية في مناطق تعتبرها روسيا جزءًا من مجالها الحيوي.

مبادرة الحزام والطريق

تحفظ صيني من التحركات الروسية والإيرانية

الصين، من جهتها، تراقب بقلق أي تحالف عسكري روسي إيراني يمتد إلى آسيا الوسطى، ما قد يعقد مبادرة الحزام والطريق، بينما تسعى بكين للهيمنة الناعمة عبر التجارة والاستثمار، وليس من مصلحتها أن تخلق حالة من عدم الاستقرار بالقرب من حدودها.

تجارة الطاقة بخصومات سياسية

تُعد إيران ثاني أكبر مزود نفطي للصين بعد السعودية، ولكن بكين تحصل على نفطها بخصم يصل إلى 30%، ما يجعل العلاقة غير متكافئة، كذلك تستغل روسيا العقوبات المفروضة عليها لزيادة صادراتها للطاقة إلى آسيا، مما يجعلها منافسًا لطهران في السوق الآسيوي.

اقرأ أيضًا:

الضربات الإسرائيلية على إيران، من تعطيل النووي إلى تغيير النظام

آليات مقاومة العقوبات وتدويل التعاملات

يعمل الثلاثي على بناء منظومة بديلة عن سويفت ونظام الدولار، باستخدام العملات الوطنية المتمثلة في الروبل، اليوان، الريال الإيراني، كما تُبنى ممرات لوجستية بديلة عبر بحر قزوين وآسيا الوسطى، ما يمنح إيران هامشًا من المناورة أمام العقوبات الغربية.

اختلال الميزان التجاري وتبعية إيران المتزايدة

رغم كل ما سبق، تبقى الصين صاحبة اليد العليا اقتصاديًا، وحجم التبادل التجاري بين الصين وإيران يتجاوز بكثير ما بين إيران وروسيا، هذه الفجوة تُكرس تبعية إيران وتُقيد استقلالها في اتخاذ قرارات إستراتيجية.

الحرب بين إيران وإسرائيل

إحجام موسكو وبكين عن التدخل

رغم تصاعد الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل ووصولها إلى استهداف منشآت إستراتيجية، اكتفت موسكو وبكين بالتعليقات الدبلوماسية، دون تقديم دعم عسكري حاسم، هذا التردد يُعزز الشعور الإيراني بأن العلاقة ليست مبنية على التزام إستراتيجي حقيقي.

المخاوف من فشل الدولة الإيرانية

موسكو وبكين تدركان أن انهيار النظام الإيراني قد يُفضي إلى فراغ إستراتيجي تعود من خلاله واشنطن بقوة إلى الشرق الأوسط، ومع ذلك، يفضل الطرفان دعم الاستقرار دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة قد تعرض مصالحهما في أوروبا أو الخليج للخطر.

اقرأ أيضًا:

ساعة القيامة تدق، هل تفتح المواجهة الإيرانية الإسرائيلية أبواب الجحيم النووي؟

إستراتيجية الإنهاك غير المباشر للولايات المتحدة

هذا التحالف غير المعلن يتبنى إستراتيجية واضحة تقوم على إنهاك النفوذ الأمريكي في عدة جبهات دون التصادم المباشر:

  • روسيا تُحرك ملفات إيران وسوريا لتشتيت انتباه واشنطن عن أوكرانيا.
  • الصين تستفيد من كل انشغال أمريكي لتعزيز مواقعها التجارية ومبادرتها الجيوسياسية الكبرى.
  • إيران تفرض تكلفة جيوسياسية على واشنطن عبر تحريك أذرعها في العراق ولبنان واليمن، ما يجعلها ورقة ضغط دائمة في الإقليم.
الصراع بين إيران وإسرائيل

السيناريوهات المستقبلية للعلاقة

1. الاستمرار التكتيكي

السيناريو المرجح هو استمرار التحالف بشكله الحالي، من حيث تنسيق سياسي، تعاون اقتصادي محدود، مع تجنب أي التزام أمني عميق، ولذلك تبقى إيران ورقة مفيدة لكنها قابلة للتخلي.

2. الدعم الاضطراري

في حال انهيار الوضع الإيراني كليًا، قد تُضطر موسكو وبكين إلى ضخ دعم عاجل لإنقاذ النظام من السقوط، ولكن ضمن هامش حذر لتفادي حرب كبرى.

3. تفكك التحالف

إذا أعادت إيران تموضعها تجاه الغرب من خلال مفاوضات نووية جديدة، أو في حال تغير نظامها الداخلي، فإن موسكو وبكين لن تترددا في التراجع، ما يفضح الطبيعة المصلحية للعلاقة.

اقرأ أيضًا:

من النفط إلى حقول البستاشيو، كيف تحول اقتصاد إيران إلى محور حرب إقليمية؟

موسكو وبكين

تحالف المصالح لا المبادئ

العلاقة بين روسيا والصين وإيران، رغم مظاهر القوة والتنسيق، تقوم على مزيج هش من البراغماتية، تقاطع المصالح الظرفية، ومحدودية الالتزام المتبادل. 

لا يمكن وصفها بتحالف إستراتيجي متين، بل هي أقرب إلى جبهة مقاومة غير متماسكة تواجه الهيمنة الأمريكية دون رؤية موحدة، أو ضمانات ثقة طويلة الأمد.

ولذلك، يبقى مصير هذا المحور مرتبطًا بتطورات الإقليم وسلوك واشنطن، أكثر من كونه معتمدًا على ثوابت داخلية بين أطرافه.

Short Url

search