بين الصين وأمريكا، أبل تلعب على حبل السياسة والتقنية
السبت، 17 مايو 2025 03:42 م

أبل بين الصين وأمريكا
تحليل/ ميرنا البكري
وجدت شركة أبل نفسها في ورطة كبيرة، بعد محاولات في المحافظة على مكانتها في السوق الصيني الذي يشكل حوالي 20% من مبيعاتها، كما تواجه من جانب آخر غضبًا وقلقًا من إدارة ترامب والكونجرس، بسبب شراكة مرتقبة مع شركة "علي بابا" الصينية؛ تهدف إلى تقديم مزايا ذكاء اصطناعي لمستخدمي آيفون في الصين.
الظاهر إنها شراكة تقنية عادية، لكن أصبحت الآن لها بعد سياسي وأمني كبير، واختبار حقيقي لقدرة الشركات الأمريكية على التوازن بين السوق والمصالح القومية في عصر الذكاء الاصطناعي.

أبل تبحث على موطئ قدم في السوق الصيني
الصين ليس سوق صغير لأبل، بل بالعكس فهذه ثاني أكبر سوق لها بعد أمريكا، لأن تراجع حصتها من 19% سنة 2023 إلى 15% في 2024م، معناه أنها تخسر فعليًا أمام منافسيين محليين مثل هواوي وشاومي، والسبب الأساسي في ذلك، هو أنهم يوفرون مزايا ذكاء اصطناعي متقدمة ومتوافقة مع القوانين الصينية، في الوقت الذي تعاني فيه الدولة الأسيوية من عدم وجود خدمات “OpenAI” ، حيث قررت أبل أن تبحث عن شريك محلي، ولم تجد غير"علي بابا" مناسبًا للعب الدور.
اقرأ أيضًا: «أبل» تخطو نحو الاستقلال الصناعي، خطة لتوطين سلسلة التوريد داخل أمريكا
«أبل»: رسوم ترامب الجمركية ستكبد الشركة 900 مليون دولار
علي بابا، فرصة لأبل أم تهديد لأمن أمريكا؟
هنا تبدأ الأزمة، فعلي بابا شركة تكنولوجية عملاقة في الصين، لكن من وجهة نظر واشنطن، هي جزء من "الدمج المدني-العسكري" الذي يعتمده الحزب الشيوعي الصيني، ما يعني أن الشركات في ظاهرها تجارية، لكن في الباطن تخدم أهدافًا أمنية وعسكرية لـ “بكين”.
وحذر الكونجرس من جانبه وكذلك أعضاء لجنة الصين، من أن هذه الشراكة، قد تفتح الباب لنقل بيانات حساسة من آبل لعلي بابا، ومن ثم للحكومة الصينية، ويكأن أبل تسلم مفاتيح بيتها لـ “بكين”.
اقرأ أيضًا: التطبيق الأعلى تصنيفًا «Qwen3» من علي بابا يتصدر فئة النماذج مفتوحة المصدر

البيت الأبيض يضع الصفقة تحت الميكروسكوب
وحاليًا، الصفقة تحت المراقبة المباشرة من البيت الأبيض، والكونجرس حيث يستمر في الضغط، كما أن ممثلي أبل لا يستطيعون أن يجيبوا بشكل حاسم عن الأسئلة المتعلقة بقوانين الرقابة الصينية، التي قد تفرض على تلك الشراكة، ما جعل السياسيين يرفعون درجة التحذير، ليصل الأمر للتلويح بحظر التعامل مع علي بابا، مثل ما حدث مع “هواوي”سابقًا.
حسابات أبل، بين المنافسة التجارية والأمن القومي
ومن وجهة نظر أبل، فإن الشراكة مع علي بابا ليست على الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا على التسويق والتوزيع في الصين، حيث تملك علي بابا منصات تجارة إلكترونية ضخمة مثل "تاوباو" و"تي مول"، وهي بوابة مهمة جدًا لأي مُنتِج يريد أن يصل للمستهلك الصيني.
فإذا تم إلغاء الصفقة، فإن أبل قد تخسر في الجبهتين، حيث إنها لا تمتلك مزايا تنافسية في الذكاء الاصطناعي، أو قنوات بيع قوية في الصين، ما ينعكس فورًا على أرقام المبيعات وحصة السوق.
ترامب، من الهند للصين “أبل تحت النار”
الضغط لن يأتي من الصفقة فقط، لكن أيضًا من قرارات أبل بنقل بعض خطوط الإنتاج للهند، والتي استفزت ترامب الذي يريد "صنع في أمريكا" تعود مرة أخرى للواجهة، وتواجه الشركة الآن انتقادات سياسية على أكثر من جبهة، ما يؤثر على سمعتها، لكن أيضًا على ثقة المستثمرين وعلى سعر سهمها.
هل الذكاء الاصطناعي أصبح أداة حرب؟
في خلفية المشهد، أمريكا ترى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة ترفيه أو تحسين خدمات، لكنه عنصر استراتيجي قد يحدد من الأقوى اقتصاديًا وعسكريًا في المستقبل، حيث أن مراكزًا بحثيةً في أمريكا، تحذر من أن أي دعم لشركات صينية في هذا المجال، قد يمكن أن يعجل بتفوقهم، ما يهدد أمن أمريكا القومي.
اقرأ أيضًا: بيربلكسيتي ضد OpenAI، معركة السيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي تبدأ
توقعات، أبل قد تلجأ لخيار ثالث
وفي ظل ذلك الوضع، من المتوقع أن تحاول أبل أن تجد حلًا وسطًا، فقد تطور نموذج ذكاء اصطناعي داخلي مخصص للسوق الصيني، أو تعتمد على شريك آخر ليس عليه نفس القدر من التدقيق السياسي، لكن من المؤكد أن الوضع الحالي سيؤثر على قرارات الشركات الغربية كلها، الأمر الذي سيدفعها لتعيد حساباتها.

ختامًا، وضعت شراكة أبل وعلي بابا الشراكة في قلب معركة سياسية واقتصادية عميقة، فالموضوع الآن ليس مجرد صفقة تقنية، بل أصبح انعكاسًا لحرب باردة جديدة حول من سيمتلك مستقبل الذكاء الاصطناعي، ما بين ضغوط السوق الصينية وقيود الأمن القومي الأميركي، حيث نشهد محاولات أبل في التوازن على حبل مشدود، كما أن قراراتها في الفترة المقبلة، لن تؤثر على الشركة فقط، لكن أيضًا على مستقبل التعاون بين أمريكا والصين في واحدٍ من أخطر وأهم مجالات العصر الحالي.
Short Url
من التحديات للفرص، 8 حلول تجعل المرأة شريك اقتصادي حقيقي
15 مايو 2025 04:19 م
«عودة تسلا إلى نادي التريليون» بين الحقائق القاتمة والحماسة السوقية الزائدة
15 مايو 2025 03:20 م
أوبك تلعبها بحذر، تثبيت توقعات الطلب على النفط رغم انخفاض النمو الاقتصادي العالمي
15 مايو 2025 02:03 م


أكثر الكلمات انتشاراً