-
الدولار يرتفع إلى 98.55 والأسواق تنتظر قرارات بنوك إنجلترا وأوروبا واليابان
-
رئيس الوزراء يكتب: الدّيْن بين لحظة الذروة ومسار التصحيح، كيف تقرأ الدولة عبء اليوم؟
-
المركزي الأوروبي يُثبت الفائدة ويرفع توقعاته للنمو والتضخم
-
البنك المركزي يطلق مبادرة "مصر معاكم" لرعاية أبناء شهداء العمليات الحربية والإرهابية
دكتور محمد عسكر يكتب: كيف انحرفت السوشيال ميديا عن دورها الحقيقي؟
الخميس، 18 ديسمبر 2025 11:50 ص
دكتور محمد عسكر استشاري نظم المعلومات والأمن السيبراني
دكتور محمد عسكر إستشارى نظم المعلومات والأمن السيبرانى
لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي، عند ظهورها، مجرد ابتكار تقني عابر، بل قُدِّمت بوصفها فتحاً جديداً في تاريخ العلاقات الإنسانية، مساحات مفتوحة للجميع، بلا جهات رقابية، وبلا سلطة مركزية تتحكم فيما يُقال أو يُنشر، كان الوعد كبيراً: تفاعل أكثر قرباً من الإنسان، ومعرفة أكثر ديمقراطية، ومجال عام جديد يشارك في تشكيله الجميع، لكن بعد سنوات قليلة، يبدو أن هذا الوعد قد تعرّض لاختبار قاسٍ، وربما لانقلاب كامل على جوهره.
اليوم، يصعب إنكار أن السوشيال ميديا ابتعدت كثيراً عن أهدافها الأولى، فبدلاً من أن تكون ساحات للحوار، تحولت في كثير من الأحيان إلى منصات للصخب، حيث يعلو الصوت لا الفكرة، وتُكافأ الإثارة لا المعنى، لم يعد السؤال المطروح: ماذا نريد أن نقول؟ بل: كيف نلفت الانتباه؟ هذا التحول لم يكن عفوياً، بل جاء نتيجة مباشرة لتحكّم منطق السوق في بنية هذه المنصات.
مع صعود الإعلانات الرقمية، أصبح انتباه المستخدم هو السلعة الأكثر قيمة، كل نقرة، كل تعليق، كل ثانية يقضيها الفرد أمام الشاشة تُترجم إلى أرباح، وضمن هذا السياق، لم تعد جودة المحتوى معياراً أساسياً، بل قدرته على جذب التفاعل، مهما كانت طبيعته، وهكذا، بات المحتوى المثير للغضب أو الجدل أكثر انتشاراً من المحتوى الهادئ أو التحليلي، لأن الغضب أسرع انتشاراً من التفكير.
ويكفي تصفح سريع لأي منصة رقمية اليوم، حتى نلمس حجم هذا التحول في طبيعة الخطاب والمحتوى، هذا الواقع أسهم في إعادة تشكيل طبيعة النقاش العام، فبدلاً من الحوار القائم على الحجة، سادت ثقافة الاصطفاف والاستقطاب، إما أن تكون معنا أو ضدنا، إما أن تصفق أو تُهاجَم، المساحات الوسطى، التي تُعد جوهر أي نقاش صحي، تراجعت لصالح ثنائيات حادة لا تترك مجالاً للفهم أو المراجعة.
لكن هل هذا هو الدور الذي وُلدت من أجله هذه المنصات؟ مع مرور الوقت، تحولت السوشيال ميديا من أداة لتوسيع الأفق إلى وسيلة لتكريس الانغلاق، كل طرف يعيد إنتاج خطابه داخل دوائر مغلقة، ويُقصى المختلف لا لأنه مخطئ بالضرورة، بل لأنه يهدد شعور الانتماء الرقمي الزائف لديه.
ولا يقتصر تأثير هذا التحول على الخطاب العام فقط، بل يمتد إلى الفرد نفسه، فالمستخدم لم يعد مجرد متلقٍ أو مشارك، بل أصبح مطالباً بعرض ذاته بشكل دائم، صورة، رأي، موقف، كلها تُقاس بمعايير القبول الرقمي: عدد الإعجابات، حجم المشاركات، وسرعة الانتشار، ومع هذا القياس المستمر، تتسلل مفاهيم جديدة للقيمة والنجاح، ترتبط بالظهور أكثر مما ترتبط بالجوهر.
في هذا السياق، تنتشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة بسهولة مقلقة، فالسوشيال ميديا لا تميز بطبيعتها بين الصحيح والخاطئ، بل بين ما ينتشر وما لا ينتشر، ومع غياب ثقافة التحقق، يتحول المتلقي إلى ناقل غير واعٍ، يشارك في تضليل نفسه والآخرين، دون قصد، وهنا، لا تعود المشكلة تقنية فقط، بل معرفية وثقافية في المقام الأول،
ورغم ذلك، سيكون من الظلم اختزال المشكلة في المستخدمين وحدهم، فالمنصات الرقمية تلعب دوراً حاسماً في توجيه السلوك، من خلال خوارزميات مصممة بعناية لتضخيم أنواع معينة من المحتوى على حساب غيرها، هذه الخوارزميات ليست محايدة، بل تعكس أولويات اقتصادية واضحة، تجعل من الربح غاية عليا، حتى لو كان الثمن إضعاف النقاش العام وتشويه الوعي الجمعي.
ومع كل هذا النقد، لا يعني الحديث عن انحراف السوشيال ميديا الدعوة إلى هجرها أو شيطنتها بالكامل، فما زالت هذه المنصات تمتلك قدرة حقيقية على التأثير الإيجابي، سواء في كشف قضايا مسكوت عنها، أو دعم مبادرات اجتماعية، أو توفير مساحات بديلة للتعبير، غير أن استعادة هذا الدور تتطلب وعياً جماعياً، وإعادة نظر جادة في طريقة الاستخدام، وفي مسؤولية المنصات تجاه المجتمعات التي تعمل داخلها.
في النهاية، تبقى السوشيال ميديا مرآة تعكس تناقضات عصرنا أكثر مما تصنعها، فهي تكشف هشاشة الخطاب العام، وسطحية كثير من النقاشات، لكنها في الوقت ذاته تضع أمامنا فرصة للمراجعة، فإما أن نواصل التعامل مع هذا الانحراف بوصفه أمراً طبيعياً، أو نعيد توجيه هذه المساحات من ساحات للفوضى الرقمية إلى فضاءات واعية للفهم والحوار، قبل أن يصبح الضجيج هو اللغة الوحيدة المتبقية.
هل هناك أي أخطاء لغوية أو إملائية؟
اقرأ أيضًا:
دكتور محمد عسكر يكتب: انتبه من فضلك! الأخلاق ترجع إلى الخلف
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
محمد طلعت يكتب: أنا ونجيب ساويرس وإيلون ماسك
18 ديسمبر 2025 05:03 م
المهندس فتح الله فوزي يكتب: القطاع العقاري المصري بين الفرص والتحديات
18 ديسمبر 2025 01:38 م
الدكتور تامر سعيد يكتب: سلاسل الإمداد واللوجستيات بين الأهمية والعلاقة بينها
18 ديسمبر 2025 11:30 ص
أكثر الكلمات انتشاراً