الذكاء الاصطناعي يختبر حصانة عمالقة التكنولوجيا.. هل تصمد الهيمنة أم يبدأ التفكيك؟
الأربعاء، 17 ديسمبر 2025 09:57 م
شركات التكنولوجيا الكبرى
على مدار خمسة عشر عامًا، بدت خريطة شركات التكنولوجيا الكبرى وكأنها محصنة ضد الهزات، عمالقة مثل Apple وMicrosoft وAmazon وAlphabet وMeta لم يكتفوا بالحفاظ على مواقعهم في صدارة القيمة السوقية، بل نجحوا في احتواء موجات الاضطراب التي أطاحت بقادة سابقين في عصور تكنولوجية مضت.
تقرير Bain للتكنولوجيا 2024 يصف هذه الظاهرة بوضوح، قادة اليوم تعلموا كيف يعطلون أنفسهم قبل أن يفعلها الآخرونK لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل الذكاء الاصطناعي بهذه السرعة والعمق مختلف هذه المرة؟>
الذكاء الاصطناعي.. اضطراب أسرع وأوسع من السحابة
إذا كانت الحوسبة السحابية قد أعادت تشكيل قطاع التكنولوجيا خلال العقد الماضي، فإن الذكاء الاصطناعي خصوصًا التوليدي والوكيل (Agentic) يبدو أكثر شمولًا وأسرع انتشارًا.

فبينما تركزت ثورة السحابة على طبقة التطبيقات والبنية التحتية، يمتد الذكاء الاصطناعي اليوم عبر سلسلة القيمة كاملة: من الرقائق ومراكز البيانات، إلى النماذج الأساسية، وصولًا إلى الأجهزة، ومحركات البحث، والمتصفحات.
اقتصاديًا، يعكس هذا الاتساع درجة أعلى من عدم اليقين. فكل طبقة جديدة تمثل فرصة لخلق قيمة، لكنها في الوقت نفسه نقطة محتملة لاختراق هيمنة القادة الحاليين.
التقييمات السوقية لأكبر 20 شركة تقنية (مليار دولار)

تظهر الصورة تركزًا شديدًا للقيمة السوقية في قمة قطاع التكنولوجيا، حيث تتصدر Nvidia القائمة بفارق واضح، بقيمة تقارب 4,150 مليار دولار، ما يعكس الدور المحوري لرقائق الذكاء الاصطناعي في المرحلة الحالية.
تليها Microsoft بـ 3,755 مليار دولار، وApple بـ 3,409 مليار دولار، ثم Alphabet بـ 2,560 مليار دولار، وAmazon بـ 2,403 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن موجة الذكاء الاصطناعي حتى الآن عززت مواقع العمالقة بدلًا من إزاحتهم.
اللافت أن الشركات الخمس الأولى وحدها تستحوذ على الجزء الأكبر من إجمالي القيمة المعروضة، ما يشير إلى أن اقتصاد الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة تعميق الهيمنة وليس تفكيكها، مدفوعًا بقدرة هذه الشركات على ضخ استثمارات رأسمالية ضخمة في البنية التحتية والنماذج والمنصات.
في المقابل، تكشف الصورة عن اختراقات محدودة ولكنها دالة من لاعبين جدد أو أصغر نسبيًا، وظهور OpenAI بقيمة تقارب 300 مليار دولار، رغم كونها شركة خاصة، يعكس أن خلق القيمة في عصر الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرًا على الشركات المدرجة أو العملاقة تاريخيًا.
دخول شركات مثل Palantir بـ 373 مليار دولار، وAMD بـ 263 مليار دولار، وCisco بـ 268 مليار دولار، إلى المراكز العشرين الأولى منذ 2019، يدل على أن الذكاء الاصطناعي يعيد توزيع الفرص داخل القطاع، وإن كان ذلك بشكل انتقائي، ويشهد السوق تركيزًا متزايدًا في القمة مع فتح نوافذ صعود جديدة، ما يعني أن التغيير قادم، لكنه يتم تدريجيًا وتحت سقف الهيمنة الحالية، لا على أنقاضها.

تركز القيمة لكن مع شقوق واضحة
حتى الآن، تظهر الأرقام أن كبار اللاعبين هم المستفيد الأكبر، والشركات الخمس الأكبر تستحوذ على أكثر من 70% من القيمة السوقية لأكبر 20 شركة تقنية، مقارنة بـ65% فقط قبل عام.
Nvidia وحدها قفزت قيمتها السوقية بأكثر من 800% منذ بداية 2023، مدفوعة بدورها المحوري في رقائق الذكاء الاصطناعي، هذا التركز يعكس منطقًا اقتصاديًا واضحًا، القدرة على الاستثمار الرأسمالي الضخم، فالشركات العملاقة تضخ عشرات المليارات في البنية التحتية، والمواهب، والنماذج، والتطبيقات، لتأمين مواقعها.
صعود لاعبين جدد بقيم غير مريحة
اللافت في عصر الذكاء الاصطناعي ليس فقط بقاء العمالقة، بل سرعة صعود الوافدين الجدد، وتقدر OpenAI قيمتها بنحو 300 مليار دولار، رقم يضعها نظريًا بين أكبر 15 شركة عالميًا.
Anthropic تتجاوز 60 مليار دولار، وشركات أخرى مثل Mistral وAnysphere وFigure تتراوح بين 5 و40 مليارًا.
الاقتصاد هنا لا يتحدث عن شركات هامشية، بل عن كيانات قادرة نظريًا على منافسة عمالقة راسخين، أو على الأقل انتزاع طبقات كاملة من سلسلة القيمة.
الإنفاق الرأسمالي (مليار دولار)

توضح الصورة المسار التصاعدي الحاد للاستثمارات الرأسمالية (Capex) لدى عمالقة التكنولوجيا الأربعة، Amazon وAlphabet وMicrosoft وMeta منذ عام 2009 وحتى التوقعات في 2025.
ما كان إنفاقًا محدودًا لا يتجاوز بضع مليارات قبل أكثر من عقد، تحول إلى سباق إنفاق ضخم يصل في 2025 إلى نحو 298 مليار دولار سنويًا مجتمعة، وهذا التصاعد المتسارع يعكس تحول نموذج الأعمال من شركات تعتمد على البرمجيات الخفيفة نسبيًا إلى كيانات كثيفة رأس المال، تقودها الحاجة إلى مراكز بيانات عملاقة، ورقائق متقدمة، وبنية تحتية مخصصة للذكاء الاصطناعي.
أعاد الذكاء الاصطناعي رفع حواجز الدخول بدلًا من خفضها، والقدرة على المنافسة لم تعد مرتبطة فقط بالابتكار أو جودة المنتج، بل بالقدرة على تمويل استثمارات طويلة الأجل بمليارات الدولارات.
Amazon تقود موجة الإنفاق بحكم توسع AWS، بينما عززت Microsoft وAlphabet استثماراتهما مع دمج الذكاء الاصطناعي في السحابة ومحركات البحث، في حين انتقلت Meta من شركة منصات إعلانية إلى لاعب يبني بنية تحتية حوسبية ضخمة.
تفسر هذه الأرقام لماذا ما زالت القيمة السوقية متركزة في القمة، ومن يملك القدرة على الإنفاق يملك القدرة على الهيمنة، وهو ما يجعل المنافسة في عصر الذكاء الاصطناعي أصعب بكثير على اللاعبين الأصغر، حتى لو كانوا أكثر ابتكارًا.

معركة الطبقات.. من البنية التحتية إلى التطبيق
الفرق الجوهري بين عصر السحابة وعصر الذكاء الاصطناعي هو أن المنافسة لم تعد محصورة في من يملك المنصة، بل في من يسيطر على كل طبقة.
في البنية التحتية، تظهر شركات مثل CoreWeave التي تقدم GPU-as-a-service بكفاءة أعلى وكلفة أقل، مستهدفة أحمال الذكاء الاصطناعي تحديدًا.
في النماذج، تثبت شركات ناشئة أن الابتكار لم يعد حكرًا على المختبرات العملاقة، أما في التطبيقات، فما زالت الفرصة الأكبر للاضطراب، ونجاح أدوات مثل Cursor من Anysphere يوضح أن التميز الوظيفي قد يهزم التكامل العمودي لعمالقة التكنولوجيا.
وما يزيد المشهد تعقيدًا دخول ساحات جديدة للصراع، أجهزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، متصفحات ذكية، ومحركات بحث قد تعيد تعريف بوابة الإنترنت نفسها.
قوى خارج السوق تعيد تشكيل قواعد اللعبة
إلى جانب المنافسة المباشرة، فإن هناك قوى خارج السوق تعيد تشكيل قواعد اللعبة، والتوترات الأمريكية الصينية تجزئ سلاسل الإمداد، وقد تؤدي إلى قادة إقليميين بدلًا من هيمنة عالمية، تتصاعد الضغوط التنظيمية مع دعوات لسيادة البيانات والذكاء الاصطناعي الوطني، وتتعامل الحوسبة الكمية كالمجهول زمنيًا، لكنه قد يعيد توزيع الأوراق بالكامل إذا حقق اختراقًا مبكرًا.

من الرابح؟ ومن المهدد؟
القراءة الاقتصادية لا تشير إلى سقوط وشيك لعمالقة التكنولوجيا، لكنها تؤكد أن ميزة الحجم وحدها لم تعد كافية، والحفاظ على القمة يتطلب سرعة أكبر في اتخاذ القرار، وجرأة أعلى في تعطيل نماذج أعمال ناجحة قبل أن تصبح عبئًا.
بالنسبة للشركات الناشئة، الفرصة حقيقية لكنها مكلفة، والمنافسة مع عمالقة يملكون ميزانيات دول صغيرة تعني أن النجاح يتطلب تركيزًا حادًا على مشكلة محددة، وسرعة تنفيذ، وقدرة على جذب مواهب نادرة.
الذكاء الاصطناعي لن يسقط عمالقة التكنولوجيا بين ليلة وضحاها، لكنه يفتح أكبر نافذة لإعادة توزيع القيمة منذ عقدين، وقد يحتفظ القادة الحاليون بالصدارة، لكن الخريطة لن تبقى كما هي.
في الاقتصاد الجديد، لن يكون الفوز لمن هو الأكبر، بل لمن هو الأسرع في التكيف، سواء كان شركة تريليونية أو شركة ناشئة بعدد موظفين لا يتجاوز بضع مئات.
اقرأ أيضًا:
سباق الأرباح العالمية 2025، ألفابت على القمة بـ124 مليار دولار وأرامكو تهيمن عربيا
لبناء إمبراطورية ذكاء اصطناعي، OpenAI تبرم صفقات تريليونية مع كبري شركات التكنولوجيا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
مصر تبدأ توطين صناعة مكونات طاقة الرياح لخفض الفاتورة الاستيرادية بـ 235 مليون دولار
17 ديسمبر 2025 03:30 م
سوق غذاء القطط العالمي، كيف تحول طعام أليف منزلي إلى صناعة بمليارات الدولارات؟
17 ديسمبر 2025 01:30 م
كيف تقود المدن الصغرى نمو قطاع السلع الاستهلاكية في الصين رغم تراجع ثقة المستهلكين؟
17 ديسمبر 2025 11:00 ص
أكثر الكلمات انتشاراً