كيف أعاد جيل زد تشكيل قواعد الاستثمار العالمي؟
السبت، 13 ديسمبر 2025 12:22 ص
جيل زد
شهدت أسواق المال العالمية خلال العقد الأخير، واحدة من أكبر التحولات في تاريخها الحديث، ليس بفعل مؤسسة مالية عملاقة أو طفرة اقتصادية كبرى، بل بفضل دخول جيل جديد إلى الساحة وهو جيل زد، وهو الجيل المولود بين عامي 1997 و2012، الذي جاء إلى عالم الاستثمار محملًا بثقافة رقمية خالصة، وسرعة في اتخاذ القرار، وثقة كبيرة رغم محدودية الخبرة، والأهم أنه جاء ليفرض قواعد جديدة، قلبت جزءًا كبيرًا من الأساليب التقليدية رأسًا على عقب.

جيل يبدأ مبكرًا ويمنح الأسواق دماء جديدة
وأبرز سمات هذا التحول هو السن المبكر الذي يبدأ عنده الشباب الاستثمار، فبينما انتظر جيل البومرز حتى منتصف الثلاثينيات، وجيل إكس حتى مطلع الثلاثينيات، يبدأ جيل زد الاستثمار في سن 19 عامًا فقط، وتعد هذه القفزة الزمنية لا تعني فقط دخولًا مبكرًا، بل تغيرًا جذريًا في الثقافة المالية نفسها، حيث ينظر الشباب للاستثمار باعتباره جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية، تمامًا مثل استخدام الهاتف الذكي أو التطبيقات.
وقد انعكس هذا الانخراط المبكر في الأرقام والذي يظهر في المعطيات التالية:-
- في الولايات المتحدة، يمتلك 56% من جيل زد (18–25 عامًا) استثمارات بالفعل.
- في الصين، يرى أكثر من 90% من الشباب الجامعيين، أن الاستثمار جزء محوري من التخطيط المالي.
وأعاد هذا الحضور المتزايد تشكيل قاعدة المستثمرين عالميًا، مؤديًا إلى موجة طلب جديدة على المنتجات المالية المناسبة للشباب، مثل المحافظ الصغيرة، والتداول بلا عمولات، والتطبيقات التي تتيح التعامل الفوري والسهل، لكن الجانب اللافت للنظر، أن هذا الزخم الكبير يترافق مع ضعف شديد في الثقافة المالية، فبحسب الاختبارات، تبلغ معرفة جيل زد المالية 13% فقط، وهي نسبة متدنية مقارنة بالأجيال الأكبر، أي أن الكثير من القرارات تتخذ بثقة مرتفعة، ولكن بناءً على معلومات محدودة، وهو مزيج يزيد من المخاطر داخل الأسواق.

الأصول غير التقليدية وتغير هيكل المحافظ الاستثمارية
وأحدث جيل زد، تحولًا عميقًا في مكونات المحافظ الاستثمارية، فبدلًا من المزج التقليدي بين الأسهم والسندات، يتجه الشباب نحو الأصول ذات المخاطرة العالية، وفي مقدمتها العملات المشفرة.
تشير بيانات 2024 إلى الآتي:-
- 55% من مستثمري جيل زد في أمريكا، يمتلكون عملات مشفرة، وهي نسبة أعلى من ملكيتهم للأسهم الفردية (41%).
- ثلث الجيل تقريبًا مستعد لوضع ما لا يقل عن 5% من محفظته في أصول عالية المخاطر.
- الشباب ذوو الثروات العالية، يخصصون 17% من محافظهم للأصول البديلة، مقابل 5% فقط للأجيال الأكبر.
ولا يعكس هذا التوجه فقط بحثًا عن العائد، بل تغييرًا في تعريف “الأصل الآمن”، بينما يرى المستثمر التقليدي أن السندات هي الملاذ، يرى جيل زد أن الكريبتو - رغم تقلباته - أداة أكثر وضوحًا وأسهل فهمًا، على حد تعبير أكثر من نصف المتداولين تحت عمر 44 عامًا.
تداول سريع وتحول الأسواق إلى غرفة دردشة
ويظهر الأثر الأكبر لهذا الجيل في سرعة التداول، حيث لا ينتظر جيل زد سنوات كما أنه لا يعتمد على إستراتيجية "الشراء والاحتفاظ"، بل يميل إلى المضاربة قصيرة المدى، فيما تشير البيانات إلى أن:-
- 40% من جيل زد يتفقدون محافظهم يوميًا.
- 15% منهم يقومون بتداولات يومية.
- 26% يقومون بتداول أسبوعي على الأقل.
- 43% يتداولون الخيارات بانتظام، مقارنة بـ10% فقط لمن فوق 55 عامًا.
ويزيد هذا التفاعل السريع من ضخ السيولة قصيرة الأجل في الأسواق، كما ويرفع من وتيرة التقلبات، خاصة حين تتحرك مجموعات كبيرة من الشباب خلف اتجاه واحد ينطلق من فيديو، أو تغريدة، أو توصية مؤثرٍ مالي.

وسائل التواصل الاجتماعي مركز اتخاذ القرار الجديد
وتحول الإنترنت إلى غرفة تداول عملاقة، فلم يعد القرار الاستثماري يعتمد على تقارير بحثية مطولة، أو توصيات محللين محترفين، بل على المحتوى القصير، سواءً دقيقة على تيك توك، أو فيديو سريع على يوتيوب، وفي الهند، وهي واحدة من أسرع الأسواق نموًا، يعتمد 60% من المستثمرين الشباب على وسائل التواصل لاتخاذ قرار الشراء أو البيع، فيما 49% أقروا بأن هذا الاعتماد، جعل أسلوبهم الاستثماري أكثر اندفاعًا.
وأدى هذا النمط إلى تدفق ضخم للمستثمرين الجدد، بأكثر من 120 مليون مستثمر في الهند فقط بحلول 2023، إضافة إلى ارتفاع كبير في تقييمات الشركات الهندية، حتى أصبحت الثانية عالميًا في مضاعف الربحية، وتدخل الشباب في محافظهم 10 مرات شهريًا، مقابل مرة واحدة كل شهرين للمستثمر التقليدي.
ومع دخول الذكاء الاصطناعي على الخط، أصبح المشهد أكثر تعقيدًا، وبدأت دراسات تشير إلى أن طلاب مدارس ثانوية، يستخدمون أدوات مثل شات جي بي تي لاتخاذ قرارات استثمارية، وهو ما أدى لخسائر متوسطة بلغت 500 دولار لكل متداول مبتدئ.
قنوات تداول موحدة تزيد الحركة وتخلق أنماطًا جديدة
ومن السمات الجديدة للسوق اليوم، أن التطبيقات تجمع بين كل أنواع الأصول (أسهم وكريبتو وسندات) في منصة واحدة، وهذا الدمج يعزز التنقل السريع بين فئات الأصول، فالمستثمر الشاب قد يبيع عملة مشفرة خلال دقائق ليشتري سهمًا، ثم يعود للكريبتو في اليوم التالي، وكل ذلك عبر التطبيق ذاته.
وتمثل هذه الديناميكية انتقالات سريعة لرأس المال، وتقلبات أكبر في السوق، إضافة إلى حساسية أعلى لأي محتوى فيروسي أو نصيحة عابرة.

ماذا يعني ذلك للمستقبل؟
صعود جيل زد ليس مجرد موجة مؤقتة، بل تغير هيكلي في الأسواق، ومع دخول جيل ألفا بعده، ستتضاعف ظواهر التداول السريع، والمضاربة اللحظية، والاعتماد على الخوارزميات والمحتوى القصير، وستصبح الأسواق أكثر تقلبًا بسبب حركة رأس المال السريعة، وأكثر حساسية لتأثير المؤثرين الرقميين، وأقل قابلية للتنبؤ على المدى القصير.
ولكن في المقابل، ستظل الأساسيات المالية، سواءً جودة الشركات أو التدفقات النقدية والحوكمة، هي العامل الفاصل في النجاة من موجات الصعود والهبوط، التي يقودها السلوك الجماعي، ففي عالم يتحرك بسرعة، لم تعد فيه الأسواق ميدانًا للمحترفين فقط، بل أصبح على المستثمر الحقيقي أن يعيد التمسك بالتحليل العميق، وأن يميز بين ضوضاء السوق وصوته الحقيقي، وهكذا، وبخطوات ثابتة، غير جيل زد قواعد اللعبة، وغير معها ملامح السوق لعقود مقبلة.
اقرأ أيضًا:-
بين الاتهام والدفاع.. هل يتحمل جيل زد وزر أزمات سوق العمل؟
أمام شاشات الذكاء الاصطناعي، جيل زد يترأس طاولة القيادة عالميًا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هُــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هُــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
من الاقتصاد السعودي إلى المصري، كيف أصبحت العائلات التجارية لاعبًا رئيسيًا في أسواق المال؟
10 ديسمبر 2025 05:10 م
الكشري المصري، طبق شعبي يتحول إلى أيقونة تراث إنساني على قوائم اليونسكو
10 ديسمبر 2025 03:26 م
قطاع مزدهر يضخ المليارات، كيف تتحول السياحة الطبية إلى محرك اقتصادي جاذب للاستثمار؟
10 ديسمبر 2025 01:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً