الجمعة، 05 ديسمبر 2025

10:59 م

بين الاتهام والدفاع.. هل يتحمل جيل زد وزر أزمات سوق العمل؟

الجمعة، 05 ديسمبر 2025 09:29 م

جيل زد

جيل زد

يدخل جيل زد سوق العمل في لحظة تاريخية اتسمت بتغيرات جذرية، أبرزها صعود الاقتصاد الرقمي، وتحول نماذج العمل نحو المرونة، وتراجع مركزية المكتب التقليدي كمحور للإنتاجية، ومع ذلك، لا تزال شريحة واسعة من المؤسسات تنظر إلى العمل بعقلية حقبة سابقة، تعتمد على الحضور الفيزيائي والالتزام الزمني الصارم.

وهذا التعارض البنيوي بين بيئة عمل حديثة في مضمونها وقديمة في شكلها، خلق فجوة حقيقية بين ما يقدمه الجيل الجديد من مهارات رقمية ومعرفة تقنية، وبين ما تتوقعه الإدارة التقليدية من سلوكيات وانضباط، والنتيجة هي حالة توتر تترجم إلى اتهامات أخلاقية أكثر منها اقتصادية، تحمل الجيل المسؤولية عن فجوة لم يصنعها وحده، بل تمت صناعتها بفعل تأخر المؤسسات في التكيف مع عالم يتغير بوتيرة متسارعة.

جيل زد

المرونة ليست كسلًا.. إنها محاولة لتقليل التكاليف الخفية

ويميل أرباب العمل إلى تفسير رغبة جيل زد في العمل المرن بوصفها نقصًا في الالتزام، لكن علم الاقتصاد السلوكي يقدم تفسيرًا أكثر عمقًا، كما يسعى الجيل الجديد إلى تقليل التكاليف الخفية لبيئة العمل، مثل الزمن الضائع في التنقل، والإجهاد النفسي الناتج من الروتين الصارم، وتشتت التركيز داخل المكاتب.

ونشأ هؤلاء الشباب في عالم رقمي مصمم لتقليل الاحتكاك، سواءً خدمات عند الطلب، أو معلومات فورية، أو أدوات ذكية، ولذلك ينظرون إلى الالتزام بالمكتب، بوصفه عبئًا لا علاقة له بالإنتاجية نفسها، ولا يرفض الشباب العمل، بل يرفض نموذجًا قديمًا لإدارته، كما يبحث عن علاقة أكثر عقلانية بين الجهد والنتيجة، وبين الوقت المنفق والقيمة المنتجة، وهذا التحول يعكس وعيًا اقتصاديًا أكثر من كونه انحرافًا سلوكيًا.

جيل زد

 

واقعية الجيل الجديد.. التوازن قيمة اقتصادية لا رفاهية

وعلى خلاف الأجيال السابقة التي اعتبرت العمل محور الحياة، يرى جيل زد أن التوازن بين العمل والحياة ليس رفاهية، بل ضرورة تحافظ على الاستدامة النفسية والإنتاجية على المدى الطويل، وجاء هذا الوعي نتيجة عوامل اقتصادية واضحة، من ارتفاع تكاليف المعيشة، وضغط تنافسي غير مسبوق، ومستويات أعلى من القلق النفسي في بيئات عمل أصبحت أكثر سرعة وأقل استقرارًا. 

وهذا الجيل لا يسعى إلى تقليل ساعات العمل لمجرد الراحة، بل لإعادة هندسة يومه بما يسمح بتركيز أكبر، وتعلم أسرع، ونوعية حياة أفضل، ومن منظور اقتصادي، فإن هذا السلوك لا يقلل الإنتاج، بل غالبًا ما يرفعه، لأن الوظائف الرقمية والإبداعية تتطلب عقلية متوازنة أكثر من التزام زمني جامد.

 

صدام القيم المهنية.. لماذا تتوتر المؤسسات مع جيل زد؟

ويتجسد التوتر الحالي بين الشركات والجيل الجديد في صدام بين منظومتين من القيم المهنية، منظومة تربط الالتزام بالوقت والمكان، وأخرى تربط الالتزام بالنتائج والابتكار، وتخشى المؤسسات التقليدية من فقدان سيطرتها على الموظف في حال منحه مرونة أكبر، بينما يتعامل جيل زد مع المرونة بوصفها شرطًا أساسيًا للإبداع وليس مظهرًا للتمرد. 

وهذا الصدام يتضخم بفعل ضغط الأتمتة، وتراجع صبر المؤسسات على منح الموظفين الجدد فترة تكيف طويلة، في وقت يعتبر فيه الجيل الجديد السرعة والتجربة جزءًا من ثقافته المهنية، والنتيجة هي أن الطرفين يفسران سلوك الآخر بشكل خاطئ، أرباب العمل يرونه غطرسة، وأفراد الجيل يرونها مقاومة غير مبررة للتغيير.

جيل زد

 

هل تراجع إنتاج جيل زد فعلاً؟ قراءة في اقتصاد المهارات

وتشير معظم تحليلات سوق العمل، إلى أن المشكلة ليست في ضعف إنتاجية جيل زد، بل في عدم التوافق بين مهاراته ونماذج العمل القديمة، ففي المهام التقنية والتحليلية، يظهر هذا الجيل قدرة لافتة على الإنجاز السريع، واستخدام الأدوات الحديثة بفعالية، ما يرفع إنتاجيته مقارنة بالأجيال السابقة. 

أما في المهام الروتينية أو المكررة، فتظهر المقاومة لأن الجيل لا يجد قيمة مهنية أو معرفية في أداء أعمال لا تستثمر مهاراته الحقيقية، وهذا ليس كسلًا، بل قراءة اقتصادية واقعية لجدوى الجهد المبذول، فالمؤسسات التي تبنت أدوات رقمية وجعلت المخرجات معيار التقييم، سجلت ارتفاعًا في إنتاجية هذا الجيل، ما يؤكد أن المشكلة ترتبط بالهيكل التنظيمي أكثر من ارتباطها بالأفراد.

تكلفة سوء الفهم.. خسائر اقتصادية لا يراها المديرون

سوء فهم سلوكيات جيل زد لا يخلق خلافات داخل المكاتب فقط، بل ينتج عنه خسائر اقتصادية ملموسة، وارتفاع معدل الدوران الوظيفي يرفع تكاليف التدريب والتوظيف إلى مستويات غير مسبوقة، فيما يؤدي غياب المرونة إلى عزوف المواهب الشابة عن بعض القطاعات، ما يخلق فجوات مهارية يصعب تعويضها.

وكذلك، فإن الإصرار على نماذج العمل التقليدية يقلل من قدرة المؤسسات على استثمار الابتكار الرقمي، إذ إن الجيل الأكثر إلمامًا به يشعر بالتقييد والإحباط، ومع مرور الوقت، يصبح هذا الصدام عائقًا أمام القدرة التنافسية للشركات في أسواق عالمية لا تنتظر أحدًا، وتكافئ المؤسسات التي تسبق غيرها في التكيف مع التحولات.

جيل زد

 

ملامح المستقبل.. من ينتصر؟ الحدود بين الأجيال تتغير لا تختفي

وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن السنوات القادمة، ستشهد تحولًا أكبر نحو نماذج العمل الهجينة، وإعادة تعريف الإنتاجية وفق معايير رقمية قائمة على المخرجات لا الساعات، إضافة إلى صعود موجة جديدة من القادة الذين ينتمون إلى جيل زد نفسه، وهؤلاء سيعيدون صياغة ثقافة العمل، كما فعلت الأجيال السابقة عندما وصلت إلى مواقع القرار، ومع ذلك، لن يختفي الصدام الجيلي تمامًا، بل سيعيد إنتاج نفسه مع ظهور جيل جديد يحمل قيمًا مختلفة. 

لكن ما سيبقى ثابتًا هو أن سوق العمل سيتغير أسرع من تلك الأحكام المتوارثة، وأن الجيل الذي يبدو اليوم كسولًا قد يصبح غدًا الأقدر على قيادة اقتصاد يعتمد على الابتكار لا على الانضباط الشكلي.

اقرأ أيضًا:-

أمام شاشات الذكاء الاصطناعي، جيل زد يترأس طاولة القيادة عالميًا

نايكي تغازل جيل زد بشعار جديد، تغيرات اقتصادية وتحول استراتيجي جريء

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search