الأربعاء، 03 ديسمبر 2025

03:36 م

دكتور محمد عسكر يكتب: انتبه من فضلك! الأخلاق ترجع إلى الخلف

الأربعاء، 03 ديسمبر 2025 12:58 م

دكتور محمد عسكر استشاري نظم المعلومات والأمن السيبراني

دكتور محمد عسكر استشاري نظم المعلومات والأمن السيبراني

دكتور محمد عسكر

لم يعد الحديث عن تراجع الأخلاق مجرد رأي متشائم أو نظرة سوداوية للمستقبل، بل أصبح واقعاً يلمسه كل من يتعامل بشكل يومي مع وسائل التواصل الاجتماعي ويتابع ما تبثه من قيم وسلوكيات غريبة عن منظومتنا الثقافية العربية، ولم يعد الشباب يتلقّون أفكارهم من الأسرة أو المدرسة أو حتى من الخبرات المباشرة مع الحياة، بل باتت منصات مثل فيس بوك وتيك توك وإنستجرام ويوتيوب هي المعلم الأول، والمربي الأكثر تأثيراً، والموجّه الذي يحدد ما هو طبيعي وما هو مثير للإعجاب وما هو مختلف، وللأسف، فإن كثيراً من المحتوى المنتشر اليوم لا يحمل سوى دعوات واضحة للسلوكيات المستفزة أو الغريبة، التي لا تمت لقيمنا بصلة، ولا تحترم خصوصية المجتمع ولا خصوصية الأفراد.

إن التكنولوجيا، رغم كونها أداة عظيمة للمعرفة والتواصل، تحولت في السنوات الأخيرة إلى سيف ذو حدين، بل وربما أصبح الحد السلبي هو الأشد بروزاً لدى فئة كبيرة من الشباب، ولقد سمحت منصات التواصل الاجتماعي لأي شخص بأن يصبح مؤثراً بمجرد تحقيق عدد من المشاهدات، بغض النظر عن جودة ما يقدمه أو قيمته أو أثره، وبهذا، تم تحويل الشهرة إلى هدف في حد ذاتها، وأضحى لفت الأنظار وسيلة لتحقيقها حتى وإن كان ذلك على حساب الذوق العام، أو الاحترام والأخلاق.

من الملاحظ اليوم أن كثيراً من الشباب يسعون لتقليد محتوى يعتمد على السخرية، التفاهة، التحديات الخطيرة، أو السلوكيات المتحررة التي لا تتماشى مع البيئة العربية المحافظة، ولقد أصبحت التريندات هي البوصلة الجديدة، فهي التي تحدد ما سيقوله الناس وكيف يفكرون وكيف يتصرفون، وما إن تظهر عادة جديدة حتى تُقلّد بلا وعي، ودون التفكير في آثارها الاجتماعية أو الأخلاقية.

إن الخطر الحقيقي يكمن في أن التأثير لم يعد سطحياً كما كان في السابق، ومع الوقت، تتطبع السلوكيات وتصبح جزءاً من الهوية الفردية، والشاب الذي كان في الماضي يخجل من القيام بتصرف غير لائق بات اليوم يراه عادياً، بل وربما يعتبره دليلاً على الجرأة والحداثة، وهذا التحول في المعايير القيمية يُنذر بتداعيات خطيرة على المجتمع ككل، لأنه يخلق جيلاً يفتقد القدرة على التمييز بين الحرية والفوضى، وبين التعبير عن الذات والإساءة للآخرين، وبين الإبداع والابتذال.

لقد أدت هذه الفوضى الرقمية إلى تراجع دور الأسرة في التربية، وتراجع تأثير المدرسة، وغياب القدوة الإيجابية، فالطفل أو المراهق اليوم يقضي ساعات طويلة أمام المحتوى المرئي، بينما يقضي وقتاً أقل بكثير في التفاعل مع أسرته أو ممارسة النشاطات الحقيقية التي تنمي مهاراته وقيمه، والأخطر من ذلك أن هذا المحتوى يقدم نماذج لامعة تبدو ناجحة وسعيدة، ما يدفع الشباب للاعتقاد بأن السلوكيات الغريبة أو اللاأخلاقية هي الطريق الأسرع لتحقيق القبول الاجتماعي.

إن الاستخدام السلبي للتكنولوجيا هو المسؤول الأكبر عن هذا التدهور القيمي، والانفتاح المفاجئ على ثقافات مختلفة دون وجود وعي أو أدوات نقدية جعل الشباب يتلقّون الرسائل دون غربلة، وانتشار الإعلانات والمحتوى المدفوع جعل الكثير من المؤثرين يروّجون لأنماط حياة لا تتناسب مع واقع الشباب العربي، فخلق ذلك فجوة بين ما يراه الشباب وما يستطيعون تحقيقه، مما يؤدي بدوره إلى الإحباط أو السعي وراء أي وسيلة لجذب الانتباه.

لكن رغم كل هذه التحديات، لا يزال بالإمكان إصلاح الوضع إذا توفرت الإرادة، والمنصات نفسها التي نشرت السلوكيات السلبية يمكن أن تصبح أدوات فعالة لنشر الوعي والأخلاق والقيم الإيجابية، ونحن بحاجة إلى حملات إعلامية واعية، إلى مؤثرين يقدّمون محتوى يحترم العقول، وإلى تعزيز دور الأسرة والمدرسة في التوجيه والتوعية، كما نحتاج إلى تشجيع الشباب على التفكير النقدي وعدم تقليد ما يرونه دون فهم أو تحليل.

إن أخلاق المجتمع هي رصيده الحقيقي، وإذا سمحنا لهذا الرصيد أن يتراجع دون مقاومة، فلن يكون المستقبل أفضل مما نراه اليوم، ولذلك، فإن الوعي هو خط الدفاع الأول، والتربية هي خط الدفاع الأخير، وبين هذين الخطين، علينا جميعاً أفراداً ومؤسسات أن نقف وقفة جادة كي نعيد الأخلاق إلى مقدمة المشهد قبل أن نصحو على جيل كامل فقد البوصلة تماماً.

لنعد خطوة إلى الوراء، ونسأل أنفسنا: هل ما يحدث هو تقدم أم تراجع؟ هل التكنولوجيا قرّبت الناس أم فرّقتهم؟ هل المحتوى الذي نستهلكه يضيف إلينا أم ينال منا ويشوّه وعينا؟ الإجابة واضحة، والخطر واضح، ويبقى أن ننتبه قبل فوات الأوان.

اقرأ أيضًا:

الدكتور محمد عسكر يكتب: الميتافيرس وعالم ما بعد الواقع.. هل نحن على أعتاب ثورة تقنية جديدة؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search