السبت، 25 أكتوبر 2025

02:33 م

من فيلم سينمائي إلى وول ستريت، عندما يتغلب الخيال على الواقع

الجمعة، 24 أكتوبر 2025 11:51 م

وول ستريت

وول ستريت

في فيلم "Don’t Look Up" الشهير، يحاول عالمان فلكيان إنقاذ البشرية بعد اكتشاف نيزك ضخم في طريقه إلى الأرض، لكن بدلًا من التعامل الجاد مع الكارثة الوشيكة، ينشغل العالم بالترندات، والمكاسب السياسية، وسباق الشهرة، وينكر الجميع الحقيقة الواضحة أمام أعينهم، حتى يصبح الهلاك أمرًا واقعًا.

فيلم "Don’t Look Up".. إنكار الحقيقة التي أمام أعينهم

هذه القصة التي بدت خيالية قبل أعوام، تبدو اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى، ليس في السياسة أو البيئة، بل في الأسواق المالية العالمية التي يبدو أنها هي الأخرى قررت ألا تنظر إلى الأعلى، متجاهلة إشارات الخطر التي تتراكم من حولها.

الذهب.. بين التحوط والمضاربة

لم يكن ما حدث في سوق الذهب خلال أكتوبر الماضي إلا مثالًا صارخًا على تقلبات باتت تتجاوز المنطق الاقتصادي، ففي غضون أيام قليلة فقط، قفزت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 4381 دولارًا للأوقية، قبل أن تهبط بنسبة 5% وهو أكبر تراجع في خمس سنوات بدعوى “جني الأرباح”.

ورغم أن صعود الذهب يمكن تبريره بالعودة المتجددة للتوترات التجارية بين واشنطن وبكين، وبالقيود الصينية على تصدير المعادن النادرة، إلا أن حدة التغيرات اليومية تكشف عن ظاهرة أعمق: تزايد سلوك المضاربة المفرطة على حساب القراءة الموضوعية للبيانات الاقتصادية.

السوق لم يعد يتحرك وفق التوقعات أو المؤشرات الأساسية، بل وفق العاطفة الجماعية للمستثمرين، تمامًا كما فعل الجمهور في فيلم "لا تنظر للأعلى" حين فضل الإنكار على مواجهة الحقيقة.

اقرأ أيضًا:

موجة بيع في وول ستريت تثير مخاوف بشأن تباطؤ السوق الأمريكي

وول ستريت.. تفاؤل لا يخلو من إنكار

في الجهة الأخرى من الأطلسي، تبدو وول ستريت وكأنها تعيش في عالم موازي، ورغم الاضطرابات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة من الإغلاق الحكومي إلى الاستقطاب الحزبي الحاد ورغم الغيوم الجيوسياسية في الخارج، لا تزال المؤشرات الأمريكية تسجل مستويات تاريخية من الصعود.

تقرير بلاك روك الأخير أشار إلى أن متوسط مضاعف الربحية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بلغ 19.5 ضعفًا مقارنة بمتوسطه التاريخي البالغ 14، وهو ما يعكس حالة تفاؤل مفرط لا تدعمه بالضرورة أساسيات الاقتصاد.

وفي قلب هذا المشهد، تقف شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمحركات رئيسية للارتفاع، حتى أن بعض الشركات الكبرى تجاوزت مضاعف ربحية 50 مرة، فيما تمثل أكبر سبع شركات نحو 40% من القيمة السوقية الكلية للمؤشر الأمريكي، تركز غير صحي يهدد التوازن في أي لحظة تصحيح.

وول ستريت

تدفقات الأموال.. الانحياز الأمريكي

إذا كان سلوك المستثمرين في وول ستريت يعكس تفاؤلًا مفرطًا، فإن حركة رؤوس الأموال العالمية تؤكد انحيازًا غير عقلاني نحو السوق الأمريكي.

ففي عام 2022، استحوذت الولايات المتحدة على نحو نصف التدفقات المالية العالمية، وهي نسبة لم تشهدها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، واستمرت بالارتفاع في 2023 و2024 وحتى منتصف 2025.

المفارقة أن هذه التدفقات لم تتأثر بالتصعيد التجاري أو بالرسوم الجمركية الأمريكية القياسية، بل زادت بعدها، ففي يوليو الماضي وحده، ضخ المستثمرون الأجانب 78.8 مليار دولار في السندات والأسهم الأمريكية، مقابل 29.6 مليار فقط استثمارًا خارجيًا من الأمريكيين أنفسهم.

والنتيجة، تضخم السوق الأمريكي ليشكل 64% من إجمالي القيمة السوقية للأسهم العالمية، وهو رقم تاريخي يعكس انفصالًا شبه تام بين الأسواق والواقع الاقتصادي العالمي.

 

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي يشعل وول ستريت، وخبير: الخوف من الفقاعة

المعادن النادرة.. اختبار للمنطق الغائب

عندما أعلنت الصين في أكتوبر عن فرض قيود جديدة على تصدير المعادن النادرة، وهي مواد حيوية لصناعة التكنولوجيا المتقدمة، كان يفترض أن تهتز الأسواق بعنف مستدام.

وفعلًا، فقد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 180 نقطة في اليوم الأول، لكن المفاجأة أن السوق استعاد أكثر من نصف خسائره بعد يومين فقط، وكأن شيئًا لم يكن.

هذا الارتداد السريع لم يكن نتيجة تحسن فعلي في المعطيات، بل نموذجًا لذهنية الإنكار الجماعي، فالمستثمرون قرروا ببساطة تجاهل الخطر، مفضلين مواصلة الصعود، في تكرار حرفي لرسالة "Don’t Look Up": لا تنظر للأعلى، لأن الحقيقة قد تفسد عليك نشوة الأرباح.

مؤشر ستاندرد آند بورز 500

بين السينما والاقتصاد.. الإنكار هو القاسم المشترك

تظهر الأحداث الأخيرة أن الأسواق، شأنها شأن المجتمعات في الفيلم، باتت تغذي الوهم الجماعي بأن كل شيء سيكون بخير، رغم تراكم الأدلة المعاكسة.

من ارتفاعات الذهب غير المستقرة، إلى الفقاعات التكنولوجية، إلى تدفقات رؤوس الأموال غير المبررة نحو الولايات المتحدة، تتشكل لوحة واحدة، أسواق تتجاهل المخاطر، ومضاربون يراهنون على الأمل، لا على الحقائق.

وتمامًا كما تجاهل العالم في الفيلم تحذيرات العلماء حتى فوات الأوان، يبدو أن المستثمرين اليوم يواصلون تجاهل المؤشرات التحذيرية من فقاعة الأصول، إلى ضعف الإنتاجية، إلى هشاشة السياسات النقدية مفضلين العيش في عالم من المكاسب اللحظية.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه.. عندما "ينظر الجميع أخيرًا إلى الأعلى"، هل سيكون الوقت قد تأخر بالفعل؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search