الكشري المصري، طبق شعبي يتحول إلى أيقونة تراث إنساني على قوائم اليونسكو
الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 03:26 م
الكشري
ميرنا البكري
لم يعد "الكشري" وجبة متكاملة فحسب، بل سجلا تاريخيا يعكس التفاعل الحضاري لمصر، فتعود الجذور الأولى له إلى الـ "خيتشدي" الهندي، وهو عبارة عن أرز وعدس، ووصل إلى مصر في القرن الـ 19 مع الجنود البريطانيين القادمين من الهند، لكن المصريون لم يكتفوا بنسخته الأصلية فخضع لعملية تحديث جريئة على يد المصريين، فأضاف المصريون إليه المكونات الأهم التي منحته هويته القومية المميزة كالمكرونة، صلصة الطماطم الغنية بالثوم والكمون، والبصل المقرمش الذ يعتبر الذي يُعتبر التاج الذهبي للطبق، وبهذه الإضافات، تحول الكشري من طبق أجنبي إلى رمز للمطبخ المصري عالميًا.
صناعة الكشري في مصر قوة اقتصادية كبرى
تحول الكشري من كونه وجبة شعبية ليصبح اقتصادا حيويا في مصر قادر على توفير سيولة مالية ضخمة واستيعاب آلاف العمال في مختلف مراحل سلسلة الإمداد.
تُقدر قيمة صناعة الكشري بمئات الملايين سنويًا. ويعود هذا الحجم الهائل إلى الطلب اليومي المستمر عليه من جانب المواطنين، وتداوله بكميات كبيرة على نطاق واسع يشمل جميع الفئات الاجتماعية.
كما أن تحول العديد من مطاعم الكشري إلى سلاسل تجارية كبرى منظمة ساهم في تعظيم الإيرادات بشكل ملحوظ، وقد تم ذلك من خلال تطبيق مبدأ وفورات الحجم أي شراء المكونات الأساسية بكميات ضخمة، وبالتالي يُخفض تكلفة الإنتاج، بالإضافة إلى تطوير أساليب التسويق التي تجذب المواطنين وخدمات التوصيل السريعة.
دراسة حالة، "كشري التحرير" كمثال للانتشار للواسع
تُعتبر سلسلة مطاعم "كشري التحرير" مثالًا قويًا على احترافية الصناعة وتحولها من مطعم شعبي إلى مؤسسة تجارية كبرى. تشير التقديرات إلى أن السلسلة تمتلك حوالي 50 فرعًا حول العالم، وحوالي 30 لـ35 فرعًا منهم موزعًا على محافظات مصر، والانتشار الأكبر في القاهرة الكبرى والمحافظات المجاورة، ويعكس هذا العدد الكبير قدرة طبق الكشري على تحقيق أعلى معدلات الانتشار في السوق المحلي.
أما بالنسبة للانتشار الإقليمي والدولي فلم يتوقف توسع السلسلة عند الحدود المحلية فحسب، فبدأت في التوسع الإقليمي بمثابة سفير للوجبة المصرية. وتتواجد فروع "كشري التحرير" حالياً في المملكة العربية السعودية (خاصة في جدة والرياض)، مما يشير إلى جاهزية المنتج المصري للتصدير والمنافسة في الأسواق العالمية،، وبالنسبة للانتشار العالمي فيتواجد كشري التحرير في المملكة المتحدة بفرع رئيسي واحد فقط.
ما وراء الطبق، الكشري كمحرك للتوظيف ورمز للتخصص المهني في مص
تُشكل هذه الصناعة مصدر دخل لآلاف الأسر المصرية، سواء بطريقة مباشرة داخل المطعم أو بطرق غير مباشرة ضمن سلسلة الإمداد الداخلية، فتوفر السلاسل الكبرى وشركاتها التابعة العديد من فرص العمل المباشرة والتي تشمل الطهاة المتخصصون في إعداد الكشري، عمال الخدمة والتوصيل كما أن تطبيقات طلب الطعام والتوصيل لعبت دورًا فارقًأ في زيادة معدلات التوظيف خاصة بين الشباب.
أيضًَا تؤثر صناعة الكشري بشكل إيجابي على قطاعات أخرى، فتشكل طلبًا كبيرًا على المنتجات الزراعية والصناعية، كما تدعم مصانع المكرونة والعبوات والتغليف البلاستيكي والورقي، وبالتالي طبق الكشري البسيط يعتبر دورة اقتصادية متكاملة تحرك الكثير من القطاعات داخل الدولة.

التخصص المهني والعمق الاجتماعي، قرية العبادلة أصل الكشري في مصر
بعض المناطق في مصر تسعى لتكوين "هوية مهنية" خاصة بها، وتعد قرية العبادلة في القليوبية واحدة من أهم الأمثلة، فصناعة الكشري في هذه القرية متوارثة منذ آلاف السنوات.
فلم تعد صناعة الكشري في هذه الدولة فن عائلي فحسب، فتنطلق عملية التعليم المهني للأجيال الجديدة في هذه الصناعة من سن مبكرة، فيكتسب الأطفال المهارات الأساسية كحمل أوعية الكشري، وإتقان قوام الصلصة، وتقليب العدس، فتعد هذه الصناعة رأس مالهم الحقيقي، وتشير بعض التقديرات أن حوالي 90% من رجال هذه القرية يعملون بهذه الصناعة.
فوجود عشرات أو مئات الصنايعية الذين يخرجون من هذه القرية سنويًا خلق نوع من اقتصاد مهني صغير مرتبط بكشري العبادلة من انتشارهم في مطاعم كبيرة ومشهورة، وتحويل الخبرة لمدارس صغيرة داخل المطاعم نفسها.
عولمة الطبق الشعبي، الكشري يغزو الأسواق الدولية
لم يعد الكشري أكلة مصرية محصورة في مصر، فأصبح له وجود في دول الخليج كالممكلة العربية السعودية والإمارات والكويت ومن أشهر الأمثلة على ذلك فروع كشري التحرير في المملكة و كشري أبو طارق في الإمارات والكويت.
أيضًا هناك عواصم أوروبية وأمريكية تم إنشاء مطاعم بها تخصصت في الكشري، غالبًا تستهدف المصريين المغتربين والعرب، أو أفراد يميلون لتجربة أكلات عالمية مختلفة.
هذا الانتشار الكبير وتحويل أكل شعبي بسيط لمطعم في دول أخرى يجعل الكشري يتحول من «أكلة متداولة في مصر» لـ رمز للمطبخ المصري في الخارج، فالكشري اليوم جزء من «الهوية الغذائية المصرية» التي تنتقل مع كل مصري سافر.

الكشري، من طبق شعبي لرمز تراث إنساني على قوائم اليونسكو
قدمت مصر ملف رسمي لـ UNESCO لتسجيل الكشري كأكلة شعبية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في 2024- 2025، وبالفعل تم قبول هذا الملف وإدراج الكشري ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي الإنساني باليونسكو وبذلك يكون أول وجبة مصرية تدخل هذه القائمة، وبالتالي يعد اعتراف دولي رسمي بأن الكشري ليس طبق مفضل للجميع فحسب لكنه تراث حي ومتوارث يمثل هوية المصريين.
وهذا الاعتراف هام لسببين رئيسيين في تثبيت هوية مصر في الوعي العالمي وأن الكشري ليس مجرد صحن بل عادة اجتماعية، وأيضًا يشكل هذا الإدراج حماية للوجبة نفسها من التحريف والضياع مع انتشارها عالميًا.
كيف استعدت مصر لملف اليونسكو؟ من مطاعم الكشري للجامعات والمجتمع المحلي
بحسب وثيقة الطلب المصري، فلم يكن الموضوع عشوائيًا ، بل كان تحرك منظم عملت عليه لجنة التراث الثقافي غير المادي في وزارة الثقافة، فشكلت اللجنة فريق كامل لإعداد ملف الكشري، وهذا ضم خبراء تراث وباحثين وأصحاب وممثلين من مطاعم كشري كبيرة ومشهورة، وشيف معروف من برامج التلفزيون، وأيضًا ممثلين عن منظمات مجتمع مدني من 4 محافظات، أي تم بناء الملف على صوت الناس الذي تطبخ وتبيع وتحافظ على الأكلة يوميًا.
كانت المشاركة المجتمعية نفسها واضحة، وتم الحصول على موافقات فعلية خلال احتفال كبير بمرور 20 عام على اتفاقية التراث، ومعه إطلاق "بيت التراث"، ففي هذه الاحتفالية تم توزيع 1500 طبق كشري مجانًا بحضور مكتب اليونسكو، وهنا قدمت الدولة دليل حي على أن إن الطبق ممارسة اجتماعية متوارثة.
شددت الوثيقة أيضًا على أن الكشري لا يحتاج خطة إنقاذ، لأنه متجذر في الحياة اليومية للمصريين بطبيعته، لكن مع ذلك، مصر وضعت إجراءات تضمن استمراريته، كإدراجه في مناهج الاقتصاد المنزلي والسياحة والفنادق، واعتباره طبق لابد إتقانه لأنه يمثل المطبخ المصري، وهذه خطوة هامة تربط بين التراث الشعبي والتعليم الرسمي، وتجعل الكشري جزء من الهوية التي يتم تدريسها وتوريثها علميًا ومهنيًا.
الكشري، حكاية الهوية التي عانقت العالمية
تحول طبق الكشري لظاهرة ثقافية واقتصادية شاملة في مصر والعالم، فلقد بدأ الكشري رحلته التاريخية كقصة تفاعل حضاري، واستوعب العديد من التأثيرات المتنوعة لينتج هويته المميزة المصرية، وعلى الجانب الاقتصادي، فأكدت صناعته صناعته أنها قوة كبرى صامتة تجني مئات الملايين وتُعد محركًا حيويًا للتوظيف في مصر، وذلك من خلال دعمها لآلاف الأسر في سلسلة إمداد متكاملة.
وفي ذروة هذا التحول، لم يتوقف انتشار الكشري عند غزو الأسواق العالمية (من الخليج إلى الغرب)، بل تم تتويج هذا التوسع باعتراف اليونسكو الرسمي اليوم الأربعاء، فهذا الإدراج حماية لهوية الطبق المصرية وضمان لاستمراره كسفير للمطبخ المصري، الذي يحمل قصة التراث والبساطة والكرم المصري إلى جميع أنحاء العالم.
الكشري اليوم، دليل مادي على قدرة الثقافة الشعبية على التحول إلى قوة اقتصادية مؤثرة وهوية عالمية مستدامة.

اقرأ أيضًا:-
الكشري المصري يدخل قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي لعام 2025
طبق الكشري المصري على طاولة «اليونسكو» والحسم غدًا، ما القصة؟

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تيليجرام) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا.
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا.
إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.
Short Url
من الاقتصاد السعودي إلى المصري، كيف أصبحت العائلات التجارية لاعبًا رئيسيًا في أسواق المال؟
10 ديسمبر 2025 05:10 م
قطاع مزدهر يضخ المليارات، كيف تتحول السياحة الطبية إلى محرك اقتصادي جاذب للاستثمار؟
10 ديسمبر 2025 01:00 م
ثورة ChatGPT تستمر، القطاعات الأعلى استفادة من الذكاء الاصطناعي خلال الفترة 2022–2025
10 ديسمبر 2025 09:02 ص
أكثر الكلمات انتشاراً