الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025

07:27 م

الاقتصاد يدخل الملعب، كيف أعادت الخصخصة تشكيل مشهد الأندية السعودية؟

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 05:34 م

مشهد الأندية السعودية

مشهد الأندية السعودية

منذ انطلاق رؤية السعودية 2030، كانت هناك إشارات مبكرة إلى أن الرياضة لن تبقى كما كانت، مجرد ساحة للترفيه أو نتائج تقاس على لوحة النتائج، بل ستعاد هندستها لتصبح قطاعًا اقتصاديًا ومجتمعيًا متكاملًا، يتقاطع فيه رأس المال مع الشغف، والهوية المحلية مع الاستراتيجية المؤسسية.

أرامكو السعودية

وفي عام 2023، جاءت الخطوة المنتظرة، إطلاق برنامج تخصيص الأندية الرياضية، الذي سمح بتحول جذري في ملكية وتشغيل الأندية، ففتح الباب أمام شركات وطنية كبرى، وكيانات حكومية تنموية، وحتى مستثمرين أجانب، ليصبحوا جزءًا من منظومة رياضية تعاد صياغتها لتخدم أغراضًا تتجاوز الترفيه نحو الاستدامة والابتكار.

 

أرامكو السعودية.. من باني الملاعب إلى مالك النادي

قصة أرامكو مع الرياضة في المملكة لا تبدأ من استحواذها الرسمي على نادي القادسية عام 2023، بل تعود عقودًا إلى الوراء، إلى أيام الثلاثينيات عندما بدأت الفرق الرياضية تتشكل داخل أحياء الموظفين في المنطقة الشرقية.

وكان من بينها فريق "الأهلي"، الذي تطور لاحقًا ليصبح "الهلال"، ثم نظمت تلك الجهود لاحقًا تحت اسم نادي القادسية في عام 1967.

هذا التاريخ العميق يجعل من استحواذ أرامكو اليوم على القادسية عودة إلى الجذور، ولكنها عودة مشبعة بفكر استثماري معاصر، حيث لم تعد الرياضة بالنسبة للشركة مجرد نشاط جانبي في جدول المسؤولية المجتمعية، بل أصبحت جزءًا من منظومة تسويق دولي، ونقل تقني، وتأثير اجتماعي مدروس.

فمشروع ملعب أرامكو المنتظر افتتاحه في 2026، إلى جانب الاستثمار في الأكاديميات والبنية التحتية الرياضية، يمثل مرحلة جديدة من دمج العلامة التجارية الأكثر نفوذًا في المملكة في النسيج الرياضي، مع الاستفادة من الرياضة كوسيلة للتأثير الناعم، واختبار الابتكارات التقنية، مثل الزيوت والوقود في شراكتها مع الفورمولا 1، وإبراز الريادة في مجالات الكفاءة التشغيلية وسلامة الأداء.

اقتصاديًا، يتحول نادي القادسية إلى أصل استثماري ذكي، يجمع بين العاطفة الجماهيرية العريقة والرؤية المؤسسية التي تحملها أرامكو، وهو نموذج يظهر كيف يمكن لشركة طاقة أن تصبح لاعبًا فعالًا في قطاع الرياضة دون أن تتخلى عن هويتها التقنية.

اقرأ أيضًا:

قرصنة البث تهدد عائدات كرة القدم الإسبانية، «لاليجا» تخوض حربًا تتجاوز الملاعب

كرة القدم ليست رفاهية ولكن اقتصاد يربح المليارات

نيوم.. عندما تبني مدينة المستقبل ناديًا يناسبها

لا يمكن قراءة استحواذ نيوم على نادي الصقور ثم تحويله إلى “نادي نيوم” بمعزل عن المشروع الأكبر الذي تمثله المدينة نفسها، رؤية طموحة لخلق أرض المستقبل، تبنى من الصفر على أسس مستدامة، ومؤشرات أداء ذكية، وتكامل بين القطاعات.

استحواذ نيوم على النادي، ثم تحويله إلى كيان ينافس في دوري روشن بعد صعوده في 2025، يظهر أن النادي ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتمكين أهداف أوسع، تعزيز جودة الحياة، وبناء مجتمع نشط، وتسويق المدينة عالميًا كوجهة رياضية وتكنولوجية في آن واحد.

الصفقات التي قام بها النادي، مثل التوقيع مع لاكازيت ودوكوريه وبن رحمة، وتعيين المدرب الفرنسي غالتييه توضح بجلاء استراتيجية واضحة، بناء عمود فقري تنافسي من لاعبين ذوي خبرة دولية، يدعمهم قادة محليون مثل سلمان الفرج، هذا ليس ترفًا رياضيًا، بل استثمار في بناء فريق يعكس تطلعات نيوم كعلامة تجارية.

من ناحية اقتصادية، النادي هو منصة تسويق وتجريب للهوية التجارية لنيوم، ومن خلاله يمكن استقطاب الرعايات، وتنظيم الفعاليات، واختبار التقنيات من البث الذكي إلى تحليلات الأداء. 

هنا، تصبح كرة القدم جزءًا من اقتصاد الابتكار، وليست نشاطًا رياضيًا معزولًا.

شركة نيوم

الدرعية والعُلا.. الرياضة كأداة لترسيخ الهوية التاريخية

 

الدرعية.. نادي على أسس الثقافة

حين تتملك شركة الدرعية، وهي أحد أذرع صندوق الاستثمارات العامة نادي الدرعية، فهي لا تنفذ صفقة رياضية فحسب، بل تدمج النادي ضمن رؤية عمرانية وثقافية أوسع تسعى لتحويل الدرعية إلى "مشروع مكان" يعيش على التاريخ ويدار بأدوات حديثة.

الدرعية ليست مجرد منطقة تراثية، بل قلب الدولة السعودية الأولى، واستثمار الشركة في النادي جزء من استراتيجية تهدف إلى خلق نسيج اجتماعي ثقافي متماسك، تكون فيه الرياضة عامل توحيد وتجسير بين الأجيال، ورافعة للوجهة السياحية.

اقتصاديًا، يصبح النادي هنا أكثر من مجرد فريق رياضي، بل منصة للفعاليات، والتوظيف، وتطوير المواهب، ومصدرًا لجذب استثمارات تجارية تدور حول فكرة المكان ذو القيمة.

 

العُلا.. من متحف حي إلى ملعب نابض

الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، التي تقود مشروع تحويل العلا إلى وجهة عالمية مبنية على الثقافة والتراث والطبيعة، ربطت هذه الرؤية بنادي رياضي يعبر عن هوية المكان. 

امتلاك الهيئة لنادي العُلا، ثم تطويره عبر شركة مملوكة لها، لم يكن قرارًا عشوائيًا بل نتيجة فهم عميق للدور الذي تلعبه الرياضة في خلق اقتصاد محلي مستدام.

النادي يمثل الذراع المجتمعية للهيئة، حيث يشجع المشاركة المجتمعية، ويبني الأكاديميات، ويوفر وظائف في التدريب والطب الرياضي وإدارة الفعاليات. 

ومع مهرجانات "لحظات العُلا" والأنشطة السياحية، يصبح النادي أداة فعالة لتحويل الزخم السياحي إلى حراك اقتصادي دائم.

 

نجوم السلام.. عقار يتحول إلى منظومة رياضية ذكية

شركة "نجوم السلام" القابضة، بخلفيتها العميقة في التطوير العقاري وإدارة الأصول، تمثل دخولًا مختلفًا إلى المشهد، وعندما تستحوذ على نادي الزلفي، فإنها تفعل ذلك بمنهجية واضحة، نقل خبرات العقار إلى الملعب.

لدى الشركة سجل طويل في إنشاء المخططات والمشاريع التجارية، والآن تنقل هذه المنهجية إلى عالم الأندية، عن طريق منشآت تدار بعقلية التمويل، وأكاديميات تبنى كأصول تعليمية ورياضية، وجماهير تترجم إلى قيمة تسويقية عبر المحتوى والمتاجر وتجربة يوم المباراة.

النادي ينتقل من نمط التمويل الموسمي إلى نموذج تشغيلي مؤسسي، والمثير أن العلاقة بين الشركة والنادي ليست جديدة، بل تمتد لسنوات من الدعم والرعاية، مما يجعل هذه الصفقة مثالًا على الاستثمار المتجذر في المجتمع لا الدخيل عليه.

شركة أباسكو

أباسكو.. من مشاريع البنية التحتية إلى بناء نادي

شركة "أباسكو" تنتمي إلى المدينة المنورة، وتتخصص في المقاولات والبنية التحتية، حين قررت الاستحواذ على نادي الأنصار، ولم تأتي بعقلية المستثمر الغريب، بل بروح "ابن المدينة"، كما أشار محمد البلادي، أحد ملاك الشركة.

خبرة الشركة في البنية التحتية تمنحها أفضلية واضحة في تطوير منشآت النادي، وتحسين الأكاديميات، وبناء مرافق تدريبية تتوافق مع معايير التراخيص. 

كما أن دخولها يفتح الباب أمام تعظيم الإيرادات من خلال رعاية احترافية، متاجر رسمية، وبث رقمي منظم.

أباسكو تدخل النادي كفاعل اقتصادي واجتماعي في آن معًا، وتمثل نموذجًا لاندماج القطاع الصناعي الإنشائي في حركة الرياضة السعودية الجديدة.

 

هاربورغ.. رأس المال الأجنبي يدخل اللعبة

الصفقة التي أجرتها مجموعة Harburg بشراء نادي الخلود تمثل نقطة تحول فاصلة في مشروع الخصخصة، فهي أول تملك أجنبي كامل لنادي سعودي. 

بن هاربورغ، المستثمر الأمريكي، لا يأتي من خلفية رياضية، بل من عالم رأس المال الجريء، ويملك رؤية واضحة لبناء شبكة أندية دولية.

هاربورغ يرى السعودية كسوق ناشئة ذات إمكانيات نمو عالية مقارنة بأوروبا التي وصلت إلى مرحلة التشبع، وهو يسعى لبناء نادي تجريبي يمكن من خلاله تطوير المواهب، ورفع قيمة الأصول، واستغلال التسهيلات الحكومية والدعم الجماهيري.

دخول مستثمر أجنبي يعزز الثقة العالمية في البيئة الرياضية التجارية بالمملكة، ويؤكد أن خصخصة الأندية بدأت تتجاوز الهدف المحلي نحو تحقيق أثر دولي حقيقي.

الملاعب السعودية

من نادي للهواة إلى أصل سيادي

ما يحدث اليوم في السعودية هو تحول عميق، يعيد تعريف الأندية بوصفها أصولًا اقتصادية، تحمل قيمة تشغيلية واستثمارية، وتدار وفق استراتيجيات طويلة المدى. 

الخصخصة ليست مجرد نقل ملكية، بل إعادة هيكلة كاملة لآليات الإدارة والتمويل والتفاعل المجتمعي.

من أرامكو إلى هاربورغ، ومن نيوم إلى العُلا، تتشكل خريطة جديدة للرياضة في السعودية، حيث يصبح كل نادي رافعة اقتصادية محلية، وسفيرًا عالميًا، ومنصة لتمكين الشباب.

الملعب تغير.. واليوم لا تقاس قيمة النادي بعدد أهدافه فقط، بل بقيمة أصوله، وتأثيره المجتمعي، واستدامته المالية.

 

اقرأ أيضًا:

من النفط إلى الرياضة.. صندوق الاستثمارات العامة نحو صناعة نفوذ عالمي

من باريس إلى بورصة النجوم، كيف تصنع الكرة الذهبية ثروات اللاعبين؟

 

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search