السبت، 04 أكتوبر 2025

12:51 ص

"الصين تتقدم بخطى ثابتة في إفريقيا"، استثمار ذكي وقوة ناعمة فعَّالة

الجمعة، 03 أكتوبر 2025 10:27 م

نفوذ الصين في إفريقيا

نفوذ الصين في إفريقيا

في وقت تتراجع فيه واشنطن عن التزاماتها في إفريقيا، تتقدم الصين بخطى مدروسة لتملأ هذا الفراغ الإستراتيجي، مستخدمة مزيجًا من الاستثمار الاقتصادي والقوة الناعمة، في قارة أصبحت محورًا مهمًا في السباق العالمي على النفوذ والموارد.

فبينما تركز الدول الغربية على قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، تقدم بكين عروضًا أكثر واقعية وجاذبية، تمويل سخي، ومشاريع بنية تحتية ضخمة، ومبادرات تدريب وتنمية بشرية لا تقابل بشروط سياسية ثقيلة.

وقد انعكس ذلك على المزاج العام في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث أصبحت الصين أكثر شعبية من القوى التقليدية، وفقًا لآخر استطلاعات الرأي، فيما يبدو البلد الأسيوي من منظور استراتيجي، وكأنه يعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية والسياسية للقارة الإفريقية، ليس فقط عبر الاستثمارات الضخمة، بل أيضًا من خلال مبادرات تعليمية وثقافية، تهدف إلى إعداد جيل جديد من القادة الأفارقة المتأثرين بالنموذج الصيني في الحكم والتنمية. 

وإذا كانت واشنطن قد اعتمدت على خطاب أخلاقي متعالٍ، فإن بكين تراهن على الحضور الفعلي، وهو ما يلمسه المواطن العادي في صورة طرق جديدة، وشبكات كهرباء، وموانئ حديثة، وأيضًا فرص عمل وتمويل مباشر.

صراع القوى الناعمة على إفريقيا

المعادن النادرة وسلاح التمويل.. كيف تبني بكين نفوذها تحت الأرض؟

القارة الإفريقية ليست فقط سوقًا ناشئة أو تجمعًا ديموغرافيًا كبيرًا، بل هي أيضًا مستودع طبيعي للثروات المعدنية التي يحتاجها العالم بشدة، ومع تسارع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، ازدادت أهمية إفريقيا كمنتج للمعادن النادرة مثل:- (الليثيوم والكوبالت والنيكل)، وهي مكونات حيوية لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة. 

الصين، التي لطالما تفوقت في إستراتيجيات الموارد، ركزت جهودها على هذه النقطة بالتحديد، ففي السنوات الأخيرة، نفذت بكين عبر شركاتها العملاقة صفقات استحواذ في كل من زامبيا، والكونغو الديمقراطية، وزيمبابوي، لتأمين تدفق هذه المواد الخام إلى مصانعها.

اقرأ أيضًا:-

الفضاء الرقمي الإفريقي، ساحة معركة لأجهزة استخبارات القوى العظمى

الشركات الغربية تتردد في الدخول إلى الأسواق

وبينما لا تزال الشركات الغربية تتردد في الدخول بقوة إلى هذه الأسواق، إما بسبب المخاطر السياسية، أو الاعتبارات البيئية، تمضي الشركات الصينية قدمًا مستفيدة من دعم الدولة، ومن قدرتها على اتخاذ قرارات سريعة في بيئات غير مستقرة. 

في حين لا تزال الشركات الصينية، تشكل فقط 8% من إنتاج التعدين في إفريقيا، إلا أن نموها السريع ينذر بتحول كبير في السنوات القليلة المقبلة، والأهم من ذلك، هو أن هذه الاستثمارات ليست معزولة عن الرؤية الجيوسياسية الأوسع، بل إنها تخدم هدفًا أعمق، وهو تحويل إفريقيا إلى شريك إستراتيجي دائم في مواجهة الغرب.

الصين في إفريقيا

 

القوة الناعمة.. طريق الصين إلى قلوب الأفارقة

ونجحت الصين، إلى جانب استثماراتها الاقتصادية، في تعزيز ما يعرف بالقوة الناعمة، عبر مشاريع تعليمية وثقافية، تهدف إلى تغيير صورة بكين في الخارج، فآلاف الطلاب الأفارقة يتلقون تعليمهم الآن في الجامعات الصينية، بعضهم بمنح كاملة، فيما يتم تنظيم زيارات متبادلة وبرامج تدريب سياسي وأمني، تعكس رغبة بكين في بناء شبكة من الحلفاء المؤثرين في المستقبل. 

ومبادرة الأمن العالمي للرئيس الصيني شي جين بينج، التي تطبق بشكل تجريبي في القارة، تعتبر أداة مهمة في ترسيخ المفاهيم الصينية حول الحوكمة والاستقرار، وما يميز هذه المقاربة الصينية، هو أنها لا تقتصر على قادة النخب السياسية فقط، بل تمتد إلى الجماهير.

وأظهر استطلاع "جمعية أسيا" الأخير أن المواقف الإيجابية تجاه الصين بين سكان إفريقيا جنوب الصحراء، تفوق السلبية بنسبة 3 إلى 1، وهو فارق هائل بالمقارنة مع المزاج العام في أوروبا وأمريكا، وهذا الالتفاف الشعبي حول الصين، يعكس شعورًا متناميًا بأن بكين تمثل شريكًا عمليًا، على عكس الخطاب الغربي الذي بات ينظر إليه كوعود غير محققة.

الصين في إفريقيا

 

انكفاء الغرب.. وسيناريوهات فقدان النفوذ

في المقابل، يعاني الحضور الغربي في إفريقيا من التراجع، سواءً بسبب الانشغال بأزمات أخرى أو نتيجة لإستراتيجيات داخلية انعزالية، مثل سياسة "أمريكا أولًا"، التي تبناها الرئيس دونالد ترامب، وحتى الإدارات اللاحقة في الولايات المتحدة، لم تقدم على خطوات نوعية لإعادة بناء العلاقات مع إفريقيا، ما ترك الباب مفتوحًا أمام الصين لتوسيع نفوذها. 

ووسط تراجع الالتزام الأمريكي والأوروبي، يظهر التباين واضحًا في ممارسات الدبلوماسية، فبينما يخصص وزير الخارجية الصيني زيارته الخارجية الأولى سنويًا لدول إفريقيا، يغيب هذا النوع من الرمزية السياسية عن واشنطن تمامًا.

ولم يقتصر الأمر على الرؤى السياسية، بل طال كذلك السياسات التجارية، فعلى سبيل المثال، برنامج "الأفضليات التجارية الإفريقية" الأمريكي، الذي يمنح صادرات إفريقيا إعفاءات جمركية، مهددًا بعدم التمديد، وفي حال حدوث ذلك، سيكون دليلًا إضافيًا على انكفاء واشنطن من القارة، كل هذا يرسخ في الأذهان فكرة أن الصين تقدم التزامات حقيقية، بينما الغرب يقدم وعودًا فارغة.

اقرأ أيضًا:-

إفريقيا بين الصين وأمريكا.. صعود شريك وتراجع آخر

المستقبل.. بين الواقعية الصينية والمخاوف الإفريقية

ورغم كل ما تحققه الصين من إنجازات في إفريقيا، إلا أن هناك علامات استفهام متزايدة داخل القارة نفسها، فالمخاوف من الوقوع في فخ الديون الصينية بدأت تتزايد، خاصة أن العديد من الدول باتت تعتمد على بكين في تمويل بين 12% إلى 20% من ديونها الخارجية. 

وقد حذرت مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي، من أن 13 دولة إفريقية باتت معرضة لخطر كبير من الضائقة المالية، كما أن نموذج “المساعدات مقابل النفوذ”، أثار جدلًا واسعًا حول ما إذا كانت بكين تستخدم سخاءها الاقتصادي لتكريس تبعية سياسية بعيدة المدى.

ومع ذلك، فإن الرغبة في التنمية، وغياب البدائل الجادة، تجعل من العروض الصينية أكثر إغراءً، ومن هذا المنطلق، على القارة أن توازن بحذر بين الفوائد الفورية والمصالح الإستراتيجية طويلة الأمد، ويتعين على الحكومات الإفريقية أن تضع شروطًا واضحة في صفقاتها مع الصين، حيث تركز على نقل التكنولوجيا، وتوطين الوظائف، وتدريب الكوادر المحلية، لتجنب أن تتحول العلاقة إلى نسخة جديدة من الاستعمار الاقتصادي.

 

إفريقيا في لحظة تاريخية.. من يتقدم ومن يتأخر؟

تشير المؤشرات إلى أن إفريقيا تعيش لحظة محورية، قد تحدد شكل علاقاتها الاقتصادية لعقود مقبلة، وفي ظل ازدياد الطلب العالمي على المعادن النادرة والنمو السكاني السريع، تملك القارة فرصة ذهبية لإعادة التفاوض على موقعها في النظام الاقتصادي العالمي. 

وفهمت الصين هذه اللحظة التاريخية جيدًا، حيث سعت لتوظيفها لصالح مشروعها الإستراتيجي الأوسع، أما الغرب، فلا يزال يتخبط بين الخطاب الأخلاقي وتردد الفعل السياسي.

ويبقى التحدي الأساسي في يد الأفارقة أنفسهم: هل سيختارون الشراكة المشروطة متعددة الأقطاب؟ أم سيقعون مجددًا في تبعية جديدة تختلف في الشكل لا في المضمون؟ لكن، ما هو مؤكد أن إفريقيا لم تعد كما كانت، وأن من يحسن الإصغاء لتطلعات شعوبها، هو من سيحصد ولاءها في العقود القادمة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search