الأربعاء، 01 أكتوبر 2025

12:15 ص

هشاشة القوة، قراءة اقتصادية في تناقضات النمو الأمريكي

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025 09:09 م

الاقتصاد الأمريكي

الاقتصاد الأمريكي

الاقتصاد الأمريكي يبدو في أوج تألقه، لكنه في الحقيقة يمشي على حبل مشدود بين طفرة تكنولوجية واعدة، وتصدعات هيكلية عميقة قد تهدد استدامته، وأصبحت قوة أمريكا الاقتصادية اليوم أكثر هشاشة مما تبدو عليه على السطح.

مؤشر S&P 500

سطح لامع.. وقاعدة متآكلة

تعكس مؤشرات السوق المالية الأمريكية انتعاشًا استثنائيًا، تقوده الشركات السبع العظيمة التي تمثل عمالقة التكنولوجيا، من أبل إلى إنفيديا، والتي استحوذت على النصيب الأكبر من مكاسب مؤشر S&P 500 بين عامي 2023 و2025. 

هذه القفزة جاءت مدفوعة بموجة تفاؤل حول الذكاء الاصطناعي، ووعده بتحقيق قفزات إنتاجية تاريخية.

لكن هذا الزخم السطحي، بحسب التحليل، يخفي ورائه فقاعة محتملة، فالنمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي مدفوع أساسًا بالإنفاق الحكومي، وليس بنشاط إنتاجي عضوي. 

وإذا لم تتحول استثمارات الذكاء الاصطناعي إلى مكاسب ملموسة في الإنتاجية، فقد ينقلب التفاؤل إلى تصحيح حاد، يهدد الاستقرار المالي الأمريكي بأكمله.

شيخوخة في الداخل.. وصدمات في العرض

في عمق هذا الازدهار، تقف الديموغرافيا كأكبر تهديد صامت، فمع شيخوخة السكان وتباطؤ نمو القوة العاملة، يتزايد الضغط على شبكات الأمان الاجتماعي، ويقل عدد دافعي الضرائب مقابل المستفيدين من الرعاية.

ورغم أن الهجرة كانت تاريخيًا صمام أمان ديموغرافيًا واقتصاديًا، فإن السياسات غير المستقرة والخطاب الشعبوي تجاه المهاجرين يخلقان حالة من عدم اليقين في سوق العمل، هذا الخلل لا يمس فقط النمو، بل يضعف الابتكار الأمريكي نفسه، الذي طالما كان مدفوعًا بالمواهب العالمية.

الصناعات الأمريكية الثقيلة

الولايات المتحدة.. تودع مصنعها القديم

أحد أخطر التشققات البنيوية هو التراجع المستمر في قاعدة التصنيع، فمنذ الثمانينيات، شهدت أمريكا انتقالًا نحو اقتصاد الخدمات، مدفوعًا بالعولمة وتفكيك الصناعات الثقيلة. 

وبينما تحاول الإدارة الأمريكية إعادة إحياء التصنيع عبر قوانين مثل CHIPS وقانون خفض التضخم IRA، إلا أن القطاع لا يزال يشكل 11% فقط من الناتج المحلي.

الضعف المتواصل في مؤشر مديري المشتريات PMI، خصوصًا في التصنيع والخدمات، يشير إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة "عماد الاقتصاد الحقيقي"، تعاني في صمت، وهذا يخلق اقتصادًا ذو سرعتين، قلة تنتعش، وأغلبية تتآكل.

اقرأ أيضًا:

تباطؤ «الاقتصاد الأمريكي» وارتفاع البطالة رغم وعود ترامب بالازدهار

عقارات غير قابلة للسكن.. وأبراج فارغة

قطاع العقارات، الذي لطالما مثل مرآة لصحة الاقتصاد الأمريكي، يواجه الآن تحديات هيكلية مزدوجة:

1. الإسكان: فجر ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية تكلفة الرهون العقارية، ما جعل امتلاك منزل حلمًا بعيد المنال للطبقة الوسطى، وقد تراجع نشاط البناء السكني، وتعمقت أزمة القدرة على تحمل التكاليف.

2. العقارات التجارية: العمل عن بعد ضرب قلب نموذج المكاتب التقليدية، والمباني الشاهقة التي كانت رموزًا للنمو، أصبحت اليوم عبئًا على البنوك الإقليمية، وقد يؤدي تراجع قيمتها إلى أزمة توازنات مالية محلية.

وول ستريت

اقتصاد مزدوج.. وول ستريت تنمو وأمريكا الحقيقية تتآكل

ما لا يظهر في أرقام الناتج القومي هو الركود المتخفي في الولايات الداخلية، فعلى عكس المدن الكبرى التي تستضيف شركات التكنولوجيا العملاقة، تعاني العديد من الولايات الوسطى والجنوبية من ركود فعلي في قطاعات مثل النقل، والتصنيع، والخدمات اللوجستية.

هذا التباين الإقليمي لا يؤدي فقط إلى فجوة اقتصادية، بل يغذي أيضًا الانقسام السياسي والاجتماعي داخل الولايات المتحدة، ويؤثر على الاستقرار العام.

الدولار.. القوة التي قد تنقلب ضد أمريكا

الدولار الأمربكي، باعتباره العملة الاحتياطية العالمية، يمنح واشنطن امتيازات لا تملكها أي دولة أخرى، لكن هذا الامتياز يواجه تحديات متزايدة. فتآكل الثقة العالمية في السياسة الاقتصادية الأمريكية، خاصة بعد تبني سياسات تجارية حمائية، شجع قوى عالمية كالصين وروسيا على تسريع جهود التخلي عن الدولار (De-dollarization).

وهذا الاتجاه، إن استمر، سيضعف قدرة أمريكا على تمويل عجزها الضخم، وسيزيد كلفة الاستدانة الحكومية على المدى الطويل.

اقرأ أيضًا:

ضغوط على الاقتصاد الأمريكي مع ارتفاع إعانات البطالة وتراجع نمو الوظائف

ما العمل؟ بين الحاجة للإصلاح والواقع السياسي

من الواضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة هيكلة اقتصادية عميقة تشمل:

  • إصلاح نظام الهجرة لدعم القوة العاملة.
  • استثمار واسع النطاق في التعليم والبنية التحتية.
  • توسيع قاعدة التصنيع الحقيقي.
  • تقليص المديونية الحكومية وتحسين كفاءة الإنفاق العام.

لكن العقبة الكبرى ليست اقتصادية، بل سياسية، فالاستقطاب الحاد، وتضارب الأولويات بين الحزبين، يعرقل اتخاذ قرارات استراتيجية جريئة.

القوة الأمريكية

القوة الأمريكية حقيقية.. لكنها تقف على أرض رخوة

لا شك أن أمريكا لا تزال تمتلك أدوات الهيمنة الاقتصادية العالمية، من الدولار إلى وادي السيليكون، لكن هذه القوة لم تعد كما كانت في الماضي، متينة، وشاملة، ومستقرة.

اليوم، يقف الاقتصاد الأمريكي على مفترق طرق، إما أن يعالج أزماته الهيكلية بجدية، أو يواصل تأجيل الإصلاحات إلى أن تأتي الصدمة التالية، وحينها لن يكون السوق المالي كافيًا لامتصاص الألم.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search