الرسوم الجمركية.. دواء مُر يهدد الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل

الأربعاء، 27 أغسطس 2025 08:03 ص

الرسوم الجمركية

منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية على واردات كبرى من الصين وكندا والمكسيك، كان الجدل محتدمًا، هل تمثل هذه الخطوة أداة فعالة لإنعاش الصناعة الأمريكية، أم مجرد وصفة سياسية قصيرة المدى تربك الأسواق وترهق المستهلك؟

اليوم، وبعد مرور أشهر على دخول تلك الرسوم حيز التنفيذ، بدأت الإجابة تتضح تدريجيًا، صحيح أن الحكومة الأمريكية نجحت في تحصيل عشرات المليارات من الدولارات من وراء الرسوم، لكن الوجه الآخر للعملة يكشف عن تكاليف باهظة تتوزع بين ارتفاع الأسعار وتراجع الاستثمارات وإضعاف الثقة في استقرار السوق.

إيرادات مرتفعة.. لكن على حساب المستهلك

تشير الأرقام إلى أن عوائد الرسوم الجمركية ارتفعت بنسبة 65% لتصل إلى نحو 65 مليار دولار سنويًا، غير أن هذه المكاسب المالية لم تأتي من فراغ، بل دفع ثمنها المواطن الأمريكي عبر أسعار أعلى للسلع المستوردة والمحلية على السواء.

الأهم من ذلك أن الهدف الأساسي، هو تقليص العجز التجاري ولم يتحقق، فالعجز قفز في مارس إلى 138 مليار دولار أي ما يعادل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يتراجع في يونيو إلى 60 مليار دولار فقط.

هذه القفزات الحادة لم تكن دليلاً على تحسن هيكلي، بل مجرد انعكاس لاندفاع الشركات والمستهلكين لتخزين البضائع قبل سريان الرسوم.

العجز التجاري.. مشكلة أعمق من الرسوم

عند النظر إلى الصورة الأوسع، يتضح أن الرسوم الجمركية ليست سوى مسكن قصير المفعول، فميزان الحساب الجاري، الذي يقيس التجارة في السلع والخدمات وتدفقات الدخل، أظهر أن العجز ارتفع إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام، قبل أن يتراجع مجددًا.

الاقتصاديون يؤكدون أن علاج العجز الخارجي يتطلب تغييرات أعمق، من تعزيز الادخار المحلي، وخفض عجز الموازنة، وزيادة الإنتاجية، بينما الرسوم، على العكس، تضغط على الاستهلاك وتضعف القدرة الشرائية، ما يعني تقليص المدخرات الخاصة بدل زيادتها.

بالأرقام، الرسوم الجمركية تدفع الاقتصاد الأمريكي نحو الركود (انفوجراف)

الاستثمار يدفع الثمن

الأثر الأكثر خطورة للرسوم يتمثل في الاستثمار، فالشركات الأمريكية تواجه حاليًا بيئة أكثر غموضًا نتيجة اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الإنتاج.

ووفق تقديرات مختبر الميزانية، فإن الرسوم ستخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.4% على المدى الطويل عبر تراجع الاستثمار والإنتاجية.

هذا التباطؤ يخلق حلقة مفرغة، حيث نمو أبطأ يسبب عجزًا تجاريًا أعند، ما يبرر سياسات حمائية جديدة، فتزداد القيود، وتتراجع القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي.

وهم العائدات الحكومية

تتباهى الإدارة الأمريكية بتحقيق إيرادات قد تصل إلى 2.7 تريليون دولار من الرسوم على مدى عقد كامل، لكن هذه الأرقام تبدو ضئيلة إذا ما تمت مقارنته بالإنفاق الحكومي المتوقع، الذي يتجاوز 3.4 تريليون دولار في الفترة ذاتها، والنتيجة تفاقم العجز المالي بدل تقليصه.

التضخم الخفي يرهق جيوب الأمريكيين وسط تصاعد الرسوم الجمركية

بين فقاعة الوعد وواقع الاقتصاد

التجربة الأمريكية مع الرسوم تذكرنا بفقاعة قصيرة الأجل، من وعود بجذب الاستثمارات، وإنعاش الصناعة، وخلق وظائف، لكن سرعان ما يتضح أن الكلفة أكبر من العائد، فالمستهلك يواجه أسعارًا أعلى، والشركات تخشى التوسع، والاستثمار يتباطأ.

وبينما تخفض الرسوم العجز التجاري بنسبة محدودة على المدى الطويل، فإن الثمن هو نمو اقتصادي أبطأ وأجور أضعف وتراجع القدرة التنافسية.

الرسوم الجمركية كدواء مر

تبدو الرسوم الجمركية كدواء مر يخفف الأعراض مؤقتًا لكنه يفاقم المرض على المدى الطويل، وإذا استمرت واشنطن في الاعتماد عليها كأداة رئيسية لمعالجة الخلل التجاري، فإن الاقتصاد الأمريكي قد يجد نفسه في مواجهة مستقبل أقل إشراقًا، حيث تتراكم الأعباء على المستهلك، ويتآكل الاستثمار، ويستمر العجز في الدوران داخل حلقة مفرغة.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة لتغطية ومتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ"أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية"، في مصر والوطن العربي وحول العالم.