السبت، 27 سبتمبر 2025

10:47 ص

"الهند تدخل سباق الرقائق"، نيودلهي تخلع عباءة الاستهلاك وتلبس درع الإنتاج

السبت، 27 سبتمبر 2025 09:23 ص

الرقائق الإلكترونية الهندية

الرقائق الإلكترونية الهندية

في عالم باتت فيه التكنولوجيا المتقدمة سلاحًا إستراتيجي بامتياز، تتجه الأنظار إلى الهند، الدولة صاحبة ثاني أكبر تعداد سكاني في العالم، والتي تسابق الزمن اليوم لدخول نادي الكبار في صناعة الرقائق الإلكترونية، أو ما يطلق عليه “النفط الجديد”.

فبينما يشهد العالم صراعًا محمومًا على السيطرة التكنولوجية، تتقدم نيودلهي بخطى حذرة وطموحة نحو بناء منظومة وطنية متكاملة لأشباه الموصلات، في محاولة لتقليل اعتمادها على الخارج والتحول إلى قوة رقمية مستقلة ومؤثرة.

صناعة الرقائق الإلكترونية

رهان إستراتيجي في زمن التوترات العالمية

ولا يأتي التحول الهندي في هذا القطاع الحساس من فراغ، فمنذ أزمة جائحة كورونا، التي كشفت هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، تزايدت أهمية الرقائق الإلكترونية بشكل غير مسبوق، فمع اشتداد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، وما تبعها من قيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، أصبح تأمين مصادر مستقلة لأشباه الموصلات، قضية أمن قومي لا تقل أهمية عن الغذاء أو الطاقة.

ومن هنا، بدأت الهند تدرك أنها لا يمكن أن تبقى مجرد مستهلك ضخم للتكنولوجيا، وعليها أن تمتلك القدرة على التصنيع المحلي للرقائق، التي تدخل في كل شيء من الهواتف الذكية إلى الأسلحة المتطورة، وفي هذا السياق، أطلقت نيودلهي، خطتها الوطنية لأشباه الموصلات، حيث وافقت حتى الآن على 10 مشاريع إستراتيجية باستثمارات تفوق 18 مليار دولار، تشمل مصانع للتصنيع، وأخرى للاختبار والتعبئة.

اقرأ أيضًا:-

«إنفيديا» تستثمر 5 مليارات دولار في «إنتل» لدعم سباق الذكاء الاصطناعي

 

الهند تدخل السباق من نقطة متأخرة.. لكن بفرص واعدة

إن الهند وإن كانت دخلت السباق متأخرة نسبيًا مقارنة بكبار اللاعبين مثل تايوان وكوريا الجنوبية، إلا أن لديها مقومات تجعلها قادرة على المنافسة، خاصة في قطاعات الرقائق متوسطة الدقة (28–65 نانومتر)، وهي القطاعات التي تستخدم في السيارات، والأجهزة الصناعية، والإلكترونيات الاستهلاكية.

إن طموح نيودلهي لا يقتصر على مجرد الاستثمار في البنية الصناعية، بل يستهدف تأسيس صناعة وطنية متكاملة تمتد من التصميم إلى التصنيع، مرورًا بالاختبار والتغليف، وهو ما يعد بمثابة تحول إستراتيجي بعيد المدى، فما تفعله الهند ليس مشروعًا اقتصاديًا عاديًا، بل إعادة تعريف لدورها العالمي، حيث تراهن على التكنولوجيا كمدخل للسيادة، ولتعزيز الأمن القومي، ولبناء اقتصاد رقمي يمكنه منافسة القوى الكبرى.

التكنولوجيا الهندية

 

الأمن القومي والاقتصاد والمكانة الدولية

ثلاثة دوافع رئيسية تقف خلف الطموح الهندي في دخول نادي صناع الرقائق:-

  • تعزيز الأمن القومي: لا يمكن لدولة بحجم الهند، وبجوارها الصين وباكستان، أن تعتمد على الخارج في تأمين احتياجاتها من رقائق تَدْخل في الصناعات الدفاعية والفضائية.
  • النمو الاقتصادي وخلق الوظائف: ويتوقع أن تخلق مشاريع الرقائق عشرات الآلاف من فرص العمل عالية المهارة، وتنشط البحث العلمي وتدفع بالجامعات الهندية نحو التخصصات الدقيقة في علوم المواد والهندسة.
  • تعزيز المكانة العالمية: فالهند تسعى لأن تصبح بديلًا محتملًا لتايوان، واستثمارًا توجه الغرب به نحو تنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، ما يمنحها موقعًا تفاوضيًا أفضل في النظام العالمي الجديد.

اقرأ أيضًا:-

570 مليار دولار، الصين تحظر شرائح «إنفيديا» وتشعل حرب الرقائق العالمية

التحديات التي تواجه الطموح الهندي

ورغم وضوح الرؤية وجرأة الاستثمارات، تواجه الهند مجموعة من التحديات البنيوية والفنية، أبرزها:-

  • الفجوة التقنية: حيث لا تزال الهند تركز على تصنيع الرقائق المتوسطة، بينما تنتج تايوان وكوريا رقائق بحجم 3 نانومتر، إلا أن تقليص الفجوة، يتطلب سنوات من نقل التكنولوجيا وتدريب الكفاءات.
  • سلسلة الإمداد المعقدة: فتصنيع الرقائق يتطلب معدات متقدمة تحتكرها شركات أوروبية وأميركية، وهي خاضعة لقيود تصدير صارمة.
  • البنية التحتية: مصانع الرقائق تحتاج إلى مصادر طاقة مستقرة، ومياه فائقة النقاء، وبيئات معقمة بدرجة عالية، وهو تحدٍ لوجستي في بلد بمستوى بنية تحتية غير متكامل بعد.
  • نقص الكفاءات التخصصية: فرغم وجود مهندسي برمجيات ومصممين متميزين، إلا أن تشغيل مصانع الرقائق، يتطلب خبرات متخصصة في الهندسة الدقيقة وعلوم المواد، وهو ما يحتاج إلى برامج تدريب طويلة الأمد.
الرقائق الإلكترونية الهندية

 

فرص النجاح.. نافذة إستراتيجية لاقتصاد صاعد

إن الهند تملك حاليًا نافذة إستراتيجية حقيقية للنجاح في هذه الصناعة، بفضل توافر العوامل التالية:-

  • سوق محلي ضخم للإلكترونيات.
  • طاقة بشرية هائلة من المهندسين.
  • تحولات عالمية تبعد الاستثمار عن الصين.
  • دعم حكومي قوي عبر الحوافز والإعفاءات الضريبية.

وهذا الاستثمار الضخم، لا يستهدف فقط تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل هو جزء من معركة الجغرافيا الاقتصادية العالمية، التي يعاد فيها رسم خرائط الإنتاج، بعيدًا عن الاحتكار الأسيوي الضيق لتايوان وكوريا، فيما تسعى الهند لأن تكون في المستقبل القريب مركزًا لصناعة الرقائق، بالشراكة مع شركات غربية ويابانية، وهو ما يمنحها قوة سياسية مضافة، ويعزز من مكانتها في التحالفات الاقتصادية الجديدة.

اقرأ أيضًا:-

بـ 600 مليار دولار، الرقائق الإلكترونية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

ما هو الوقت المثالي للهند؟

الآن هو الوقت المثالي للهند، والنظام التعليمي والمواهب المحلية، والقاعدة الصناعية تمنح البلاد ميزة نسبية يصعب تقليدها، كما تم توقيع العديد من المذكرات، لتطوير البنية التحتية والمكونات الأساسية لصناعة الرقائق في الهند، في مؤشر واضح على بدء تشكل شراكات إستراتيجية، تمهد الطريق لبناء سلسلة توريد محلية قوية.

الرقائق الإلكترونية

 

بين الحلم والطموح.. الهند تختبر قدراتها في عالم الكبار

الرهان الهندي على صناعة الرقائق يتجاوز كونه استثمارًا تقنيًا، فهو في جوهره رهان على المستقبل، وعلى الاستقلال، وعلى إثبات الذات في نظام عالمي لا يرحم المتأخرين، فبينما تحتاج نيودلهي إلى عقد أو أكثر لتقليص الفجوة مع عمالقة الصناعة، فإن مجرد دخولها السباق وبهذا الحجم من الجرأة، يعيد رسم مكانتها كقوة صاعدة، تبحث عن مقعد دائم في نادي التكنولوجيا العالمية.

ولا تنتج الهند اليوم الرقائق الأكثر تطورًا، لكنها تبني الأساس الذي سيسمح لها بذلك غدًا، ومع الزخم السياسي، والاستثمارات الطموحة، والتحالفات الدولية، قد لا يكون ذلك الغد بعيدًا.

تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (تليجرام) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــنا
تابع موقع إيجي إن، عبر تطبيق (واتساب) اضغط هــــــــنا

إيجي إن-Egyin، هو موقع متخصص في الصناعة والاقتصاد، ويهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري، إضافة للتغطية والمتابعة على مدار الـ24 ساعة، لـ“أسعار الذهب، أسعار العملات، أسعار السيارات، أسعار المواد البترولية”، في مصر والوطن العربي وحول العالم.

Short Url

search